في نفس الوقت الذي استضاف فيه مركز الجزيرة للفنون معرضا استيعاديا لأعمال العملاق الراحل صلاح طاهر مقدما عددا من الأعمال التي لم تعرض من قبل، استضافت دار الأوبرا المصرية معرضا لأعمال الفنان أيمن صلاح طاهر الذي أقيم تحت عنوان "تباين"، في فرصة طيبة لمحبي الفن لقراءة الحوار الخفي بين الفنانين الأب والابن والاقتراب من عالم الفنان أيمن صلاح طاهر للتعرف علي مدي تأثره بأعمال والده العظيم صلاح طاهر.
وما بين المعرضين يمكن أن نغوص في أعمال الفنان صلاح طاهر ، ونشاهد أعمال الفنان أيمن الذي قدم حوالي 60 لوحة سيطر عليها اللونان الأبيض والأسود، محدثا نوعاً من الصخب اللوني مستفيداً من التباين الشديد بين الأبيض والأسود بدرجاته المختلفة والثرية، ولعل هذا الصخب يأتي متناغماً مع طرح الفنان لموضوعات تتناول العلاقات الإنسانية كعلاقة الرجل والمرأة، والصراع من أجل البقاء، والمشاعر الثائرة، وغيرها من الموضوعات والقضايا شديدة الحبكة الدرامية والفنية تصور قدرات مبدع حقيقي ينتمي لمدرسة تمزج بشكل كبير بين تكنيكات التصوير الفوتوغرافي وبين أدوات وأساليب التصوير الزيتي باستخدام تقنيات الأبيض والأسود التي تغوص في التفاصيل الدقيقة لتصنع رؤية تجريدية في نهاية الأمر، لتخرج أعماله تجسيداً للحركة الإنسانية ولكن في قوالب موسيقية تصويرية راقصة وصاخبة ومتفردة.
أو نستمع إليه وهو يتحدث عن والده قائلا كان "صلاح طاهر" مؤمنا بلا طقوس.. متفائلا.. مقبلا علي الحياة محبا لها وفي نفس الوقت متصوفا .. زاهدا شغلته لفظ الجلالة "هو" فرسم أكثر من ألف لوحة وعالجها بهذين الحرفين ورفض فكرة الامتلاك حتي إنه كان دائما ما يردد "لا أريد أن أمتلك شيئا حتي لا يمتلكني".. ويضيف بعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات علي رحيله أشعر أنه لا يزال يحيا معي بفنه وآرائه وأكاد أن أسمع ضحكاته المجلجلة وتعليقاته المتفائلة مثل "مدهش"، "رائع"، أو "هذا عمل عبقري".
ويبدو أن قطاع الفنون التشكيلية قد بدأ بالفعل مع نهاية 2014 تكريم رموز الفن التشكيلي بل ومد جسور التواصل بين الأجيال الفنية، حيث أقام القطاع عدة معارض استيعادية لأعمال كبار الفنانين الراحلين، ومنهم الفنان الراحل كمال السراج الذي أقيم معرضا لأعماله تحت عنوان "ذكري"بقاعة محسن شعلان بمتحف الفن المصري الحديث، وهو أحد رواد فن الحروفية ومن أهم فنانيه الذين شغفهم حب الحرف العربي وغاصوا بخيالاتهم في فضاءاته المشحونه بالأحاسيس الجمالية. كما تستعد قاعه الباب سليم لاستضافة معرض استيعادي آخر لأعمال الفنان الراحل /أحمد فؤاد سليم الذي يفتتح يوم 5 يناير.
ومن الناحية الأخري يعمل القطاع علي دعم جيل الفنانين الشباب حيث التقي د.أحمد عبد الغني رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعددٍ من الفنانين الشباب الذين تم اختيارهم لمنحهم فرصة العرض بقاعة " الباب "، وهم عشرة من الفنانين المتميزين المشاركين في دورة صالون الشباب الخامسة والعشرين، وهي فرصة هامة بالنسبة لهم لإقامة معرض فردي يحمل ملامح شخصيتهم الفنية الخاصة وتجربتهم الإبداعية.
وفي الوقت نفسه استهلت قاعة أجيال بمركز محمود سعيد للمتاحف بالأسكندرية والتي تضم (قاعتي أجيال 1 و 2) باكورة نشاطها الفني بمعرضين تشكيليين بفلسفة عرض.. التلميذ والأستاذ، حيث ضمت قاعة " أجيال 1 " مجموعة من أعمال الفنان فاروق شحاته (مشاركة رمزية ) مع الفنانة الشابة سماح نبيل في عرض بصري يجمع بين الأستاذ وتلميذته في مجال الجرافيك، بينما استضافت قاعة " أجيال 2 " مشاركة الفنان د. ضياء الدين داوود (مشاركة رمزية) مع الفنان الشاب أحمد الحسيني لتتحاور أعمالهما المتميزة في مجال الخزف. وتقوم فلسفة العرض بقاعتي أجيال علي استقبال الملامح الأولي للتجربة الفنية عند عدد من الفنانين الشباب، وذلك من خلال قيام أحد الفنانين من أصحاب التجارب الفنية المتميزة من كبار الفنانين أو جيل الوسط بترشيح واحد من شباب الفنانين ليقدمه لجمهور الفن والحركة التشكيلية وللنقاد الصحفيين كفنان واعد يتوقع له أن يكون إضافة لرصيد الحركة التشكيلية.
ويبدو أن عام 2014 كان عاما سعيدا للغاية بالنسبة للحركة التشكيلية، فبينما يقوم قطاع الفنون التشكيلية بتغيير وجه العرض في القاعات باحثا عن الأصالة والحداثة معا ، نجد القاعات الخاصة تنافس وبقوة، فقد كان من العسير حقا متابعة كل تلك المعارض التي أقيمت في القاهرة مع أواخر عام 2014، خاصة أن هناك الكثير من القاعات التي فتحت أبوابها مؤخرا، ومنها قاعة"أوبنتو" بالزمالك التي تختتم العام بمعرض رائع للفنان "سمير فؤاد" الذي قدمه تحت عنوان "35 x 2" .. حيث يأتي هذا المعرض والفنان يستكمل عامه السبعين، وهو لا يزال يعمل بنفس الحماس والحيوية، لذا جاء اسم المعرض استعارة من واقعة عاصرها عندما بدأ وهو لا يزال تلميذا في الثانوية، يرتاد صالون العقاد الذي بلغ عامه السبعين وقتها وأراد أنيس منصور أن يهنئه بعيد ميلاده فقال له: بلغت الخامسة والثلاثين مرتين كناية عن أنه ما زال شابا.
ويعتبر هذا المعرض تلخيصا وافيا لرؤية سمير فؤاد الإبداعية، حيث قدم المواضيع التي استثارته خلال مشواره الفني بدءًا من بنات النيل,والطبيعة الصامتة, والأرجوحة وحتي المناظر الطبيعية والبحر الذي عبر عنه مؤخرا في علاقات لونية متجانسة. تلك الأعمال المعروضة هي نتاج أخر ثلاث سنوات وخاصة عام 2014، ولكن كل لوحة تحتاج زمنا لمعايشتها لفرط الشحنة الفنية الإبداعية الوجدانية المسكونة بداخلها.
وعلي الجانب الآخر من الشارع كانت قاعة "جاليري مصر" تستضيف أعمال الفنان عصام معروف التي قدمها في معرض متميز حمل اسم "متتالية الوجه"، بينما يستضيف جاليري الزمالك للفن معرض للفنانة جاذبية سري وآخر للفنان خالد سرور تحت عنوان "لعب عيال" ، ويستضيف جاليري بيكاسو معرض "ثورة وجوه "للفنان سيد قنديل، وغيرها من المعارض المتميزة التي زرت كثيرا منها وكنت أتمني أن أجد من الوقت والمساحة لأكتب عنها منفردة ولذلك حكاية آخري .
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!