الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › "مصارع الإستبداد" للكواكبي : كتاب لكل العصور

صورة الخبر: الغلاف
الغلاف

يعد كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" أبرز ما كتب العلّامة والمفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي، الذي تمر هذا الشهر ذكرى وفاته. وفي كتابه يشخص الكواكبي داء الاستبداد السياسي، حيث يرى المستبد فردا عاجزا يستعين بأعداء العدل لتحقيق مآربه . كما يعتبر الاستبداد أصلا لكل فساد بينما تعد الشورى الدستورية هي دواؤه.

الكتاب مجموعة مقالات نشرها الكواكبي في جريدة " المؤيد" المصرية وذلك بين عامي 1900 م و 1902 م، ثم وسّع الكواكبي تلك الأبحاث ونشرها في كتاب.

وعن كتابه يقول المؤلف: أردت بيان طبائع الاستبداد وما يفعل، وتشخيص مصارع الاستعباد وما يقضيه ويمضيه على ذويه. عسى أن يعرف الذين قضوا نحبهم أنهم هم المتسببون لما حل بهم، فلا يعتبون على الأغيار ولا على الأقدار، إنما يعتبون على الجهل وفقد الهمم والتواكل، وعسى الذين فيهم بقية رمق من الحياة يستدركون شأنهم قبل الممات.

ما هو الاستبداد؟

يعرف الكواكبي الإستبداد بأنه غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي والحقوق المشتركة، وهو اصطلاحا يعني تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة.

وأشكال الحكومة المستبدة كثيرة كما يحددها الكتاب فهي تشمل حكومة الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، والحاكم الفرد المقيد المنتخب متى كان غير مسئول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد.

ويشمل أيضاً الحكومة الدستورية المفرقة فيها بالكلية قوة التشريع عن قوة التنفيذ وعن القوة المراقبة، لأن الاستبداد لا يرتفع ما لم يكن هناك ارتباط في المسئولية فيكون المنفذون مسئولين لدى المشرعين، وهؤلاء مسئولين لدى الأمة، تلك الأمة التي تعرف أنها صاحبة الشأن كله وتعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب.
وأشد مراتب الاستبداد كما يقول المؤلف هي حكومة الفرد المطلق الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.

يورد الكتاب بعض ما قاله بعض الحكماء في وصف الاستبداد، ومنها قولهم:

"المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته".

وإذا سأل سائل لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب هو: إن الله عادل لا يظلم أحدا، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين، وهذا صريح معنى "كما تكونوا يول عليكم".

رفع الداء

يرى الكواكبي أن الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية، وقد تقاوم الأمم المستبد بسوق مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من المستبد الأول! وأحيانا تنال الحرية ولكنها لا تستفيد منها شيئاً لأنها لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها، فلا تلبث الحرية أن تنقلب إلى فوضى.

لهذا قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل إثر ثورة حمقاء قلما تفيد شيئاً، لأن الثورة غالباً تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولاً.

فمن الضروري كما يورد الكتاب تقرير شكل الحكومة التي يمكن أن يستبدل بها الاستبداد، وليس هذا بالأمر الهين الذي تكفيه فكرة ساعات، أو فطنة آحاد، وهذا الاستعداد الفكري النظري لا يجوز أن يكون مقصوراً على الخواص، بل لابد من تعميمه معضداً بقبول من الرأي العام.

فقهاء السلطان

اتفق كثير من علماء التاريخ على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، ويعني الأخير وجود أشخاص تهيمن على الأديان وترهب الناس من غضب الله إن لم يطيعوهم ، وهؤلاء يفعلون كما يفعل الساسة، فهم يذللون الناس أمامهم بالقهر والقوة .

وكانت عصور يحدث فيها أن يختلط الأمر على الناس بين الإله المعبود بحق وبين المستبد المطاع بالقهر، فكلاهما لا يؤاخذ عما يفعل ، ولا يحق للشعب مراقبته !!

وهذه الحال هي التي سهلت في الأمم الغابرة دعوى بعض المستبدين الألوهية على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله، ويقومون بالاستبداد عن طريق تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها، فيخلو الجو للاستبداد .

محاربة العلم

يرى الكواكبي أن المستبد يعلم أنه لا استعباد إلا ما دامت الرعية حمقاء، ومن ثم لا يخشى المستبد من علوم اللغة أو العلوم الدينية، إنما ترتعد فرائصه من علوم الحياة، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم، وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسع العقول وتعرف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها.

فالمستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين، لا من العلماء المنافقين، وكما يبغض المستبد العلم لنتائجه يبغضه أيضاً لذاته، لأن للعلم سلطان أقوى من كل سلطان، فبين الاستبداد والعلم حرباً دائمة يسعى العلماء في تنوير العقول ويجتهد المستبد في إطفاء نورها، والطرفان يجتذبان العوام.

ضياع الأخلاق

يؤثّر الاستبداد كذلك كما يشير المؤلف في كتابه على الأخلاق، فيضعف الأخلاق الحسنة ويفسدها أو يمحوها، ويجعل الإنسان حاقداً على قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه، وفاقداً حبه لوطنه، لأنه غير آمن على الاستقرار فيه، ويود لو انتقل منه، وضعيف الحب لعائلته، لأنه ليس مطمئنا على دوام علاقته معها، ومختل الثقة في صداقة أحبابه، لأنهم قد يضطرون للإضرار بصديقهم أو قتله!.

أسير الاستبداد لا يملك شيئاً ليحرص عليه، لا يملك مالاً غير معرض للسلب، ولا شرفاً غير معرض للإهانة.

كما أن الاستبداد يسلب الراحة الفكرية فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء، فتمرض العقول ويختل الشعور، والعوام الذين هم قليلو المادة في الأصل قد يصل مرضهم العقلي إلى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير والشر.

وأقل ما يؤثره الاستبداد في أخلاق الناس – وفقاً للكتاب - أنه يرغم حتى الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق، ويبيح للشر أن ينتشر فلا أحد يجرؤ على فضحه، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، رغم أن أقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة والتوبيخ، أي بحرص الأفراد على حراسة نظام الاجتماع وهذه الوظيفة غير مقدور عليها في عهد الاستبداد.

الأمر الغريب كما يقول الكتاب، أن كل الأمم المنحطة من جميع الأديان تحصر بلية انحطاطها السياسي في تهاونها بأمور دينها ولا ترجو تحسين حالتها الاجتماعية إلا بالتمسك بعروة الدين تمسكاً مكيناً، ويريدون بالدين العبادة، لكنه اعتقاد لا يفيد كما يقر المؤلف، لأنه قول لا يمكن أن يكون وراءه فعل، الدين يفيد الترقي الاجتماعي إذا صادف أخلاقاً فطرية لم تفسد، وهو ما لم يحدث وقت الاستبداد.

** الكواكبي في سطور

ولد عام 1271 هـ - 1854 م لأسرة عربية قديمة في حلب، تلقى علومه في المدرسة الكواكبية، وعلى أيدي عدد من مشاهير علماء حلب، عمل في الصحافة والمحاماة والتجارة في حلب، كما تولى بعض المناصب الرسمية فيها، تعرض للاضطهاد والسجن مرارا وصودرت أمواله وممتلكاته.

هاجر من حلب عام 1318 هـ - 1900 ميلادية حيث طاف بالجزيرة العربية وشرقي إفريقيا والهند والشرق الأقصى ثم استقر في مصر، ألّف عدة كتب منها "طبائع الاستبداد، وأم القرى"، وطبعا في حياته، كما ألّف "العظمة لله – وصحائف قريش" وقد فقدا مخطوطين مع جملة أوراقه ومذكراته ليلة وفاته.

توفى في القاهرة متأثراً بسم دس له في فنجان القهوة عام 1320 هـ الموافق 1902 حيث دفن فيها.

المصدر: محيط / سميرة سليمان

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "مصارع الإستبداد" للكواكبي : كتاب لكل العصور

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
40631

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة