الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › «المشهد والظل».. بين الحلم والواقع خيوط رفيعة

صورة الخبر: «المشهد والظل».. بين الحلم والواقع خيوط رفيعة
«المشهد والظل».. بين الحلم والواقع خيوط رفيعة

"المشهد والظل".. هي المجموعة القصصية الأولى لكاتبة ترفع صوتها الأدبي في خضم الأصوات الأخرى لكي تضيف إلى صرح القصة التونسية لبنة أخرى، عسى أن تكون متميزة وترسم الطريق لمن سيأتون من بعدها.
وككل صوت جديد في مجال الإبداع الأدبي، فإن صاحبته تسعى لتبليغ ما تراه الأجدر بالتبليغ والأكثر التصاقا بأفكارها ونظرتها للحياة. وككل مجموعة قصصية أولى فمن المتوقع أن تكون تحمل الكثير من الأفكار التي تطفح بها الحاجة التعبيرية للكاتب، وعلى القارئ أن يضعها في الخانات الأنسب التي تتوضح له من خلال قراءة المجموعة.

من أولى العتبات التي يقتحمها القارئ للولوج إلى أي مجموعة قصصية، بعد العنوان طبعا، الشخصيات والأحداث، إذ من خلالها يكتشف تدريجيا الآفاق التي يرتادها تخييل الكاتب لكي يرسم له عالمه الذي يرغب في توصيله.

وعلى عكس الرواية فإن القصة القصيرة المجمعة في كتاب، لا تعكس وحدة في الموضوع أو منهجا ثابتا في كيفية التناول الفني، بل هي كثيرا ما تكون مؤشرا للتعرف على وعي الكاتب بالقضايا التي يطرحها والتي يسعى إلى تحميلها الصورة الأكثر شمولية للجوانب التي يهدف إلى التطرق إليها.

لذلك فإن قارئ المجموعة القصصية مطالب بالتفطن إلى التكامل بين مضامين القصص التي تشملها، وكذلك إلى ما قد يجمع بينها من ميزات شكلية مثل تعدد الرواة ومدى مشاركتهم في الأحداث أو وقوفهم خارجها للتعليق عليها، وهو كذلك مطالب بتبيّن صيغ الخطاب ومدى تواصله أو تقطعه اعتمادا على ما ينتهجه الكاتب من سرد خارجي أو إفضاء اعترافي أو غير ذلك من وسائل تبليغ الخطاب السردي. وفي النهاية فإن القراءة هي بشكل من الأشكلال، تقييم من طرف القارئ لما يجمعه بالكاتب من توافق حول كيفية التبليغ.

ومن وراء كل ذلك يكون التساؤل الذي يقود القارئ أثناء قراءته للمجموعة القصصية، قائما على مدى تطابق أنماط السرد المعتمدة مع ملامح الشخصيات ومشاعرها ومدى ما يريد الكاتب أن يحملها إياه من مواقف فكرية هي قصده من تصوير الشخصيات والمواقف. وهذا ما يتطلب منه أن يبقى متيقظا حتى النهاية، لكي يجد في فهمه لخطاب الكاتب، تفسيره الشخصي لكل العناصر التي تؤلف المجموعة القصصية سواء منها الشكلية أو المضمونية.

فالتنوع الشكلي والانقطاع المضموني بين وحدة وأخرى، ضمن أي مجموعة قصصية فرصة للقارئ لتملي تنوّع جوانب خطاب الكاتب ممّا يساعده على عرضها، وفق نسق يرتئيه، والانتقال من موضوع إلى آخر والتطرق إلى جوانب شكلية مختلفة، ومن هنا كان التواصل بين القارئ والكاتب، من خلال الأثر الأدبي، على قدر ما فيه من تقارب بين نظرة المتلقي ونية صاحب الأثر في التبليغ وتوصله للتعبير عن ذلك بأقل مراوغة للفهم، تواصل فكري حول قضايا يراها كل منهما جديرة بالعرض والتحليل. وهذا ما سنحاول التوصل إليه من خلال قراءة هذه المجموعة القصصية.

تشتمل هذه المجموعة القصصية على أربعة عشر قصة قائمة على عرض إشكالات مختلفة توخت الكاتبة لتقديمها السرد المتركز، في كل قصة، على شخصية أساسية يتكفل السرد بتنوير أبعادها من زوايا مختلفة، من خلال الوصف الخارجي أو الباطني، وكذلك بتقديم أفعالها وأفكارها عبر حركاتها وملفوظها، لكي تتكشف في النهاية للقارئ، كما أرادتها الكاتبة، حاملة لذلك الهم الذي ترغب في تبليغه.
فمن خلال هذه التقنية السردية القائمة على اعتماد الأحداث أساسا لتقديم المضمون وتكفل راو على صلة عيانية بالأحداث بتفسير المواقف وردود الفعل، تبدو الكاتبة متوخية منهجا في القصّ قادر على توصيل المعنى وفق انتقائية موجهة إلى الأحداث الألصق بتنمية القص وتبرير المواقف، وذلك في نطاق واقعية كثيرا ما تستند إلى مؤشرات اجتماعية حول الشخوص والمواقع والأحداث. ولا تشذ عن هذه القاعدة إلا قصة واحدة "مدارج العودة" ترد بصيغة المتكلم "أنا" وقد جاءت على لسان فتاة.

تعتمد الكاتبة في رواية أحداث أغلب قصص هذه المجموعة على راو مشارك في الأحداث، كثيرا ما يأخذ موقف "المشاهد" المعني إلى حدّ ما بالتعليق عليها وتوضيحها، وفي اعتماد هذه التقنية اقتناع من الكاتبة بدور "راوي الحدث" في التبليغ وهي تجتهد في إكسابه شرعية الإطلاع على خفايا الشخوص، مستجيبة بذلك إلى جانب أصبحت القصة توليه اليوم، الأهمية الأولى في تبرير القصّ واطلاع الراوي على خفايا الأحداث ودوافع تصرفات الشخصيات وتفسير مواقفها.

كما يقترن حضور الراوي في عديد قصص هذه المجموعة، باهتمامه بأحداثها ومتابعته لما يقع فيها ومصير شخصياتها، وخصوصا الشخصية الرئيسية المعنية بالحكي، بحيث يصبح الراوي "مشاهدا/شاهدا" على الحدث، وهو يمثل بالأساس، القناة التي تبلغ الكاتبة من خلالها أفكارها وتعكسها عليها. ويظهر هذا الجانب في عديد قصص المجموعة المعنية "بالشخصيات الإشكالية" مثل أستاذ الفلسفة في "الخروج من الدائرة" وصاحب الضيعة في "حيرة نرجسية" كذلك في "المشهد والظل" وشخصية الأستاذ المفكر في "موكب صامت" وشخصية الرسام في "الرسم على الروح" وكذلك في "الصخرة والبحر والإلهام".

وما نستنتجه من تركيز قرابة نصف قصص المجموعة على أمثال هذه الشخصيات الكاريزماتية المتميزة بمواقفها وأفكارها، اهتمام خاص من الكاتبة بتعميق تحليل النفسيات وتفهم الدوافع النفسية لمواقفها، بحيث تكتسب تصرفات تلك الشخصيات في النهاية، دوافع ومبررات حضورها في القصة.

كما أن تقنية عرض الأحداث تقوم بصفة عامة، في قصص هذه المجموعة على توفير مسافة في الحكي بين الراوي والشخصية المعنية بالأحداث، وذلك باعتماد ضمير الغائب الذي هو في نفس الوقت تغييب وكشف تدريجي للجوانب التي تراها الكاتبة أجدر بالتبليغ لدى الشخصية المعنية. ذلك أن ما يفسره الراوي من وجهة نظره على أنها الجوانب الألصق بالحدث المروي، يبقى في النهاية اختيار من طرف الكاتبة لتنوير جوانب الشخصية المحورية متدرجة بذلك، في عرض الحدث وتنمية الوقائع لكي تبلغ بها، في مرحلتها النهائية، التأزم الذي ينتهي بالتحول الفجئي كما يهدف إلى ذلك نسق الحكي.

وبهذا الشكل الغالب على قصص هذه المجموعة، تبدو الشخصيات الإشكالية ذات البعد النفسي الغالب على تصرفاتها وردود فعلها، مجال اختيار الكاتبة الذي يوفر لها عرض شخوص غير معتادة من خلال وقائع تبررها نظرة هذه الشخصيات للحياة التي كثيرا ما تخرج عن معتاد المألوف بشكل لافت للنظر. ويستقطب نصف قصص المجموعة تقريبا، هذا الاهتمام الخاص للشخصيات المتفردة ذات الحضور المهيمن الطاغي عمّا حولها، بحيث تبدو الإشكالات المطروحة من خلال عرض مواقفها، أقرب إلى الحفر في ترسبات شعورها لفهم انتهائها إلى تلك الوضعيات المعقدة.

وتلحّ الكاتبة كثيرا على الأبعاد النفسية لهذه الشخصيات لتبرير مواقفها وأفعالها والانتهاء بها إلى وضعيات التأزم النفسي التي كثيرا ما تضعها فيها. وكثيرا ما يطل الماضي من خلال الذاكرة لكي يلقي بظلاله على راهن الشخصية ويسيطر عليها من خلال ما عاشته من مواقف تركت بصماتها على نفسية الشخصية وتبدو موجهة لتصورها لمستقبل أيامها.

فاعتماد قصص المجموعة موقف الراوي الخارجي المعني بالأحداث لمتابعته لها، وعدم الإلتجاء إلى ضميري المتكلم الإفضائي أو المخاطب للمحاسبة، أقصى من هذه المجموعة القصصية كل ما هو ذاتي يفهم منه رغبة الكاتبة في طرح إشكالات متعلقة بالمسكوت عنه في وضعها أو بوضع المرأة كما تراه هي، وإن ورد في مواقف بعض الشخصيات الراوية ما يشي ببوادر التعبير عن ذاتية بعض المشاعر والأفكار.

وبصفة عامة، فإن البعد الفكري يبدو في أغلب قصص المجموعة، مهيمنا على خطاب الكاتبة، تسعى من خلاله، إلى عرض وضعيات إنسانية بالأساس، واجتماعية في بعض حالاتها، هادفة من وراء ذلك، إلى لفت النظر إلى ما يجعل التصرف البشري دافعا لتوجيه حياة الفرد الوجهة قد لا تبدو منذ الوهلة الأولى، الأكثر حظا، لكي تشكل واقع الشخصية.

وقد ساعد الكاتبة على تبليغ المضمون الفكري لقصصها، اعتمادها الجملة الوصفية المعبرة بالأساس عن أفعال الشخوص وتصرفاتهم وملفوظ خطابهم، وقد يتم أحيانا الإلتجاء إلى استبطان التفكير والمشاعر، بهدف تبرير الحدث وتقصيه، بحيث يبقى الحدث القصصي أساس دوافع الحكي وعليه يقوم تطور المواقف وانسياب القصّ.

هذه المجموعة القصصية من النماذج القليلة التي لا تعكس ذاتية دوافع الكتابة، سعت الكاتبة إلى أن يبقى الجانب الذاتي المتعلق بمشاعرها وأفكارها وكل ما يتناول حياتها من بعيد أو من قريب، خارج المتن الحكائي الذي تتناوله بالتحليل والعرض. وهي عندما اعتمدت في قصة وحيدة، شخصية الراوي المتكلم "قصة "مدارج العودة""، كان اهتمامها بالذكرى التي تشدها إلى الآخرين أقوى من تركيزها على حضورها الذاتي الفاعل في تلك المواقف.

وقد أخذت الكاتبة عملية القص على أنها موقف تبليغ توليه الكثير من الأهمية بالتركيز على الأحداث المعنية بالحكي وفق ضوابط فنية تضع الحدود واضحة المعالم بين الذاتي والموضوعي. وهي تؤكد من خلال هذه المجموعة القصصية الأولى لها أنها متمكنة من أدوات التبليغ السردي وتتناول بالعرض الوضعيات النفسية والاجتماعية التي تثير إشكالات فكرية لا تخلو من أهمية. ولا يستطيع القارئ بعد أن يقرأ هذه المجموعة إلا أن يراجع ملامح العديد من شخصياتها في ذاكرته لما لها من حضور مقنع في طرح الإشكالات الفكرية والنفسية المقترنة بها.

المصدر: عرب نت 5 / د. أحمد ممو

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على «المشهد والظل».. بين الحلم والواقع خيوط رفيعة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
61421

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة