الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

عاش خمس سنوات في غرفة رطبة تحت الدرج بالقاهرة

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › العابد الجوفي من ملهاة الأدب إلى مأساة النسيان

صورة الخبر: احد اعمال عابد ابراهيم
احد اعمال عابد ابراهيم

طوال ثلاث سنوات لم يستطع النادي الأدبي بمنطقة الجوف شمال السعودية العثور على أسرة الأديب الراحل عابد إبراهيم العابد الجوفي للتحدث معها في شأن طبع أعماله الشعرية والأدبية، وما زالت أعمال هذا الأديب الذي عاش حياة مأساوية في سنواته الأخيرة قبيل رحيله حبيسة أدراج النادي الأدبي، في انتظار الوصول إلى أحد أفراد أسرته التي تسكن بمنطقة الجوف.

فقبل رحيله في 18 يونيو 2002 عن سبعين عاما، حصلت منه على مجموعة من أعماله الأدبية المخطوطة، وهي أعمال تتضمن مجموعة قصصية بعنوان:" ناس من الجوف" ومسرحية بعنوان:" الكرسي" وديوانا شعريا، وكتابا أدبيا بعنوان:" الشعراء الأحمدون" وهذه الأعمال مفسوحة من وزارة الإعلام " والثقافة" السعودية، ولكن لم تتقدم أية مؤسسة أو دار نشر لطبعها، وتحمس لطباعتها رئيس النادي الأدبي بالجوف السابق الكاتب عبدالرحمن الدرعان، ولكن ما زالت أعماله حبيسة الأدراج كما ذكر رئيس النادي الأدبي الجديد إبراهيم الحميد.

عاش الأديب عابد إبراهيم العابد الجوفي خمس سنوات بالقاهرة (1987-1992)، وسكن في غرفة رطبة تحت الدرج في منطقة شعبية بمحافظة القليوبية القريبة من القاهرة، حيث واصل قراءاته وكتاباته في هذه الغرفة البائسة، وهو يعاني شظف الحياة، وتعرف على الشاعر أحمد فؤاد نجم، وكان يحضر بعض المنتديات الأدبية بالقاهرة.

وحين عاد إلى الرياض في العام 1993، وبمساعدة ابنه الأكبر، بدأ في العمل بالتجارة، لكنه لم يوفق في عمله التجاري، واتجه للعمل بالإذاعة السعودية كمعد للبرامج الثقافية بمكافأة زهيدة.
وعلى الرغم من مقاطعة أسرته ميسورة الحال له، فإن ابنه الأكبر "خالد" كان كثيرا ما يساعده على غلاء المعيشة بالرياض، حيث تزوج من مغربية وأنجب منها ابنا سماه:" إبراهيم" ورحلت أسرته إلى المغرب عقب وفاته.

كان الرجل يبحث عن الكتابة الذاتية التي تحمل همومه، ورؤاه الجمالية البسيطة التي تنطلق من هم ورؤية رومانتيكية حقيقية، فقد كان العابد، المولود بالجوف، والذي عاش ردحاً من الزمن بالرياض وشهد تحولاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يحلم. كان يحلم بتواصل حقيقي مع الواقع الأدبي، مع المثقفين والأدباء والكتاب، كان يحلم أن يلتفت أحد لتجربته أن يقدمها أن يقيمها ويقومها، لكن المدينة لا ترحم.. إنه القناع الذي خشي أن يرتديه العابد، قناع التلون، أو الشللية، فآثر الابتعاد، منسحباً إلى ذاته، يقرأ ويكتب، ويؤلف حتى ترك مجموعة من الدواوين، والقصص، والكتب، لكنه لم يتمكن من طبعها في أواخر حياته لظروف اجتماعية ومادية، على الرغم من أنه كان ينتمي للحياة العسكرية ووصل فيها إلى رتبة متقدمة.

وللشاعر العابد ديوان وحيد مطبوع منذ أكثر من أربعين عاما بعنوان:" همس الشوق" قدم له الشاعر حسن عبدالله القرشي حيث جاء في التقديم: (لقد سعدت حقاً بقراءة الإضمامة الشعرية النفيسة) (همس الشوق) التي تلطف فأسعدني باتاحة فرصة قراءتها بادعها الشاعر الأديب الأستاذ عابد إبراهيم الجوفي.. وقد بدا لي أن شعر هذه الإضمامة، وهي باكورة إنتاجه، يبشر بمستقبل باهر للشاعر الأديب إذا حرص على إنماء موهبته التي لا مراء في ازهارها حتى تعطي ما ينبغي لها إعطاؤه من الثمار، واعتقادي من واقع قصائده أنه مخلص كل الإخلاص في مداعبة عرائس الشعر، كما أن متذوق فنه يشعر بانسياب أشعاره وطواعية اسلوبه وبعده عنه التكلف والافتعال. ولا أشك لحظة في أنه سيكون لاسمه موضعه من اللمعان والإشراف والتوهج، في سماء الشعر السعودي الحديث، ويومها يمكن للكاتب ألا يكتفي بتحية هذا الشعر بل أن يخضعه لموازين النقد ومعايير التقويم.

ولعل رؤية القرشي لم تتحقق تماماً، فلم يصبح للعابد ولا لاسمه هذا (اللمعان والإشراق والتوهج) لأسباب متعددة، منها عدم تمكنه من نشر واصدار أعماله بشكل منتظم، وتجاهل الكتاب والمثقفين أو انشغالهم بالأصوات الزاعقة أو الحاضرة بقوة في المشهد الأدبي، فيما كان العابد منشغلاً بهموم الحياة ذاتها.
إن مؤرخي الأدب بالمملكة العربية السعودية لم يلتفتوا على الإطلاق لتجربة الشاعر عابد الجوفي، ولم يتوقفوا أمام سيرته الأدبية،بل إنه لا يذكر حتى من باب تاريخ الأدب ربما لغيابه عن معظم منابر النشر والثقافة، وعدم نشر إنتاجه الأدبي في أكثر من منبر، بيد أن عمله الوحيد المنشور هو ديوانه الشعري:" همس الشوق" الذي صدر في العام 1968م على نفقته الخاصة، وهو اليوم يعد من الكتب النادرة حيث لا يوجد له أي ذكر حتى على نطاق تاريخ الأدب السعودي إلا في بعض الإشارات البسيطة، وقد جاء إهداء الديوان في شكل قصيدة قصيرة يقول فيها الشاعر:
من ذا ترى أولى بنفحة شاعر؟
ولمن ترى أهدي جميل مشاعري؟
***
ألواله يشكو صدود الهاجر؟
ألطائر شاد بغصن ناضر؟
ألزهرة ناست كطيف زائر؟
بشذى تعطر بهجتي وبشائري
بقدوم طيف أو بأوبة سامر
***
ألغادة تطفي لهيب سعائري؟
بحنوها وبحفظها لسرائري
وبفهمها لمشاعري وخواطري
وشغاف قلب بالمحبة عامر
تلكم دراري مهجتي وجواهري
***
صور تمر سريعة في خاطري
صور تراءت حلوة للناظر
من هذا النموذج القصير نجد أن الشاعر يؤثر اللغة الشعرية الرومانتيكية، التي يبث فيها لواعجه وشجونه، كما أنه يتساءل دائما عن مغزى كتابته الشعرية ولمن يهديها؟
لقد كان حلم العابد أن تطبع أعماله في حياته، وأن يراها مقروءة بين أيدي الناس، لكنه لأسباب مادية لم يتمكن من ذلك، فعاش فحسب على صدى ديوانه الأول: (همس الشوق) الذي أصدره بالرياض أواخر الستينيات من القرن العشرين، وقد ضم الديوان: 68 قصيدة من الشعر العمودي وبعض القصائد الغنائية الشعبية.
وقد قسم الشاعر عابد الجوفي ديوانه الذي طبع بمطابع نجد التجارية بالرياض إلى أربعة أقسام هي: اجتماعيات، وطنيات، في الغزل، كلمات غنائية، ويشكل الغزل القسم الأكبر في الديوان حيث جاء في ( 48 ) قصيدة، من بين ( 68) قصيدة فيما تتوزع العشرين قصيدة الباقية على الأقسام الثلاثة الأخرى.
وتبرز القصائد الاجتماعية مدى اهتمام الشاعر بالتحولات الاجتماعية في السعودية، حيث يكتب بشكل مبكر في ستينيات القرن العشرين عن تعليم الفتاة، والأرملة، والأم، واليتيم، كما تبرز قصائده الغزلية مدى احتفائه بالتأملات الرومنتيكية، وتوظيف الحقول الدلالية الرومانتيكية في الطبيعة، والإعلاء من الذات الشاعرة، والخيالات والأحلام، ومن أجواء ديوانه:
عبثا أحاول أن تزول كآبتي
الشعر لا يشدو بدون الشادي
الطير في القفص المذهب قد شدا
أم أنه يشدو على الأوطاد؟
إن القصور وإن تسامت في الفضا
لم ألق فيها بغيتي ومرادي

كما ترك العابد مجموعة من الأعمال الإبداعية والأدبية المخطوطة تتمثل هذه الأعمال في ثلاثة دواوين شعرية، وفي مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان: (الكرسي) والثانية بعنوان: (ناس من الجوف) تضم المجموعة الأولى وهي مفسوحة من وزارة الإعلام (والثقافة فيما بعد) تضم 22 نصاً قصصياً منها: جار السوء، حيل التمساح، قبل المحطة الأخيرة، خفقات، جهد ضائع، النملة وحبة القمح، الجدة والحفيد، وابتسم الحظ أخيراً، والكرسي، وتضم المجموعة الثانية 12 نصاً منها: الحلم، الأرواح المنفية، أحباب الغربة، يا رب ضيف، والانفجار
وتضم مخطوطات إبراهيم العابد أيضاً مسرحية بعنوان: (أنا حرة) تتكون من ثلاثة فصول وعشرة مشاهد. ومن كتبه التي أعدها للنشر ولم تنشر كتاب بعنوان: (ينبوع الحنان) ويضم 110 مرثية اختارها من الشعر العربي القديم والمعاصر، وقد انتهى من إعداد هذه المختارات الشعرية في (3 نوفمبر 1992م) بالقاهرة.
وقد قدم عابد العابد الجوفي لمجموعته: (ناس من الجوف) التي كتبها مستدعياً شخوص قريته، بمقدمة يبين فيها عادات أهل الجوف وكيف يقومون بإكرام الضيف، وكيف يطلقون الألقاب على بعضهم البعض وأشهر هذه الألقاب ومنها: (طنقرها، وعبادي، والزعيمة، ومعيعان، وصفرة) وغيرها من الألقاب التي يرى البعض أنها ألقاب سيئة، والبعض الآخر يعتاد عليها، كما تناول الأكلات الشعبية في الجوف، أما القصص فتدور كلها في الجوف كفضاء مكاني لشخوص قصصه.
كما أعد الجزء الأول من كتاب بعنوان: (الشعراء الأحمدون) عرف فيه بالشعراء الذين تبدأ اسماؤهم باسم (أحمد) مع نماذج من أشعارهم، وقد ترجم في هذا الكتاب لـ16 شاعراً هم: أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، وأحمد الكاشف، وأبو عامر أحمد بن شهيد الأندلسي، وأحمد مخيمر، وأبو العلاء أحمد المعرين وأحمد مطر، وأبو الوليد أحمد بن زيدون، وأحمد فؤاد نجم وأحمد الصافي النجفي، وأحمد غراب، وأحمد لطفي، وأحمد حسان الصغير، وأحمد أبو نصر المنازي، وأحمد بن محمد الأرجاني، وأحمد بن يوسف. وقد كان رحمه الله يعد للجزء الثاني الذي كان سيضم بقية الشعراء مثل: أحمد شوقي، وأحمد فتحي، وأحمد دحبور وغيرهم لكن وافته المنية دون أن يتم هذا الجزء.
إن أعمال الشاعر عابد الجوفي جديرة بأن تطبع، وأن تضاف إلى سجل الأدب والثقافة السعودية، تأكيدا على توثيق الأعمال الأدبية، حتى بوصفها كتابة اجتماعية تاريخية، وعلى التواصل الأدبي والجمالي مع هذا الشاعر الذي رحل ولم يظهر له سوى كتاب وحيد مطبوع، لا وجود له اليوم في المكتبة السعودية أو العربية.

المصدر: ايلاف

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على العابد الجوفي من ملهاة الأدب إلى مأساة النسيان

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
66552

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة