الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › أحمد خلف: بالأمس كنا نخشى رقيبا واحدا.. الآن أصبح لدينا أكثر من رقيب!

صورة الخبر: أحمد خلف: بالأمس كنا نخشى رقيبا واحدا.. الآن أصبح لدينا أكثر من رقيب!
أحمد خلف: بالأمس كنا نخشى رقيبا واحدا.. الآن أصبح لدينا أكثر من رقيب!

منذ أن أطلقته مجلة «الآداب» اللبنانية أواخر الستينات من القرن الماضي عندما نشرت قصته الشهيرة «خوذة لرجل نصف ميت» في عام 1969 التي صدرت فيما بعد في كتاب مستقل مع قصص أخرى بعنوان «نزهة في شوارع مهجورة»، والروائي العراقي أحمد خلف يحتل مكانة متميزة في عالم القصة والرواية في العراق. وخلف ينتمي إلى جيل الستينات الذي ضم عشرات الكتاب والمبدعين في مختلف حقول القصة والرواية والشعر والنقد مثل محمد خضير وجليل القيسي وموسى كريدي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وموفق خضر وحسب الله يحيى وآخرين. في هذا الحوار محاولة لإضاءة عالم هذا القاص والروائي الذي عمل في الصحافة الأدبية والإذاعية والتلفزيونية، على مدى خمسين عاما، وتبوأ مسؤوليات ثقافية وأدبية بارزة في رحلته الإبداعية التي لا تزال متواصلة حتى اليوم:

* أنت تنتمي إلى جيل يطلق عليه اصطلاحا جيل الستينات، وهو امتداد لجيل الخمسينات وبعدكم جاء جيل السبعينات، لذي هو امتداد لجيلكم السؤال هو: كيف تنظر إلى مفهوم الأجيال؟ ولماذا اختفت مقولة الأجيال منذ التسعينات في العراق؟

- لا يمكن إصدار أحكام نقدية قاطعة أو نهائية تخص مسألة ما زالت تتسم بالحيوية والجدل الذي يشير إلى أن بنية الصراع الأدبي والثقافي ذات طبيعة تركيبية ومتداخلة وأنها لم تشبع دراسة وتمحيصا للخروج بنتائج مقنعة. فالقول (على سبيل المثال) أن جيلا أدبيا من الأجيال هو امتداد للجيل الأدبي الذي سبقه عمريا، هو رأي لا يخلو من عجالة وعدم عناية ذات طابع نقدي، إذ يتطلب منا كهذا القول دراسة مستفيضة لكلا الجيلين بدءا من الخلفية السياسية والفكرية التي شكلت بنية وخصائص كل جيل على انفراد. ولكي لا يقال إننا نلغي السمات التاريخية والاجتماعية لتلك المراحل، ولامتداد وتداخل حلقات التاريخ وكذلك الاستفادة والاستثمار منها، فإننا ندعو والحالة هذه إلى تبيان ما تركه ذنون أيوب أو عبد الله نيازي أو جعفر الخليلي بالسرديات العراقية الحديثة؟ وهذا يمكن له أن ينطبق على الأجيال اللاحقة. وأعتقد أن سبب ضعف التأثير هو عدم تمتع الأدب العراقي بامتداد زمني يمتاز بالتعايش واستقرار القيم وتثبيت الخصائص الأسلوبية المبتكرة والحفاظ على التطور الذي قد يحصل في مجال السرديات والنصوص التي تهتم بقيم الحداثة، وهي قيم تجسدت في القصيدة الحديثة (التي برع فيها دعاة التفعيلة، السياب والبياتي ونازك الملائكة). في تلك المرحلة لم يكن للقصة والرواية من بارعين في مجال السرد سوى فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري كقاصين اتجهوا في نصوصهم منحى حداثويا حتى إذا جاء جيل الستينات (من القرن العشرين)، فانتهت روح القبيلة والالتزام بالأطروحة الآيديولوجية وما سمي في حينه الرسالة الاجتماعية للفنان والكاتب، واستبدلت بأطروحة البحث عن الحرية والدفاع عن العدالة المفقودة، سواء في العراق أو الوطن العربي (والتزام البحث عن الحرية وقضية العدالة المفقودة هو نهج وجودي أكدت عليه كتابات سارتر والبير كامو ومورياك وسيمون دي بوفوار وغيرهم). وتجسدت الأطروحتان في أغلب النصوص السردية الحديثة، واتسمت أغلبها بعدم الرضا عن الذي كان سائدا آنذاك خلال المرحلة الستينية وما بعدها حتى مرحلة الاحتلال التي سادها الكثير من الفوضى والخراب في العراق. وقبل المجيء إلى هذه المرحلة التي دخلت فيها الثقافة الوطنية في صراع حقيقي مع ثقافة الاحتلال، فإن التشخيص الذي لا مفر من الإشارة له هو تورط العراق في جملة من الحروب التي أكلت الكثير من الفرص التي كان يحلم بها المبدع العراقي لاستكمال مشروعه الثقافي الذي ازدردته السياسة المتخبطة والانقلابات العسكرية المغامرة بمصير البلد ثم جاءت مهزلة الحروب التي دامت قرابة العشرين عاما وربما أكثر، إذن من أين للمبدع العراقي (والذي امتاز بجديته وتجديده)، إن يخلق ما يمكن أن أسميه مجازا بالقاعدة التراكمية للنوع الأدبي، وإمكانية الاستفادة من تلك القاعدة لفرز السمات النوعية للنص، ونحن نعلم أن ذلك يتطلب المزيد من العناية والاهتمام بالفن والأدب والثقافة من قبل الدولة والجماعات المؤثرة كالمنظمات والاتحادات الأدبية والجمعيات والنقابات والشخصيات الوطنية الفاعلة في التشكيلات الاجتماعية والثقافية والفكرية في بلد يزخر بالطاقات والمواهب الفنية والأدبية.

