الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › أورهـان بامـوك: مستقبل المتاحف في بيوتنا وقصص حبنا!

صورة الخبر: أورهـان بامـوك
أورهـان بامـوك

بمناسبة تحويل روايته "متحف البراءة" إلي فيلم، وصدور رواية جديدة له بعنوان "براءة الذكريات" يكشف الكاتب التركي أورهان باموك الحاصل علي جائزة نوبل في السطور التالية ذكرياته عن مدينة إسطنبول"، متحدثاً عن متحفه وكتبه.
كتبت رواية متحف البراءة وأنا في حالة تأمل للمتحف. وأنشأت المتحف وفي ذهني الرواية. المتحف لم يكن مجرد فكرة اقتنصتها مصادفة بعد نجاح الرواية، كما هو الحال عندما يتم تحويل بعض الكتب الرائجة إلي أفلام. في الواقع لقد تخيلت الرواية والمتحف سوياً، وفسرت الإرتباط المعقد بينهما في الرواية: شاب في "أسطنبول" من أسرة ثرية في فترة السبعينات يدخل في علاقة بائسة، وحين ذهب حبه، وجد العزاء في كل شيء لمسته حبيبته، البطاقات البريدية، الصور، أعواد الثقاب، المفاتيح، الملاحات، الأثواب، مقاطع الأفلام، لعب الأطفال، ليأخذ كل ذلك ويعرضه في "متحف البراءة".
حين بدأت العمل علي تلك الفكرة، تمنيت أن يتزامن افتتاح الفيلم مع اليوم الذي نشرت فيه الرواية، لأنها بمثابة "كتالوج" للمتحف. ترتيب المداخلات والنصوص المصاحبة ستكون مخططا لها مسبقاً، ومعالجة ببراعة ودقة. إلا أنني انتهيت من الكتاب قبل المتحف، مصاغا مرة أخري كرواية تقليدية، دون صور أو ملحوظات أو حواشي، ونشرتها علي هذا الشكل عام 2008، وحين افتتحت المتحف عام 2012، أدركت أنه لايزال هناك حاجة إلي كتالوج لشرح تصميم وتكوين الفتارين التي أرهقتني كثيراً، لذلك كتبت "براءة الأشياء".
لم أتخيل عندما شرعت في هذا العمل، أنه سيتحول إلي فيلم من إخراج "جرانت جي". الفيلم الجميل الغامض والوثائقي "براءة الذكريات". لم أكن هذه المرة القوة المُلهمة للفيلم، كان دوري ببساطة هو أنني كاتب النصوص الواردة فيه. بدأ الأمر عندما زار "جرانت" "متحف البراءة" في رحلته إلي إسطنبول من أجل عرض فيلمه البارع "حلقات زحل" للكاتب الألماني "دبليو جي سيبالد". واكتشفت أن "جرانت" مهتم بتصوير فيلم وثائقي عن "متحف البراءة". كنت حريصاً علي المشاركة من الناحية الإبداعية.
التقينا في لندن وتحدثنا لساعات. وكان اللقاء الثاني في "اسطنبول" حيث سرنا لأميال. لا أعرف هل كان"جرانت" يرغب في المشي أم أنها رغبتي؟ لا يمكنني التذكر الآن. فلم يكن هناك مكان بعينه نرغب في الذهاب إليه، لكن ربما قادتنا أقدامنا إلي اكتشاف روح المدينة بشكل مباشر. انتهي بي الأمر بمشاعر متضاربة، حين كنا نجوب الشوارع، كنت أحاول استحضار الماضي الذي تلاشي، وفي نفس الوقت وضعت ذكرياتي جانباً. فكرت: أي من الأشياء التي رأيناها قد تجذب اهتمام جمهور لا يعرف مدينتي. التمشية في إسطنبول مع شخص غريب لها ميزة كبيرة، فقد قدم لي وجهة نظر مختلفة عنها، وعن الحياة فيها، وعن ذكرياتي، كلما صادفنا شيئاً جميلاً أو مثيراً للاهتمام.
استند فيلم "براءة الذكريات" كثيراً علي الرواية، بنفس القدر التي استندت فيه إلي الأشياء الموحية لها؛ (سماعات، فناجين القهوة، الصور، مقاطع من أفلام قديمة صُورت في إسطنبول). فقد استكشفت الكاميرا الأشياء الملائمة لوجهة نظري حول ما يجب أن تكون عليه المتاحف، فمستقبل المتاحف في بيوتنا، في حياتنا اليومية، وفي الشوارع. علي المتاحف ألا تهتم بالتاريخ علي نحو واسع، ملاحم الملوك والأبطال، أو صياغة الهويات الوطنية، عليها التركيز علي حياة الناس العادية وقصص حبهم، تماما مثلما تفعل الروايات الحديثة.
عندما بدأت التجول في شوارع "اسطنبول" استعداداً للرواية والمتحف مقتحماً أسواق "البراغيت" (سوق المستعمل)، ومحلات بيع الكتب المستعملة، وبيوت الأهل والأصدقاء باحثاً عن علب الدواء القديمة، وبراويز لوحات المساجد، وبطاقات هوية، وصور جوازات السفر. أدركت أن جمع القطع الأثرية للمتحف لا يختلف كثيرا عن جمع القصص والوقائع من أجل كتابة رواية.
قصة الحب في "متحف البراءة" تقع أحداثها بين عام 1974 و1980، فشخصيات الرواية كلها من النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن كاميرا "جرانت" الفضولية أرادت أيضا أن تتوقع "اسطنبول" في القرن الحادي والعشرين، من خلال التوسع الحضري الوحشي السريع، والطريقة التي تتعامل بها ناطحات السحاب الجديدة مع كبار السن بالمدينة، وروح الحزن! فأبطال قصة الحب ماتوا، والبيت الذي عاشوا فيه تم تحويلة إلي متحف، لذا فكرت في التركيز علي الشخصيات الثانوية، التي لم يكن لها دوراً كبيراً في الرواية.
كما هو الحال مع الرواية والمتحف، هذا الفيلم ينبع معظمه من جولاتي في "اسطنبول"، خلال النصف الثاني من التسعينات، إذ قمت بتمشيط الشوارع وأحياء وسط المدينة بحثا عن مبني -استطيع شراؤه- حيث يُمكن لبطلي قصة الحب التي في مخيلتي أن يعيشا، والذي سوف يصبح في وقت لاحق متحفاً! كانت المنازل وقتها رخيصة، وفي عام 1998 اشتريت مبني يبلغ عمره مائة وعشرين عاما في "كوكوركوما"، الذي يستضيف حالياً المتحف. ظللت أبحث عن أشياء تخيلتها جزءاً من حياة شخصيات الرواية مثل الأواني الفخارية القديمة، وأدوات المطبخ، وزجاجات الخمور، والمفاتيح، والساعات، وطفايات السجائر.
في وقت قريب، حين كنت في مرحلة إنشاء المتحف، بدأت أيضا كتابة رواية جديدة "غرابة في ذهني"، فكنت أقضي وقتاً طويلاً من الليل سائرا في الأحياء الفقيرة في قلب المدينة التي يعيش فيها بطل تلك الرواية الجديدة، كبائع متجول، ثم أعود إلي بيتي في الظلام الدامس لأكتب حتي الرابعة صباحاً.
خلال سيرنا أنا و"جرانت" عبر الأحياء التي تعاني نقصا شديدا في الاحتياجات الأساسية، لاحظنا أن نفس الكلاب التي تحكم الشوارع ليلا منذ عصر العثمانيين لازالت في الجوار، لكن لم تعد تتجول في مجموعات، ربما، لكن كلاب منفردة تسير بخطوات ثابتة عبر شوارع المدينة، تراقبنا باهتمام. خلال سيرنا نادراً ما نتحدث، آثرنا التركيز علي المشاعر التي حركتها زوايا المدينة المظلمة، ربما هذا سبب عدم إقدام "جرانت" علي توجيه السؤال الذي يطرحه عليّ الجميع: لماذا قررت إنشاء هذا المتحف بعد أن كتبت الرواية بالفعل؟، لو سأل، لن أعطيه جوابي المعتاد: "كنت مسكونا بالجن"، أو قد أقول له: "في شبابي كنت أرغب في أن أصبح رساماً، بدلا من أن أقول له: "ربما رواية ومتحف هما نفس الشيء.. لا أكثر ولا أقل".

المصدر: اخبار الادب

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أورهـان بامـوك: مستقبل المتاحف في بيوتنا وقصص حبنا!

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
51963

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة