«نوبة صحيان».. سياسة وثورة وفن وموت وحياة على شاطئ الإسكندرية

يسيطر الحس الثورى والسياسى على أغلب العروض المسرحية المشاركة فى مهرجان نوبة صحيان المقام بمدينة الإسكندرية، فلا يكاد عرض منها يخلو من تناول الثورات العربية إما بشكل مباشر أو بشكل تلميحى.

وأكدت عروض المهرجان أن ما يحدث الآن على أرض مصر، نجد أصداءه فى سوريا وفلسطين والأردن وسوريا، وما يحدث فى تونس، يهز اليمن والعراق، فالعرض السورى الذى افتتح به المهرجان لفرقة الحكواتى داريّو الأندلسى - سوريا والذى حمل اسم «حكايات سوسنة حمصية ثائرة» تناول ما يحدث على أرض سوريا تلميحا، وبالتحديد فى مدينة حمص من خلال طفلة ولدت يوم 14 مارس 2011 بدمشق من أم إسبانية وأب سورى اسمها سوسنة، وكانت زغاريد عائلتها أول ضجيج سمعته فى الحياة، فعرفت بفطرتها أن تلك كانت أصوات فرح بقدومها ولكنها فى اليوم التالى لرؤيتها النور بدأت تسمع أصواتاً مختلفة، أشبه بالعويل ومختلف الأجراس الموسيقية الطبيعية المتناقضة فما كان منها إلا أن تخلت عن طفولتها المبكرة جدا، وراحت تتأمل كل ما يجرى حولها، تحلله ثم تحكيه لأبيها بلغة المناغاة، دون أن تفارق الابتسامة وجهها رغم مرارة حكاياتها، وهى فى ذلك تشبه جدتها «درية» التى ماتت مبتسمة وهى تحلم بغد أفضل لم تستطع رؤيته.

واختارت أيضا المخرجة المصرية سندس شبايك ما حدث فى ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير ليكون محورا لمسرحيتها «حكاوى التحرير» فى محاولة لاسترجاع أيام الثورة من خلال مجموعة من القصص تعرض فى شكل منولوجات لتروى ثورة يناير، وتحاول تأريخها من خلال تجارب إنسانية لأشخاص عاديين إيماناً بأهمية استمرار روح الثورة ونشر الحكايات، والعرض كما أوضحت لنا مخرجته يتم تطويره على مراحل، وجمع المزيد من التجارب والحواديت وإضافتها فى كل عرض.

أما «حقائب» فهو اسم العرض التونسى للمخرج جعفر الجاسمى الذى اختار الفن والسياسة ليكونا محورين لا يختلفان عن بعضهما داخل العرض، فرحلة الممثل داخل أعماقه تكشف عن الكثير من التفاعلات المجتمعية والتى تكون السياسة محورا مهما لها، واختار العرض المصرى «الجرح والفرح» للمخرج حسن الجريتلى حكايات من حكاوى الثورة للسيدة «عارفة عبدالرسول» التى استشهد ابنها أمام قسم الحوامدية أثناء الثورة برصاصة من ضابط.

ويأتى عرض «ذكرى» من إنتاج مركز لى هال دى شيربيك فى بلجيكا من قبل المخرج رودى موليمانس ليكون مفاجأة المهرجان، فالعرض يتناول شهادات 3 نساء مقربات من 3 قياديين فى منظمة التحرير الفلسطينية فى أوروبا فى السبعينيات وأوائل الثمانينيات تم اغتيالهم خلال عملهم فى تمثيل المنظمة والقضية الفلسطينية، ووضع العمل فى إطار يعبر عن العلاقة الوثيقة بين ما حدث فى السبعينيات من القرن الماضى فى القضية الفلسطينية وما يحدث اليوم.

قدمت أيضا فرقة المسرح البديل وفرقة مسار إجبارى الموسيقية عرضا ممتعا اختارت له اسم «سطور من دفاتر مصر»، وهو عرض موسيقى درامى تتقابل فيه الموسيقى المجردة والمغناة مع الإلقاء والأداء التمثيلى، حيث يعتمد فى بنائه الفنى على قصائد شعرية باللغة العامية والفصحى، ألفها كتاب وشعراء مصريون فى مرحلة السبعينيات والثمانينيات، وبشروا من خلالها بالثورة، ونادوا من خلالها بالتغيير والعدالة الاجتماعية من خلال الكتابة عن أحلام الناس الممنوعة آنذاك، مثل نجيب سرور ومحمود دياب وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور وأنس داود، وغيرهم من الذين بشروا بالثورة، ولم يشاهدوا أحداثها فى 25 يناير 2011.

الدكتور محمود أبودومة مخرج العرض ومدير مهرجان نوبة صحيان أكد لـ«اليوم السابع» أن سيطرة الحس الثورى والشكل السياسى على العروض أمر طبيعى جدا لأنه موازٍ للحدث والظرف الذى نعيشه فى مصر ويعيشه المواطن العربى فى كل الدول العربية.ويؤكد أبودومة أن العروض هى برنامج موازٍ ومشروع ثقافى عنوانه «من يكتب التاريخ.. وكيف يكتب؟» فلقد هز الربيع العربى العالم وأثبت بأن الأهالى يستطيعون أن يمسكوا بزمام الأمور، ويعيدوا تعريف واقعهم، وقد كانت هناك نتاجات إبداعية مكثفة تعبر عن هذه الانتفاضة وعن أصوات الناس وأفكارهم وتوثق الخبرات المعيشة، وتضمن بأن تكتب الجماهير التاريخ لا الإعلام ولا المؤرخون فقط.

المصدر: اليوم السابع