* أنت ثاني اثنين من القصاصين العراقيين بشرت بهم مجلة «الآداب» اللبنانية.. أنت من خلال قصتك «خوذة لرجل نصف ميت» عن حرب حزيران، والثاني هو محمد خضير عن قصته «الأرجوحة».. والعراق خاض حروبا كثيرة وكُتبت عنها أعمال كثيرة.. أين تضع تجربتك تلك مع ما تلاها من تجارب إبداعية في هذا المجال؟

- إذا نظرنا إلى الحرب على اعتبار أنها ظاهرة اجتماعية منحرفة ولا إنسانية، فإن المؤلفين الجادين لا يفضلون الخوض في مضمار الكتابة التي تعنى بأدب الحرب إلا من باب الإدانة لهذه الظاهرة المنحرفة اللاإنسانية. ولقد كتب الكثير من المؤلفين العراقيين أدبا قصصيا وروائيا اتسم أغلبه بالعجالة أو بدافع نفعي، وآخر بدوافع عدة، غير أن الرأي الذي طرح بعد الاحتلال الذي يقول إن معظم ما كتب أو تصدى لظاهرة قصة الحرب في العراق على المستوى النقدي هي آراء متعجلة وغير منصفة. بل قيل أيضا عن الذين كتبوا ضد قصة الحرب في العراق هم أصحاب نزعات آيديولوجية أو هم بطبيعة تفكيرهم الثقافي سياسيون أصلا. وعليه ينبغي لدارس ظاهرة أدب الحرب ألا يتورط في الإذعان إلى الآراء الجاهزة، لأن وراء تلك الآراء دوافع شتى أيضا. وبالطبع ظهرت بعض الكتابات القصصية والروائية كانت تطمح أن تتجاوز الأطروحات الإعلامية. بالطبع، أشير هنا في كلامي إلى قصة الحرب العراقية - الإيرانية. أما تجارب الكتاب في العراق عن الحرب الأخيرة فلا أعتقد أن ثمة مجالا كافيا للتصدي لها، فهي ما زالت تترك آثارها المؤلمة عليهم وعلى الناس الآخرين في العراق. ولا يمكن أيضا تجاوز أو نسيان ما يقوم به الإرهاب من قتل وتدمير للناس في هذا البلد باعتباره جزءا مما تركته هذه الحرب. وعليه فإن الخوض في أدب الحرب الأخيرة أو الفعالية الحربية التي أسقطت النظام، يتطلب منا جملة من الملاحظات الحاسمة لعل من أبرزها هي: أن معظم ما كتب عن الحرب، أي حرب ودون دوافع آيديولوجية أو نفعية أو غايات يراد منها أرضاء المسؤول الإداري. إن أدبا خالص النيات هو جدير بالدراسة وقبلها القراءة الجادة لفرزه عن سواه. إن القاصين العراقيين الذين كتبوا عن حرب حزيران عام 1969 جاءت كتاباتهم صادقة وحقيقية، وعلى هذا يمكن وضعها كقياس فني للنص القصصي والروائي الذي ينوي التصدي لظاهرة الحرب.

* لقد شكلت تجربتك القصصية بالنسبة لك أهمية خاصة من خلال التطور الملموس لها، وما تركته من عناصر فنية وجمالية تم تشخيصها نقديا، ثم جاءت تجربتك في كتابة الرواية، وقد أصدرت عددا منها، أين تتجسد تجربتك السردية في القصة أم الرواية؟

- بدأت تجربة كتابتي للقصة القصيرة منذ أواخر الستينات من القرن العشرين، وقد كان لي نص سمي في حينه «وثيقة الصمت» قد نشر في ملحق «الجمهورية» عام 1966، وبالطبع كانت ثمة محاولات قد سبقت هذه القصة. أريد القول: منذ ذلك الوقت وأنا لا أكف عن كتابة القصة القصيرة وهي، في الحقيقة، لديها قوة جذب كبيرة للمبدعين الذين يجيدون كتابتها، وهي أيضا تمنح مؤلفها حرية واسعة للتصرف في صياغتها والعزف على أوتار مختلف النغمات والألوان الممتعة. وباستطاعتنا الآن أن نستمر في مديحها ودبلجة الكثير من عبارات الاعتراف بها كفن نادر في صياغته، وقليلون هم الذين برعوا في تشييد كاتدرائيتها الميمونة، فهي صاحبة فضل على الكتاب الذين تحولوا إلى كتابة الرواية، ولا يوجد روائي لم يتشرف بكتابتها فهي في تصوري يمكن أن نعتبرها من الفنون الجميلة، شأنها في ذلك شأن فن الرسم والموسيقى والشعر والنحت. ينقل لنا ناقد عربي عن سيجموند فرويد قوله: «يمتلك كاتب القصص قوة موجهة خاصة يسيطر بها علينا، وهو يمتلكها من خلال تلك الوسائل الانفعالية التي يستطيع أن يدخلنا من خلالها إلى عالمه»، وهذا الذي قلناه بحق القصة القصيرة لا يمكن أن نقوله بالنسبة للرواية على النحو ذاته، إنما الرواية حقل شاسع يمكنه أن يتلقف المزيد من العناية والتجويد فيها يكشف عن نوع المهارات التي نضعها في صفحاتها الطوال، وهي تواقة إلى المزيد من الاستعارات والمجازات والكنايات لتبدو في أفضل حال، وهي أيضا تمنح مؤلفها المزيد من الحرية لكشف مهاراته الدفينة، وعلى هذا الاعتقاد فالرواية عمل ينطوي على مخاطر كثيرة، لعل من أبرزها: الاعتقاد أنها فن ميسور للجميع، وهذا أشاعه عدد محدود من النقاد، على أساس أن الكم الملموس من النصوص الروائية سوف يخلق المزيد من عمليات الفرز فيها وأيضا يقدم للناقد والدارس نماذج مختلفة ومتعددة، ولكن ومن خلال التجربة تأكد للمتابع والقارئ والمؤلف أنها تتطلب معرفة فائقة بالمهارات الجمالية والفنية إضافة إلى العناية بتاريخها عبر المراحل المختلفة، وبهذا يكون المؤلف الذي يروم الكتابة الروائية قد استند إلى خلفية ثقافية وفنية قد تؤهله (إذا امتلك الموهبة التي يتحدث عنها النقاد في بعض الأحيان) لكتابة الرواية التي لا نفي حقها مهما تكلمنا عن خصائصها، سريعة التطور. والآن علي أن أحدد حسب السؤال أين أجد تجربتي؟ في القصة أم في الرواية؟ وهو سؤال أغراني في الإفاضة عن النوعين أو الفنين اللذين أمضيت في متابعتهما وقراءتهما ثم كتابتهما قرابة الخمسين عاما، فلم أستطع التفاضل بينهما. إن لهما حظوة وسطوة علي لا يمكن نكرانهما أبدا.
* في مجموعتك القصصية «خريف البلدة» انتقلت إلى الرمزية في التعبير عن مكنونات نفسك إلى الحد الذي بدت فيه إدانة واضحة للنظام السابق. والغريب أن المجموعة نشرت في زمن ذلك النظام! بماذا تفسر هذه الإشكالية في التعامل مع النصوص التي تنطوي على موقف مغاير؟ هل كان هناك قدر من الحرية أم عدم تدقيق أو لماذا؟

- امتازت «خريف البلدة»عن سواها من مجموعاتي القصصية الأخرى، في أنها أخضعت الكثير من الأساليب السردية الأخرى لصالحها. والحق، لم تقتصر نصوصها على النهج الرمزي كما أشار السؤال، بل نستطيع أن نعثر على اتجاهات متعددة، إذ لم يغفل ناقدها الأدبي حيازة الأسطورة مثلا على مساحة بينة من مساحة القصص، وكذلك نجد التاريخ قد لعب دورا بارزا جدا في قصة «لعبة شطرنج» وهي أطول القصص في المجموعة. وأنا أحسب أن الدوافع الخفية للاستخدام متعددة الأساليب، هي دوافع هيأها تباين الرؤى والرغبة الحقيقية للتجديد، وفي طرح نماذج مغايرة للذي كان سائدا في تلك السنوات، من قصص وروايات. لذا أعطى المؤلف أهمية خاصة للتقنية والتجويد وبالوقت نفسه جاء المضمون موازيا للفن. إننا نكون مجافين للحقيقة إذا قلنا بما سماه السؤال «عدم تدقيق» والمراد به الرقيب الأدبي في ذلك العهد، فقد كان الرقيب الأدبي وهو نفسه رقيب سياسي أيضا، يتمتع بوعي خاص. والرقيب في ذلك الوقت كان نوعين: الأول سياسي وربما كان حزبيا أو رسميا وملكيا أكثر من الملك وهذا الرقيب لا حوار معه. أما النوع الثاني فقد كان بينهم شعراء بارزون وقاصون وروائيون يتمتعون بوعي تجاه النص ليس بدافع وجود قدر من الحرية، بل لأنهم أيضا وفي أحيان أخرى، يرغبون أن يقرأوا نصوصا يتباهون بها أمام الكتاب العرب دائمي المجيء إلى بغداد. و«خريف البلدة» التي وصف النقد الأدبي قصصها بالشجاعة والمتميزة، ظهرت في ذلك الظرف العصيب. وقد تم تجاوز منعها أولا لتمتع المؤلف بحضور أدبي لا يمكن نكرانه، ثم كان رقيبها خبيرا ثقافيا وليس رقيبا مما جعلها في حماية وصيانة من التفسير المتعجل الذي أساء للثقافة والأدب في العراق.

* مر الأدب العراقي بمرحلتين فاصلتين هما مرحلة الاحتلال ومرحلة ما بعد الاحتلال وأنت كتبت أعمالا في كلتا المرحلتين.. ما خصائص المغايرة بين المرحلتين؟

- إذا أردنا محاذاة الجانب الموضوعي، والتخلي عن الدافع العاطفي في تفسير وتوضيح الكثير من الظواهر الأدبية والإبداعية، ينبغي لنا أن نقر بأن لكل عهد من العهود التي مرت على العراق، وقد عاشها الأديب ودفع ثمنا لبقائه هنا ولم يغادر، جوانب سلبية وأخرى إيجابية. وعلى سبيل المثال، فيما يخص الكتابة الإبداعية، فإن هذا العهد ينطوي على قدر ملموس من حرية التعبير. كنا نحلم بذلك القدر المطلوب التعامل به آنذاك، ولكن كنا نتعامل مع رقيب واحد وقد يبدو متشددا دائما، لكنك تستطيع اللجوء إلى من يجيز النص ولو بالواسطة. أما اليوم فإننا قد نواجه أكثر من رقيب واحد. ورقيب الأمس يمكن أن تراه، أما اليوم حيث لا رقيب رسميا على النصوص القصصية والروائية، فنحن لا نراه لأنك تستطيع أن تكتب (خلافا فيما سبق) في السياسة والجنس والدين أيضا (ولو بنسبة معينة لم تكن موجودة فيما سبق هذه الحرية النسبية)، فإن الكثير من الأساليب اختفت وبرز الأسلوب الواقعي وحده تقريبا لأن المبدع لم يعد يجد ثمة ضرورة إلى التواري خلف الاستعارات والمجازات، وبقدر ما أضرت هذه الحرية النسبية اليوم، لكن المبدع بات لا يخشى الرقيب الذي كان بمثابة تهديد دائم لحرية التعبير التي كان يفتقدها آنذاك.

* هل تؤمن بمقولة أدب الخارج وأدب الداخل، وما نظرتك للمقولتين، علما بأنهما سادتا بعد عام 2003؟

- أعتقد أن من أشاع مقولة أدب الداخل وأدب الخارج، هو النقد الأدبي المولع بالمصطلحات والعبارات الرنانة – الطنانة وقد وجدت لها صدى مناسبا لدى جمهور المثقفين العراقيين (هنا أو هناك) ولكن حتى اليوم لم يتفق النقد الأدبي، أو من هو معني بالتاريخ الأدبي للمثقفين والكتاب في العراق، على تعريف شاف وكاف لمعنى المقولتين، وظل المعنى موزعا، بل يمكن القول إنه الآن يعتبر من المقولات المستهلكة، والذين أشاعوها في فترة ما كانوا مستفيدين منها. أما الآن فلم يعد لها أي تأثير لأن أغلب أدباء الخارج أصبح باستطاعتهم المجيء إلى هنا بكل يسر وسهولة. إذن هي من حيث وجود ملموس قد ضعفت جدا جدا، وعليه ما عاد باستطاعة مستثمريها الترويج لها كما كانوا من قبل. ولقد سبق للمتحدث هنا أن طرح رأيا لقي الكثير من العناية والاهتمام لجدية هذا الرأي الذي يقول بضرورة الاحتكام إلى النص الأدبي وعدم النظر إلى الجوانب الأخرى، فالاحتكام هذا يمكن أن يعتبر محكا وأيضا أساسا للتعامل مع الأدب والثقافة، التي تنتج داخل البلد أو خارجه.

* هل أنصفك النقد الأدبي؟ وكيف تنظر إلى العلاقة بين الناقد والمبدع الآن؟

- يطلب البعض من المبدعين، قصاصين وشعراء، من النقد الأدبي اشتراطات فوق طاقة النقد، أي أنهم يريدون من الناقد أن يتحول إلى داعية لهم من خلال ما ينتجه المبدع، وهذا أمر ينطوي على عدم إنصاف للناقد، لأن الأخير لا بد يكون له مشاريع ثقافية أخرى، وعليه ينبغي على المبدع أن يتفهم طبيعة العلاقة التي من الضروري أن تتشكل بينهما، أعني بين الناقد والمبدع، وأن هذه العلاقة ستظل نسبية في الكثير من جوانبها يحكمها قانون الجدل المعروف في الفلسفات الحديثة، التي تؤكده النظرة العلمية للأشياء. وإذا توصلنا إلى استنتاج من هذا النوع أعتقد أننا سنوفر على أنفسنا المزيد من راحة البال وهدوء النفس الذي نحن بحاجة ماسة له. هذا هو فهمي للعلاقة بين المبدع وزميله الناقد. ولا ينكر أن النقد الأدبي في العراق قد عانى كثيرا من تبعية غير معلنة للنقد الأدبي العربي (سميت في حينه بعقدة الخواجة) إلا أن النقد الأدبي، تجاوز الكثير من فوضاه وقد تخلص الكثير منهم من تلك الفوضى. وكان للدور الذي لعبه الراحل الدكتور علي جواد الطاهر ومجموعة من مجايليه كعناد غزوان وجلال الخياط ثم جاء الدور المهم للنقاد الحديثين أمثال فاضل ثامر وباسم حمودي وعبد الجبار عباس وناجح المعموري وفاضل التميمي وحسين سرمك، وجميل الشبيبي وعبد علي حسن وغيرهم آخرون كثيرون. وهؤلاء قد تيسرت لهم فرصة الكتابة وشرفوني بدراسة معظم ما كتبت من قصص وروايات، وبعضهم تناول إبداعي السردي بكتب مستقلة. وهذا وحده يؤكد صحة وجهة نظري التي ترى من الضروري أن يعمل المبدع بصمت، وسوف يجد الكثير من الآراء تقف إلى جانبه.

* أي عمل قصصي أو روائي من أعمالك له قصة معينة أو يمثل حالة واقعية مررت بها؟

- معظم ما كتبت من قصص وروايات، يحمل حصة كبيرة من الواقع أي ينطوي النص الذي انتهى من إنتاجه السردي على حكاية قد أكون أنا صانعها أو شاهد عليها أو رويت لي بالمصادفة العفوية، غير المخطط لها. والكثير من هذه النصوص، الروائية والأخرى القصصية، لعب فيها الخيال دورا ملموسا ومؤشرا، على سبيل المثال في آخر رواية لي «الحلم العظيم»، التي هي تؤرخ لإحدى المراحل التاريخية التي مر بها العالم العربي وكذلك العراق، وهو الحذو حذو الثورة الكوبية وما أنتجته من نظرية خطيرة في مفهوم الثورة العالمية، وهي نظرية الكفاح المسلح. والغاية من هذه النظرية هو إسقاط السلطة. وعلى غرار كاسترو وجيفارا سلك فريق من الحزب الشيوعي العراقي في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، وكنت أحد الشهود القريبين من هذه الحركة، التي قام بقيادتها مجموعة من الطلبة والعمال والشباب. ولعل من أبرزهم المناضل العراقي المعروف خالد أحمد زكي، سكرتير براند رسل. هذه الحركة التي واجهت أشرس هجمة رجعية آنذاك وجدت نفسي أكتب عنها روايتي «الحلم العظيم»، وبعد أكثر من ثلاثين عاما، ولنا أن نسأل: ماذا بقي في ذاكرة المبدع وما هي نسبة الواقع وكذلك الخيال؟ هذا أمر أتركه إلى ما تقدمه الرواية من قناعات لقارئها، غير أن الرواية في الأخير انطوت على قصه معروفة للكثير من أبناء جيلنا.

* من سيرة ذاتية

* عمل رئيسا للقسم الثقافي في تلفزيون العراق في نهاية ثمانينات القرن العشرين، وسكرتير تحرير في مجلة «الأقلام العراقية» لأكثر من عشرين عاما.

* انتخب رئيسا لنادي القصة والرواية في الاتحاد العام للأدباء والكتاب 2010 واختير أيضا رئيسا لتحرير مجلة الأديب العراقي «المجلة الناطقة باسم اتحاد الأدباء» لدورة كاملة.

* متفرغ للكتابة منذ عام 2005 حتى الآن.

* أصدر أكثر من عشرين كتابا بين الرواية والمجموعات القصصية والسيرة الثقافية.

المصدر: الشرق الاوسط

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أحمد خلف: بالأمس كنا نخشى رقيبا واحدا.. الآن أصبح لدينا أكثر من رقيب!

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
26330

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة