الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › خليل صويلح: هنا جنّة البرابرة!

صورة الخبر: خليل صويلح
خليل صويلح

لا يهمّ أن تستجيب رواية "جنّة البرابرة" لكاتبها خليل صويلح (دار العين ـ القاهرة 2014) لسرديات ما بعد الحداثة، بقدر ما يهمّ أنها لم تستجب لذلك علي سبيل الاستعراض و إظهار المهارة، و إنما علي سبيل الضرورة و انكشاف الذات علي أشكالها المتعدّدة، بما يمنحها حريّة في التعبير و التأويل و الحكي و الاقتباس خارج الأطر المتعارف عليها، أقلّه في السرد الروائي العربي.
و أوّل ما يبرز من "جنّة البرابرة" ، خلال قراءتها، هو هذا التحوّل في بنية الرواية من سرد حكائي يتناول سيرة أشخاص و مصائرهم بشكل تعاقبي في مدي زمني محدّد، إلي بنية تقابلية بين أزمنة متعدّدة ، بما يجعل السرد عابراً لهذه الأزمنة و لأمكنتها ليستقرّ علي شكل مقاطع و شذرات تحكي هواجس الراوي ووقائعه اليومية و تقاريره و معلوماته بما يتناسب و رغبته في قول ما ينبغي قوله حول بلده سورية: كيف كانت و كيف هي الآن؟ مَرّةً منه خلال التماثل،و مَرّةً من خلال التناقض.
علي هذا الأساس تتفكّك وَ/ أو تتركّب الرواية بين زمنٍ حاضر يمتدّ بين عامي 2011 و 2013 يعيشه الراوي في مدينة دمشق بشكل نسقي، وفي عالم افتراضي يتشظي بين وسائل الإعلام المعاصرة التي تنقل الحدث السوري، وبين سرديات معارفه في المقهي، وعلي الفيس بوك؛ وزمنٍ ماضٍ يتناول مدينة دمشق، أو بعض المدن السورية حسب مصادفات الأحداث والشخوص وما يمكن أن تستحضره من قراءات الراوي في مكتبته الورقية والالكترونية.
و طالما أنّ ما تعيشه دمشق في حاضر سنواتها الثلاث المذكورة هو الحرب، يتولي الراوي أو الروائي أو خليل صويلح مهمة تسجيل أحداثها علي حاسوبه المحمول، كشهادة غير رسمية، يشرح دواعيها وأهدافها في بداية الرواية وفق رؤية ما بعد حداثية صريحة ترفض الحكايات الكبري للشعارات الحالية لتسخر من بطولات الشخوص التاريخية إبان الفتوحات الإسلامية، من خلال صيرورة وطن يحتضر، وأناس يتعذبون ويقتلون بلا أيّ سبب سوي غياب المنطق الحضاري عن عقول من يملكون السلاح علي جميع الجبهات المتقاتلة.
يتيح تعدّد الأزمنة مستويات متعدّدة للسرد يتكفّل به الروائي بلغة فخمة يمكن اجتزاء الكثير منها كقصائد نثر أحياناً، وأحياناً بلغة تقريرية نقدية أو صحفية و كان لافتاً هذا الاستحضار الحواري مع محمود درويش وتشخيص كتاباته ربما كمحاولة فوقية لإنعاش مدينة تذهب إلي موتها. في أثناء ذلك تأتي سرديات الشهود إما علي شكل تقارير واقعية من جانبي الصراع أو من خلال الأعمال الفنية لعدد من معارف الراوي الذين يعيشون كآبة دمشق ودمارها، أو من خلال الاقتباسات من روايات وكتب تاريخية ومحاورتها والتعليق عليها أو الاكتفاء بنشرها كما هي.. وربما ما يهمّ في ذكر كلّ ذلك هو مقدرة الروائي علي منح هذه السرديات المتباينة شرعيتها الفنية باعتبارها تدخلاً في بنية متحركة و منفتحة علي بعضها بعضاً، بل وتتيح للقارئ المشاركة في استحضار سردياته الشخصية مع ما يقوله الراوي أو شهوده.. وربما لم تستطع الرواية فعل ذلك كله لولا افتراض الحكي الذي يمسك هذه الرواية من بدايتها إلي نهايتها، والحكي منذ القديم هو عمل الروائي أساساً. وربما لم يكن خليل ليستطيع أن يوقفه هنا قبل أن يستنفد مروياته طالما الحرب لم تتوقف، وطالما هو علي قيد الحياة. وقد ساعده علي ذلك ذهابه إلي تونس من جهة، ومن جهة استفادته من تأويل خورخي لويس بورخيس لعنوان ألف ليلة و ليلة و لاسيما في نصيحته هذه: " فإن تتجاوز اليوم الألف، هذا يعني دخولك في الليالي اللانهائية"، وهذه رغبة مضمرة بضرورة نهاية الحرب ربما بتأويل منّي تنسجم مع نهاية الرواية.
بعد الانتهاء من قراءة الرواية مباشرة شعرت بنوع من الفراغ الذهني كأنّ كلّ ما ينبغي قوله قد اعتدي عليه بطريقة بارعة، وعزيت نفسي بأنّ مساحتي التي أتنقلّ فيها علي ضيقها - هي الأخري - لم تزل أكثر أمناً علي الرغم من توافر بعض الصواريخ و القذائف بين الحين والآخر، وربما ارتحت حين حاولت استذكار شيء مما قرأته في الرواية ولم أستطع، ذهبتُ إلي الشرفة و نظرت إلي الأشجار التي تقود إلي البحر فامتداد الغيوم و السماء، و تذكرت ما كتبه جورج لوكاتش عن التخفيف من حدة الواقع لدي فرانز كافكا، لكنّ أحداث الرواية أخذت تستعيد حضورها في ذاكرتي، ورأيت طيف خليل يتنقل بين شوارع دمشق ومقاهيها، وقلت في نفسي: المشكلة أنّ كلّ ما كتبه حدث ويحدث حتي الآن..

المصدر: اخبار اليوم

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على خليل صويلح: هنا جنّة البرابرة!

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
18382

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة