الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › علم الآثار ... رؤية عربية

صورة الخبر: علم الآثار
علم الآثار

يرسم لنا علم الآثار مسرحاً كبيراً نستطيع أن نشاهد على خشبته تطور حياة البشر منذ عصور ما قبل التاريخ إلى الآن، ففي الوقت الذي يختزل فيه هذا العلم في الاكتشافات الأثرية المثيرة كالمومياوات، فإنه يعيد بناء حياة الإنسان كما كانت، من خلال الأدوات التي كان يستخدمها منذ أن شذَّب أول حجر إلى ابتكاره السكين التي صنعها من الحديد، وبنائه أول مسكن يعيش فيه بعيداً من الكهوف. حتى بقايا عظام البشر صارت لها أهمية كبرى حيث يعتمد رسم صورة هذا الإنسان عليها، وتبين عمره ومظهره وحالته الصحية، وتبين أحياناً سبب وفاته، وحتى في بعض الأحيان تظهر لنا علاقاته الأسرية، على نحو ما نراه في حفائر مقابر عمال الأهرامات المصرية، التي كشفت عن أمراض لدى المصريين القدماء في العمود الفقري.
لقد تقدم هذا العلم لدرجة أنه بات يساعد في الاستدلال على معلومات، حتى من خلال الجثث التي تحللت وتوحدت مع التربة، مثل الجثث التي تحللت نتيجة بركان هائل في إيطاليا، واستطاع علماء الآثار التعرف إلى أسلوب تصفيف الشعر ووضع الجسم، وحتى التعبيرات لحظة الموت.
هناك شغف في العالم يزداد يوماً بعد يوم بفهم أكبر للماضي، فكلما تقدمت التكنولوجيا ويسَّرت حياة البشر، أصبحت هناك رغبة عارمة لمعرفة كيف كان يعيش أجدادنا، والذهول يأتي من عجزنا عن إنجاز بعض ما أنجزه القدماء، كحالة بناء الأهرامات المصرية، لذا سيظل الماضي أكبر علامة استفهام أمام إنسان العصر الحديث.
إن التطورات المختلفة وتداخل علم الآثار مع علوم أخرى أدت إلى إعادة تعريف علم الآثار، فهم علم استعادة الماضي وإعادة بناء حياة الإنسان كما كانت لكي يكون الإنسان المعاصر ملماً بتفاصيل الماضي. لم يعد علماً معنياً بالأثر القائم بذاته فقط أو بتحفة فنية قديمة، بل يربط الإنسان بالأثر ليقدم من خلال هذا الربط حياة الإنسان عبر الأثر كوسيط. لذا تجاوز الزمن فكرة مادية الأثر إلى معطيات الأثر، فالأثر في حد ذاته لم يعد هو الموضوع، بل الموضوع يدور حول تساؤلات يحاول علماء الآثار الإجابة عنها، مثل: لمن صنع الأثر؟ ما السياق الذي بني فيه الأثر أو أنتج فيه؟ ما استخداماته؟ ما طبيعة الأثر وعلاقاته بالبيئة وانعكاس ذلك على تقدم البشرية؟
لذا، فالتعامل مع علم الآثار على أنه علم نظري كما هي الحال حالياً في عدد من الدول العربية، فيه قصور شديد، فهو علم نظري علمي تطبيقي، تفرعت منه علوم كثيرة عابرة للتخصصات منها:
البيوأركيولوجي الذي يعنى بتحليل الحمض النووي للمواد التي يعثر عليها، كما يعنى بدراسة التاريخ الجيني للإنسان من خلال تقنيات علم الوراثة.
علم أنثربولوجيا الآثار: يعني علم الأنثربولوجيا بدراسة الإنسان وعلم الآثار بدراسة مخلفات الإنسان المادية، والعلمان معاً يقيمان تصورات عن حياة الإنسان في الماضي وتطورها عبر مخلفات الإنسان المادية.
علم الآثار البيئي: يعني بدراسة استخدام الإنسان للنبات والحيوان وتكيف المجتمعات الإنسانية مع البيئة المتغيرة باستمرار.
علم الآثار العرقي: يعنى بدراسة حياة الشعوب ورموزها الثقافية بهدف التوصل إلى الفهم العميق للسجل الأثري.
إن أكبر معضلة تواجه علم الآثار في العالم العربي هي عدم وجود نظرية عربية تؤطر لهذا العلم، لذا بات هذا العلم الآتي من الغرب بصورته الراهنة منعزلاً داخل أسوار الجامعات والمتاحف، في حين كان أجدادنا العرب أكثر وعياً منا أجيالنا الراهنة بهذا العلم، فقد كان للعرب محاولات مبكرة لكشف رموز اللغة المصرية القديمة، بل توصل ذي النون المصري في بعض مخطوطاته إلى فك شفرات بعض رموز اللغة المصرية القديمة، ووقف كبار الصحابة والتابعين أمام آثار قدماء المصريين متسائلين، ليس عن كون هؤلاء أمم سابقة فحسب تأخذ منها العبرة، بل باعتبار أن تراثهم يستحق التقدير، فألَّف الإدريسي كتاباً عن الأهرامات وكذلك السيوطي، واعتبر ابن خلدون هذا التراث للعظة والعبرة وبقايا شعوب مندثرة، في حين عنون المقريزي كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»، ليكون أول دليل أثري وتاريخي متكامل لتراث مدينة القاهرة نستطيع أن نستخدمه إلى اليوم على رغم أليفه في العصر المملوكي. منهج المقريزي يذكرنا بما وصل إليه علم الآثار في صورته الحالية، إذ يؤرخ الأثر ويصفه ويحدد استخداماته ويبين لنا تفاعلات المجتمع معه في توثيق متكامل للمكان والحياة فيه وحوله.
ماذا يقدم لنا علم الآثار؟
إن بناء الشخصية الوطنية والتأكيد على مساهمة حضارتنا في المنجز البشري هو ما يقدمه لنا علم الآثار، فالنظرة حاليا تختلف على سبيل المثال لشبه الجزيرة العربية عن النظرة قبل خمسين عاما مضت، إذ إن حياة الإنسان والغابات وحتى صنانير صيد الأسماك على ساحلي عُمان والإمارات المتحدة جعلت لنا تصوراً مختلفاً عما كنا نعتقده عن هذه الصحراء الجرداء الآن.
كما أن هناك قناعة حالياً بأن لغة ما سادت في المنطقة من الخليج العربي إلى المغرب، وليس أدل على ذلك من تشابه قواعد النحو والصرف في لغة قدماء المصريين مع اللغة العربية، ووجود مشترك كبير بين لغة القدماء المصريين والأمازيغية التي سادت بين ليبيا والمغرب.
هناك تراث معماري إسلامي مشترك صاغته فلسفة إسلامية مستمدة من فقه العمارة الإسلامية الذي يحدد طبيعة العمارة وتخطيطها، ومن دون دراسة فقه العمارة الإسلامية ستكون هذه العمارة مجرد حجارة متراصة ذات شكل جمالي، لكن مع دراستها عبر فقه العمارة سنرى فلسفة ورؤية خلف كل حجر.
وتدل الوقفيات الإسلامية على استيعاب أجدادنا لفكرة صيانة الأثر والحفاظ عليه، واستخلص الدكتور بديع العابد في كتاب له عن الحفاظ من خلال الأوقاف، رؤية عربية متكاملة لترميم الآثار، كما أن للدكتور حسام مهدي جهوداً محمودة في هذا الاتجاه.
يجب أن نعتد بمواقع ما قبل التاريخ في العالم العربي التي نملك منها الكثير، كموقع «المسيلة» في الجزائر؛ المسجل على قائمة التراث العالمي.
إلى أين يتجه علم الآثار حالياً في ظل ما سبق؟
يتجه علم الآثار نحو التفاعل مع المجتمع، بخاصة في ظل العالم الرقمي، فالمسح الثلاثي الأبعاد جعل هناك شغفاً أكثر بالماضي، كما أن الأفلام الوثائقية والتسجيلية، بل حتى الروائية كفيلم «طروادة» تعيد الاهتمام بالعديد من المواقع الأثرية حول العالم، لذا فإن الآثار صارت أحد محاور التنمية الثقافية والمجتمعية والاقتصادية، وقيمة مضافة لأي مجتمع، فهل نستطيع بعد هذا كله بناء نظرية عربية لعلم الآثار؟ في حقيقة الأمر، نعم، فهذه النظرية تبدأ بالعظة والعبرة والتأمل في آثار الأمم السابقة ثم دراسة تراث أجدادنا سواء في الصحراء الشاسعة أم في الأودية الزراعية كالعراق ومصر وصولا إلى البحث عن إدماج هذا في الجهود الرامية للتنمية، فمدينة وادان في موريتانيا، وهي في حاجة إلى ترميم وإنقاذ عاجل، إذا تم ترميمها ستشكل قيمة مضافة للتراث المعماري الإسلامي ومزاراً سياحياً فريداً لكونها مدينة تراثية متكاملة في قلب الصحراء، وعاملا لبناء الشخصية الوطنية الموريتانية.

المصدر: دار الحياة

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على علم الآثار ... رؤية عربية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
19658

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة