الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › الصعيد فى مواجهة الحملة الفرنسية

صورة الخبر: الصعيد فى مواجهة الحملة الفرنسية
الصعيد فى مواجهة الحملة الفرنسية

تعتبر الحملة الفرنسية على مصر 1798: 1801م نقطة تحول فاصلة فى تاريخ مصر الحديث، ومهما كانت الاختلافات حول نتائجا ومدى تأثيرها خاصة فى المجال الحضارى فإننا نحتاج لإعادة تقييم للحملة وما ترتب عليها من آثار بشكل موضوعى، بعيدا عن التوجهات الايديولوجية وفى ضوء الظروف الموضوعية المحيطة بالحملة

أعتقد أن أهم ما أثبتته الحملة الفرنسية هو أن جينات المقاومة مختلطة بخلايا الشعب المصرى العظيم الذى يرفض الخنوع والاستبداد بكل اشكالهما، ومهما تخفوا تحت دعاوى باطلة، فمنذ اللحظة الاولى لنزول الحملة أرض مصر رفع المصريون لواء المقاومة بكل اشكالها من الثورات للعصيان وامتدادا إلى التخريب والمقاومة السلبية وحتى الحصار الاقتصادى، وابتدعوا أساليب فى المقاومة كانت مثار دهشة الفرنسيين أنفسهم، لقد ادرك المصريون أنهم أضعف فى التسليح والتدريب من عدوهم المحتل الذى لم يكتف باستخدام اسلحته النارية الفتاكة فى القتل والتخريب فأضاف اليها اسلحة جديدة وهى محاولة استخدام الدين فى التقرب من المصريين ولكنهم أدركوا زيف هذه الدعاوى الباطلة فسخروا منها وحولوها إلى مادة للسخرية والتندر، ولكنهم أمنوا أنهم يمتلكون الحق فأثبتوا أن المقاومة «إرادة وقوة وفعل»، ولم تكن المقاومة مقصورة على القاهرة والوجه البحرى فقد قام الصعايدة بعدد كبير من الثورات وحركات المقاومة التى ادهشت العدو الفرنسى الذى لم يتوقعها، فمنذ استولى نابليون على القاهرة وفرار مراد بك الزعيم المملوكى إلى الصعيد ارسل نابليون الجنرال ديزيه وهو من اشهر قواد الحملة مع فرقة من الجند لمحاولة القبض على مراد بك وأخضاع الصعيد للنفوذ الفرنسى، ورغم أن ديزيه وقواته خاضوا اربعين معركة فى محاولتهم الاستيلاء على الصعيد فإنهم لم يستطيعوا السيطرة الكاملة عليه وبقى الصعيد مستقلا نسبيا ولم يستطع الفرنسيون إخضاعة كاملا حتى رحلوا عن مصر، واعترف ديزيه فى رسالة إلى نابليون بقوله: «إنى لا اكتمكم الحقيقة إننا لن نكون سادة هذه البلاد لأننا إذا أخلينا بلدة لحظة واحدة من الجنود عادت إلى حالتها القديمة».

لقد عمل ديزيه على نشر الرعب فى الصعيد حتى يستكين الناس ويخضعون لسلطة المحتل الفرنسى لذا ارتكب عدد من المذابح مثل مذبحة جرجا فأثناء وجوده فى جرجا لانتظار بعض السفن الفرنسية سرت روح الثورة فى اربعين قرية ما بين اسيوط وجرجا، وقدرت المصادر الفرنسية عدد الثوار ما بين ستة إلى سبعة آلاف ثائر ونجحت القوات الفرنسية فى القضاء على هذه الثورة بعد أن قامت بعدة مذابح بشعة وتخريب كامل للقرى واشعال الحرائق فى ممتلكات الأهالى، تكرر نفس الأمر فى سوهاج، حيث تجمع عدد كبير من الصعايدة مسلحين بالبنادق والحراب والعصى لمحاربة «الفرنسيس» فأرسل اليهم ديزيه الجنرال دافو الذى وصل سوهاج فى 3 يناير 1799م، فأطلقوا عليهم نيران اسلحتهم النارية بلا هوادة والحقوا بالثوار خسائر فادحة، وكان هدف ديزيه تشر الرعب فى القلوب حتى يستكين الناس للمحتل الفرنسى، ولكن هذه الهمجية والوحشية فى التعامل لم تزد الصعايدة سوى الاصرار على الاستمرار فى الثورة، فعندما حاولت القوات الفرنسية دخول قرية بنى عدى فى 18 ابريل 1799 حمل أهلها السلاح دفاعا عن بلدهم فلجأ الفرنسيون إلى حرق القرية بالكامل وضربها بالمدافع وكتب الجنرال بارتييه رئيس أركان حرب الحملة الفرنسية فى مذكراته «أصبحت بنى عدى أكواما من الخرائب، وتكدست جثث القتلى فى شوارعها ولم تقع مجزرة أشد هولا مما حل ببنى عدى». وقدرت المصادر عدد القتلى من اهالى بنى عدى بنحو الفى قتيل بينما عدد المصابين الفرنسيين ثمانية وثلاثين جريحا. ومع هذه الوحشية لم يستكن الصعايدة لضيم وذل المحتل وقاموا بعدد من البطولات الرائعة فى الصعيد. وساعدهم فى ذلك دعم عرب الحجاز، هؤلاء كانوا يعبرون البحر الأحمر بطرقهم، وينتشرون فى مناطق الصعيد التى كانوا يعرفونها جيدا، ويعرفون عائلاتها، وشاركوا فى المقاومة بأعداد كبيرة وكان هناك ايضا بعض القادمين من اليمن، ولكن المصادر الفرنسية تسميهم اجمالا المكيين، وكانت ثورات الأهالى تأخذ شكلين أساسيين، وهما إما الهجوم على الحامية الفرنسية المرابطة فى القرية أو المدينة، أو التربص بكتائب الفرنسيين المتوغلة فى الأقاليم والمارة بالقرى والمدن على الطريق، من ذلك مهاجمة اهالى أبنود ومعهم المتطوعون من عرب الحجاز للسفن الفرنسية فردت عليهم السفينة ايطاليا بإطلاق مدافعها عليهم فقتلت عددا كبيرا من الثوار الذين أصروا على الاستيلاء عليها مهما كلفهم الأمر وبالفعل استولوا على ما بها من سلاح ومدافع واحترقت السفينة تماما وقتل قائدها وبلغت خسائر الفرنسيين فى هذه المعركة حسب المصادر الفرنسية مائتى بحار وثلثمائة جندى وهى أكبر خسارة تعرض لها الجيش الفرنسى فى مصر كلها، واستخدم الصعايدة الاسلحة الحديثة التى استولوا عليها من السفينة فى حربهم مع الفرنسيين فأذاقوهم من نفس الكأس وذلك فى معركة ابنود الثانية التى استمرت ثلاثة ايام فى 8 و9 و10 مارس 1799م وكان عدد الثوار حسب التقديرات الفرنسية نحو ثلاثة آلاف، وعندما حاول الجنرال بليار الهجوم على ابنود اطلق عليه الصعايدة نيران المدافع التى سبق أن استولوا عليها من السفينة ايطاليا فقتلت من الفرنسيين خمسا وثلاثين قتيلا وثلاثمائة جريح، اضافة لذلك أن كل الذخيرة قد انتهت مما عطل خطط الجنرال بليار الذى كتب إلى الجنرال ديزيه قائلا: إننا نعيش هنا عيشة ضنكا لأن جميع القرى تخلوا من السكان كلما اقتربنا منها فلا نجد فيها شيئا من القوات ولا نرى فلاحا واحدا يدلنا أو يأتينا بالأخبار أو يحمل رسائلنا، ولا أدرى السبب فى هذه الحالة على أننا لا نعمل عملا ضارا فى البلاد التى نجتازها، وكأن بليار نسى الخراب الذى يحل بالقرية التى يمرو بها حتى المساجد كان يحرقها بمن فيها، كما سمح لجنوده باغتصاب النساء لرفع معنوياتهم، وأمر باتلاف المحاصيل الزراعية وممتلكات الناس.



وهناك العشرات من البطولات الفردية لعل اشهرها ذلك الصبى البالغ من العمر اثنا عشر عاما وكانت مهمته أن يتسلل إلى المعسكر ويسحب بنادق الجنود بخفة ومهارة ويعود بها إلى الثوار، وبعد القبض عليه فى إحدى مغامراته سأله القائد الفرنسى عن المحرضين فقال: إن الله القادر على كل شىء هو الذى أمره، وعندما حاول بليار الاستيلاء على جزيرة فيلة قاومه اهلها النوبيون مقاومة عنيفة، ويذكر هو قائلا: حمل الأهالى اسلحتهم وصاحوا صيحات القتال، وخرجت النساء ينشدن اناشيد الحرب، ويقذفن التراب فى وجوهنا، اما الرجال فأطلقوا الرصاص على رجالنا الذين ركبوا البحر... فدعوتهم إلى الصلح والسلام، فكان جوابهم أنهم لا يقبلون منا كلاما، وأنهم لا يفرون امامنا كما يفر المماليك واستأنفوا اطلاق الرصاص.

كما استخدم الصعايدة سلاح الحصار الاقتصادى، حيث كان الصعيد هو المصدر الاساسى للحبوب، خصوصا فى ظل الحصار البحرى الانجليزى للشواطئ المصرية مما دفع الحملة للاعتماد الكلى على موارد مصر فى سد احتياجاتها، كما تحالف المعلمون الاقباط رجال المالية خلال العصر العثمانى مع مشايخ القرى المسلمين ورجال «الروزنامة» الحسابات فى حجب كل المعلومات الخاصة بالضرائب والجهاز المالى عموما عن الفرنسيين مما حرمهم من مرد كانوا فى اشد حالات الاحتياج له.



وفى النهاية يثور سؤال لماذا لا نطالب فرنسا باعتذار رسمى عما ارتكبته الحملة الفرنسية على مصر من فظائع ومذابح وحشية؟

المصدر: الشروق | عبدالرازق عيسى

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الصعيد فى مواجهة الحملة الفرنسية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
98569

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة