الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار
صورة الخبر: المنامات
المنامات

اهتم العلماء العرب المسلمون بالأحلام وتفسيرها، وأصبح ذلك مرتبطاً بأسماء أعلام الفكر في التاريخ العربي، مثل: محمد بن سيرين، ابن عربي (في كتابيه «الفصوص» و«الفتوحات المكية»)، ابن خلدون.

وسعى ابن عربي وابن خلدون، منذ تلك الآونة، إلى تفسير الأحلام وتحليلها وتقسيم أنواعها ومعرفة أسبابها ومصادرها، أي التعامل معها كعلم متكامل، وهذا بينما لم يبدأ اهتمام علماء الغرب بدراسة الأحلام إلا حديثاً. وسنتوقف تحديداً مع كتاب «تفسير الأحلام» لابن سرين. إذ وصف فيه أصدق الرؤى، وشرح الكثير من الجوانب في المجال، بعمق ودقة. فنجح في جعلها تعد علماً، مخرجاً إياها من قالب وخانة الأسطورة، كما في السابق.

ارتبط كتاب «تفسير الأحلام» المنسوب لابن سيرين، بهذا العلامة واقترن باسمه. لكن ما يرجحه أهل الدرس والفحص، أن تلامذته هم الذين كتبوه عنه.. فمع كثرة ثناء العلماء على ابن سيرين وفي تراجمهم له، لم يذكر أحد منهم أنه كتب كتاباً لتفسير الأحلام.. والغالب أنه كتبه وجمع أفكاره تلاميذه عنه.

مقتطفات مما يقوله ابن سيرين في كتاب، عن أصدق الرؤيا.. (أصدق الرؤيا بالأسحار وبالقائلة، وأصدق الأوقات وقت انعقاد الأنوار ووقت ينع الثمر وإدراكه، وأضعـفها الشـتاء. ورؤيا النـهار أقوى من رؤيا الليـل. وقد تتغير الرؤيا عن أصلها باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وأقدارهم وأديانهم، فتكون لواحد رحمة وعلى الآخر عذاباً. ومن عجيب أمر الرؤيا أن الرجل يرى في المنام أن نكبة نكبته، وأن خيراً آل إليه، فتصيبه تلك النكبة بعينها، ويناله ذلك الخير بعينه).

ويرى ابن سيرين أن أصل الرؤيا، جنس وصنف وطبع.. (فالجنس كالشجر والسباع والطـير، وهذا كله الأغلب عليه أنه رجال، والصنف أن يعلم صنف تلك الشجرة من الشجر، وذلك السبع من السباع وذلك الطير من الطيور، فإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل من العرب لأن منابت أكثر النخل من بلاد العرب، وإن كان الطائر طاووساً كان رجلاً من العجم، وإن كان ظليماً كان بدوياً من العرب.

والطبع أن ينظر ما طبع تلك الشجرة فتقضي على الشجرة بطبعها، فإن كانت الشجرة جوزاً قضيت على الرجل بطبعها بالعسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة، وإن كانت نخلة قضيت عليها بأنها رجل نفّاع بالخير مخصب سهل...).

ويتابع ابن سيرين: (وإن كان طائراً علمت أنه رجلٌ ذو أسفار، كحال الطير، ثم نظرت ما طبعه فإن كان طاووساً كان رجلاً أعجمياً ذا جمال ومال، وكذلك إن كان نسراً ملكاً، وإن كان غراباً كان رجلاً فاسقاً غادراً كذاباً، وإن كان عقاباً كان سلطاناً محارباً ظالماً عاصياً مهيباً، كحال العقاب ومخاليبه وجثته وقوته على الطير وتمزيقه لحومه).
أقسام الناس بالنسبة للرؤيا

يقول ابن سيرين في تفسير رؤيا الناس في المنام: (الأنبياء: ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.. الصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.. من عداهم: ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهم على ثلاثة أقسام، مستورون:

فالغالب استواء الحال في حقهم.. فسقة: الغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيهم الصدق. كفار: يندر في رؤياهم الصدق جداً، وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤية صاحبي السجن، ورؤيا ملكهما في سورة يوسف...).

آداب طالب التعبير

(على طالب التعبير أو تفسير الرؤيا، كما يشير ابن سيرين، أن يتحلى بصفات عدة، ليتم له المراد من تفسير رؤياه، على الوجه الأكمل، وهذه الصفات، طبقاً لما يوضحه هي:

أن يتحلى بالصدق التام، لحرمة الكذب في الرؤيا، خاصة وأنها جزء من أجزاء النبوة.

الدقة في سرد الرؤيا، لأن الرؤيا إن لم تسرد على مفسرها بالدقة المطلوبة، قد تشوش الصورة وتجعلها ضبابية، تعيق القدرة عند المعبر، على التعبير أو التفسير.

أن يتحلى بالتواضع والأدب، لأن المعبر إنسان غير عادي، إنه عالم جليل، ومحترم.

ألا يجهد نفسه بتذكر الرؤيا، لأن الرؤيا الحقيقية لا تنسى أبداً، إنها تظل مطبوعة بحروف وبصورة غير قابلة للاضمحلال أو النسيان، طيلة حياة الإنسان، والرؤيا الحقيقية تحفز رائيها إلى طلب تعبيرها، ولا يرتاح إلا إذا علم تعبيرها أو تفسيرها، ولا يهتم للعقبات أو الحواجز التي تقف في طريق تعبير رؤياه.

أن يخبر معبر الأحلام عن وضعه، إذا كان عازباً أو متزوجاً، وعن وضعه في المنـزل، وعن عدد أولاده، وعن وظيفته ومـكانته الاجتماعية، لأن هـذه الأشياء والتفـصيلات، تفيد جـداً في المساعدة على تفسير الحلم).

اشتراطات وضرورات

يتابع ابن سيرين في كتابه، سرد آداب طالب التعبير، متطرقاً إلى مسائل تهم الشخص المعني، من مختلف الجوانب وفي التفاصيل كافة. إذ يقول:

(على طالب التفسير أن يجيب على كل الاستفسارات بصدق وأمانة، ولا يخفي شيئاً عن المعبر، لأن في إخفاء بعض الاستفسارات تضليلاً للمفسر، ما يجعله عاجزاً عن تعبير الرؤيا. وعلى طالب التعبير أن لا يكون ملحاً في طلب المزيد من التفسير والتعبير، لأن المفسر يخبر بقدر ما يرى المصلحة في الإخبار، إذ إنـه قد يخبر عن أمر ويـسكت عن آخر، فهو يخبر عن أمور الخير والتبشير .

وقد يسكت عن أمور السوء والمرض والموت، وقد يلمح لها تلميحاً خفيفاً. وقد يحجم عن تفسير أمور فيها إخراج للسائل كارتكاب بعض المحذورات شرعاً. وعلى طالب تفسير الرؤيا أن يكون صبوراً، فقد يمهل من قبـل مفسر الرؤيا بعض الوقت..

وذلك لضبابية الرؤيا أو لفـقد أحد العناصر التي تـساعد على التـأويل، وطلب الإمهال لا يـقدح بـقدرة مفسر أو معبر الرؤيا. وعلى طالب التفسير ألا يعتقد اعتقاداً جازماً بمصداقية المعبر وصدق التعبير، فقد يصيب وقد يخطئ، إنه أمر اجتهادي لا أكثر ولا أقل، إلا أن يصدر عن نبي أو رسول فعندها يجب التصديق بكل كـلمة يقولها النبي أو الرسول).

ويضيف ابن سيرين، حول الموضوع نفسه: (ألا يطلب التعبير في أوقات الكراهة. مثل لحظة طلوع الشمس، ولحظة غروبها، وعند الزوال، ولا في الليل، بل يطلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أوقات الكراهة هي أوقات عمل، والعمل مفضل شرعاً على طلب تفسير الأحلام، أو كما قيل. وفسر بـعض العلماء الأفاضل، بأن أوقات الكراهة هـذه إنما هي أوقـات تجتهد فيها الكفرة لتقديس الجن والشياطين وفعل المحرمات والخبائث.

وألا يطلب تعبير رؤياه من جاهل، أو كافر، أو من حسود، أو من عدو، أو من إنسان لا يستطيع كتمان سر. وألا يستعجل تحقق الرؤيا، فبعض الـرؤى يحتاج إلى وقت طويل لتتحقق، فـرؤيا يوسف الصدّيق للكواكب والشمس والقمر، قد تحققت بعد أمد طويل.

على طالب التفسير، أن يعلم بأن ليس كل ما يرى في المنام، يندرج تحت باب الرؤيا الصادقة. على طالب التفـسير أن يلم بأنـواع الأحلام، وأن الـرؤيا وحدها هي محط التفسير، وأن الـداعية الديـني أو المـوجه مهمته تفسير الحلم، والطبيب النفسي مهمته تفسير أضغاث الأحلام).

رائد وعلم

يعد ابن سيرين بكتابه «تفسير الأحلام»، رائداً لعلوم لقيت كبير الاهتمام، في ما بعد، مثل: علم النفس، علاقة الأحلام بالحالة النفسية. ويعد صاحب السبق في هذا العلم. إذ إنه بما قدمه في الحقل، نجح في إعطاء الأحلام قيمة علمية تحليلية، ذلك بعد أن كانت «الأحلام والرؤى» تصنف ضمن الأفكار الخرافية أو الأسطورية.. ولم يكن من منهج ما لتفسيرها.

ما الأحلام؟

الحلم عند اللغويين هو: الرؤيا على وزن فعلى، ما يراه الإنسان في منامه.. الحلم عند علماء النفس هو: رسائل لا غنى لنا عنها لتبليغ المعلومات الحيوية من الجزء الغريزي، الفطري، من الذهن البشري إلى الجزء الواعي. الأحلام إذاً، هي الحضور الخفي في الوعي.

المنهج الفرويدي

يفترض رأي سيغموند فرويد في الحلم، أن رمزية الحلم لا تمتُّ بصلة إلا إلى الذاكرة والماضي. كما أثبت أن الحلم مسرح لأفكار ومشاعر لم تكن واعية.. وهو ما يعتمده تلميذه يونغ، من ضرورة توافر الظروف التي تنتج أحلاماً من نوعها، فالحلم يترجم حالة في لحظة، بهدف حل المشكلة النفسية.

الحلم عند أهل الفقه

للرؤيا ملك يقال له ملك الرؤيا فعند اليقظة تعدم المناسبة، وعند النوم تحصل المناسبة مع ذلك الملك، فينطبع في النفس من الملك ما أخذه من اللوح. أما الحلم الكاذب، فإما بسبب تخيل فاسد في اليقظة، أو سوء مزاج أو امتلاء أو لأمراض.

نصير الحق والقيم

أبوبكر محمد بن سيرين البصري. تقي ورع، حصل على لقب الإمامة لجهده في التفسير، والحديث، والفقه.. ولد، أغلب الظن، في عام 30 هجرية، وتوفي عام 110 للهجرة، عن عمر يناهز ثمانين سنة..

كان عالماً بارعاً في تأويل الرؤى. وعاصر محمد بن سيرين، بداية خلافة عثمان بن عفان، ومن بعده. كان أبوه (سيرين) مملوكاً لأنس بن مالك الصحابي، وكان من نصيبه بعد معركة عين التمر، وهي بلدة غرب الكوفة، فتحها خالد بن الوليد في زمن خلافة أبي بكر الصديق، فأعتقه أنس.

عرف عنه إحقاقه للحق والقول الفصل حسب ما يعتقد. ولعل نشأته الأولى هي السبب، إذ زرعت فيه التمسك بالقيم العليا والعمل عليها. ومنذ صغره عرف مجموعة كبيرة من الصحابة. فأقبل عليهم ينهل من علمهم وفقههم وروايتهم لحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فلما شب ونضج، اشتهر وذاع صيته وعُرف بالعلم والورع. رددوا عن مواقفه وآرائه الكثير من تلك التي كانت سبباً للاختلاف مع الولاة.

المصدر: صحيفه البيان

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على المنامات علماً لا أسطورة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
16507

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة