الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › استنزاف النهايات و حدود الفضاء في أعمال زها حديد

صورة الخبر: أعمال زها حديد
أعمال زها حديد

إثر نوبة قلبية مفاجئة، رحلت العربية العراقية كما كانت تحب أن تصف نفسها زها حديد، تاركة وراءها تحفاً من التصميمات المعمارية، التي توجتها علي عرش الهندسة، ليس هذا وحسب، بل إنها صُنفت كرابع أقوي امرأة في العالم، حسبّ تصنيف مجلة التايمز عام 2010 ، هنا نكتب عن قليل من نجاحاتها الكثيرة.

يتخذ النزوع التفكيكي، ما بعد الحداثي أشكالا إبداعية نسبية فريدة في أعمال المعمارية العراقية البريطانية الراحلة زها حديد (1950 - 2016)؛ فلا يمكن فصل الثقافي عن الجمالي، واليومي في تصميماتها التي تمنح الوظيفي أبعادا فنية تتجاوز البني، والحدود المسبقة من جهة، وتؤجل أي اكتمال ذاتي محتمل من جهة أخري؛ وهي تؤكد حالة التداخل بين الفلسفة، والكتابة بمدلولها السيميائي الواسع في فكر جاك دريدا، كما تشير الدوائر، والمنحنيات، والأطياف، والتشبيهات المولدة عن هذه النماذج إلي الدلالات الثقافية المتعلقة بنموذج الدائرية، والخلود في فكر كارل يونج ؛ فمتحف السيارات مثلا يبدو متجاوزا لحدود التكنولوجيا بمدلولها الحداثي؛ إذ تشير إلي غياب الإنساني في حالة الإبداع الكوني، أو الصيرورة التي تذكرنا بنتاج فريدريك نيتشه؛ فثمة نوع من التحول الإبداعي في المشهد الإنساني الضخم نفسه؛ بما يحويه من آلية عقلانية لا مركزية؛ وهو ما يؤكد أصالة التعدد في تصميمات زها حديد، وتجاوزها المستمر للغاية، والبني المستقرة في الهندسة المعمارية؛ وقد تدل الممرات - لديها علي استنزاف النهايات؛ فيما يخص العمل الفني؛ وهو ما يذكرنا باستمرارية العمل الفني فيما بعد الحداثية طبقا لإيهاب حسن؛ فالحياة اليومية تبدو كأطياف متغيرة، وجمالية في تلك الممرات التي تحمل نزوعا تجريديا متجاوزا لحدود الذات المنتجة؛ وكأن اليومي يسهم في تأجيل نهاية الممر الفني، ويوحي بلانهائيته في نماذج الوعي، واللاوعي لدي المتلقي، أو المشاهد.
ويسهم السياق الثقافي، والواقعي معا في قراءة أعمال زها حديد بوجهات نظر تأويلية جديدة؛ فقد يحمل المتحف علاقة ثقافية بالماضي / العالمي، ويتصل باستعادة لأعمال آندي وارهول الطليعية؛ فتتصل الدلالات الثقافية المتباينة بتشكيل المتحف الجمالي؛ وما فيه من تباين، وتداخل، وتراكم للفراغات، والحدود، والممرات؛ وكأن حالة الاختلاف التي تفكك الأطر البنائية، توازي تباين الدلالات الثقافية المتعلقة بذاكرة المتحف نفسه، وما تستدعيه من تعددية تتجاوز المركز، دون توفيق حاد بين الأجزاء، أو بين المرجعيات الثقافية المحلية، والعالمية للمبني.
ويدل نتاج زها حديد علي مواكبتها لتحولات الفكر الغربي ما بعد الحداثية، وتأكيدها المستمر لفاعلية العناصر الثقافية المستعادة من التراث الإنساني، وما يتضمنه من أصالة تتداخل مع النزوع التفكيكي؛ فقد توحي الفجوات الداخلية لمركز حيدر علييف الثقافي بأذربيجان بالسخرية ما بعد الحداثية الراقصة التي تشبه المنزل الراقص لفرانك جاري في براغ، وتشير إلي الأثر الجمالي الكامن في اللاوعي الجمعي لصخب الكهوف القديمة؛ وما فيها من أطياف الموت، والحياة، والامتلاك الشبحي للعالم؛ كما تحضر بعض الشخصيات الأسطورية القديمة؛ مثل جلجامش، ومردوخ، وتعامة، وعشتار، وتموز في أخيلة المياة، واستعاراتها المتضمنة في المبني، وصيرورته الكونية، والثقافية؛ ورغم تعددية النزوع ما بعد الحداثي نفسه، وسخريته من المركز البنائي الفني، أو الثقافي؛ فإن فاعلية الماضي تتخذ هنا دلالات جديدة تتعلق بحضور الذاتي في صور خفية فاعلة، وتستعيد الأسئلة الثقافية القديمة نفسها، كأنما تبدو للمرة الأولي، ولكن في سياق حضاري مغاير.
يمكن قراءة أعمال زها حديد إذا انطلاقا من التحول ما بعد الحداثي الذي بدا في نتاج تشارلز جنكس، وفرانك جاري، وبيتر أيزنمان، وغيرهم، وكذلك في إضافاتها النسبية للخطوط، والمنحنيات، والممرات الجمالية التي تتضمن لعب الأشكال التراثية، والرؤي الذاتية المتعلقة بها، وفاعليتها الخفية معا.
وبصدد سمات التصميم الهندسي ما بعد الحداثي للمبني، يري تشارلز جنكس في كتابه "قصة ما بعد الحداثية" أن المبني ما بعد الحداثي يتسم بالتعددية، والاختلاف، والسخرية، والجمع بين فترات زمنية متباينة؛ وهي خليط بين الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ وذلك لإنشاء منمنات مدينة زمنية، كما يتضمن الإشارات إلي التكنولوجيا الحديثة، والثقافة المحلية معا، ويجمع بين الثقافة العالية، والشعبية في عالم متداخل.
(Read, Charles Jencks, The Story of Post Modernism, John Wiley & Sons Ltd, U.K, 2011, P 9).
تفكك رؤي الهندسة المعمارية ما بعد الحداثية إذا الفضاء، والبني الزمنية، والثقافية المهيمنة، وتضع الراصد ضمن تحولات الأخيلة، والأشكال الاستعارية المصاحبة للمنظور التأويلي المحتمل، والمتغير؛ فالأشياء، والعلامات، تكتسب بعدا جماليا مضافا، ومتجاوزا للهوية الأولي، ويستنزف النهايات، والمرجعيات المسبقة؛ ومن ثم يصير كل من الوظيفي، واليومي جزءا من نسيج العلامات الجمالية المتجاورة التي تسخر من المركز، ومن مدلول الزمكانية التقليدي.
ويمكننا قراءة هذه الملامح، وغيرها في مجموعة من أعمال زها حديد؛ مثل متحف روما للفن المعاصر، ومركز حيدر علييف الثقافي، ومتحف ريفرسايد للسيارات؛ فقد اتصلت هذه الأعمال بسياق ثقافي تعددي، ومارست المحاكاة الساخرة إزاء مدلول الفضاء بصورته الإنسانية الحداثية.
أولا: تعقيد الفضاء، وانفتاحه، وتنوعه الثقافي:
يجسد متحف ماكسي للفن المعاصر بروما، نوعا من الصفاء الديناميكي المجرد، والذي يختلط بحدة التباين أحيانا بين الأبيض، والأسود، كما يسخر من البني المستقرة انطلاقا من التعقيد، والتعدد المتجاوز لمركزية الفضاء؛ فالدرج، والممرات، توحي بغياب الذات في فضاء جمالي نيتشوي يستنزف الواقع، ويستعصي علي التحديد في آن؛ وكأن المبني يفكك الغاية انطلاقا من جماليات المنحنيات التي توحي بصعود شعري متحول؛ ومن ثم تصير الذات كأحد تحولات العلامة في الفضاء المعقد الذي يشير إلي الماضي، وتقنيات التكنولوجيا الحديثة، واستنزاف الواقع انطلاقا من تنازع الفضاءات الجمالية، والواقع اليومي الطيفي في المشهد.
ويظل التراث الروماني فاعلا بصورة خفية انعكاسية جديدة، ومتداخلة في ذلك السياق الكوني العالمي الذي يحتفي بالاختلاف، والتناقض، والتنوع الثقافي المتجدد، والمتجاوز لنهايات لحظة الحضور.
ثانيا: لعب الخطوط، والعلامات:
يبدو النزوع التفكيكي واضحا في الاحتفاء بالاختلاف، ولعب العلامة الهندسية في تصميم زها حديد لمتحف ريفرسايد للسيارات في جلاسكو؛ فالخطوط تعلن عن حضورها، وعن تفكيكها للنهايات المحتملة في آن؛ فهي تبدو في حالة ديناميكية تجريدية لعبية تشبه الخطوط، وتسخر من بناها الذاتية في آن؛ وهي تؤكد البدايات المتجددة للعمل الفني فيما بعد الحداثية من جهة، وأصالة المكون التراثي المتعلق بأخيلة الماء، والأساطير الأنثوية، وكذلك الدائرية المحتملة المستدعاة من اللاوعي الجمعي من جهة أخري.
إن الإضاءة تشكل تناغما متغيرا مع التشكيل بالخطوط في المتحف، وتؤجل اكتمال الفضاء الجمالي؛ وكأن الحدود تسعي للانهائي؛ أما الفضاء الداخلي فيصير كلوحة تجريدية تؤكد هوية المبني، وتسخر من اكتمالها الذاتي معا؛ فلعب الخطوط هنا يتوافق مثل الموسيقي مع لعب الألوان، والإضاءة، وتشبيهات الأطياف، والصور المنعكسة.
ثالثا: صخب الأخيلة، ووفرة زوايا الرؤية:
صممت زها حديد مركز حيدر علييف الثقافي في صورة تموج لامركزي، يشبه الكتابة الأولي عند جاك دريدا؛ فالموجة المرتفعة تشبه الصوت الذي يختلط بالأثر المتحول في تداعيات الكتابة، وعلاماتها، واستبدالاتها المحتملة في المشهد، كما يوحي الصفاء الأبيض في تشكيل المبني بالتصوف، وتداخل الأصوات عند كازنتزاكيس، ويأتي صوت جلجامش الباحث عن الخلود هنا بصورة أقوي، كما يبدو العمل في صورته الكلية كتكوين تجريدي متحرك، ومتعدد الأبعاد، ويؤكد التناغم، والاختلاف معا.
وقد كشف الناقد جون سيبروك في مقاله "التجريدية، إبداع زها حديد غير المحدود" في مجلة "النيويوركر" الأمريكية عن الجانب التجريدي عند زها حديد؛ فهي تحيل إلي الرسوم التجريدية؛ كي تنقل أفكارها، وهي تشوه الخط، والمستطيل، وتحتفي بتعدد وجهات النظر، والتشكيل الذي يشبه الأعمال التكعيبية.
(Read, John Seabrook, The Abstractionist, at: HYPERLINK "http://www.newyorker.com/magazine/2009/12/21/the-abstractionist" http://www.newyorker.com/magazine/2009/12/21/the-abstractionist).
إن زها حديد تومئ إلي نزوع اليومي إلي الجمالي في هذا العمل، وكذلك إلي الصفاء اللامتناهي في تجدد بدايات اكتشاف العالم، ممزوجة بأصوات ما بعد العمل الفني، وما بعد الهوية التاريخية للمتلقي، والمبدع؛ فثمة غياب فيما وراء البني، والحدود، واستدعاء مجازي للنقوش المتحركة علي الكهوف القديمة، واحتفاء بتناقض لأخيلة المياه التي تستدعي صورة أوفيليا المتناقضة بين الموت والحياة في تحليل باشلار لأخيلة اليقظة المبنية علي الماء؛ فالمبني يحتفي بالذاكرة الجمعية، والمحاكاة الساخرة ما بعد الحداثية إزاء الخطوط، والأشكال، والحدود؛ وكأن بدايات العروض الفنية تقترن في كل مستوي نسبي من مستويات الحضور بالتداخل بين الأزمنة، والفضاءات الجمالية، واليومية، وتعدد طرق الإدراك لدي الجمهور.

المصدر: اخبار الادب

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على استنزاف النهايات و حدود الفضاء في أعمال زها حديد

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
62950

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة