مصطفى محمود يكتب: عبد الوهاب يعيش في وهم كبير

في مجلة صباح الخير عام 1958 كتب الدكتور مصطفى محمود مقالا قال فيه:

محمد عبد الوهاب يعذبه الخوف، وكل الفنانين يعذبهم الخوف، إن كل منهم يحمل حقيبة من المواهب يشعر أنه بدونها صعلوك، وإدراكه لهذه الحقيقة يجعله يرتجف من الذعر من أن يفقدها، والخوف في بدايته يحمى صاحبه، وإذا زاد عن حده يبدأ في ضرره.

وخوف عبد الوهاب هدام لأنه يدفعه إلى حرص مبالغ فيه، فهو يحرص على صحته وماله ووقته وحنجرته وحريته حرصا دائما، هو يضع الترمومتر في فمه بمناسبة وبدون مناسبة، يوظف أمواله في تجارة بدون هدف واع ولكن بحثا عن أمان مادى.

أن المليونير الأصلع يبخل ويتاجر ويأخذ حقنة كل لغرض واحد هو أن يلحن، ومن فرط إخلاصه لهذه الوظيفة فقد أخل بوظائف كثيرة في حياته، فعجز عن الوفاء لصداقة أو لحب أو الزوجية أو الأبوة.

وعبد الوهاب يبدأ من الأرض الصلبة التي يقف عليها زكريا أحمد، وهو كثير الاستماع للموشحات والأذكار وسيد درويش والحامولى وأسطوانات من الهند والصين، لذلك كانت الجندول وعاشق الروح والكرنك والحبيب المجهول مزيج من كل هذا، فكانت مقطوعاته ذات خلقة عصرية أنيقة ترتدى آخر موضة.

إن عبد الوهاب والاثنى عشر ملحن الموجودين حاليا متهمون بالوقوع في نفس المضمون العتيق الذي ورثوه من زمن.. فكانت موسيقانا تعبيرا عن الحزن والشجن ونقلوا إلينا أحاسيس كسيرة ذليلة في كل لحن وغنوة، فجاءت أنا والعذاب وهواه، وظلموه، يا طول عذابى ويا قلبى يا مجروح، حتى أغنية الأفراح (كتبوا كتابك يا نقاوة عينى) فيها نغمة الندابين في الأرياف.

إننا نتوهم الحزن ولسنا حزانا فيقول عبد الوهاب كيف الحن الفرح، وأنا حزين، وأقول له أنت تعيش في وهم كبير اسمه الخوف من المرض والفقر والحزن ولو أدرك الحقيقة لاكتشف أنه منتصر على نفسه وعلى عمره وعلى ثلاثة أجيال من المتنافسين.

المصدر: فيتو