الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › أمل دنقل.. «شاعر الرفض» الذي قاوم السلطان.. وهزمه السرطان (بروفايل)

صورة الخبر: أمل دنقل.. «شاعر الرفض» الذي قاوم السلطان.. وهزمه السرطان (بروفايل)
أمل دنقل.. «شاعر الرفض» الذي قاوم السلطان.. وهزمه السرطان (بروفايل)

ثلاثون عامًا مرت على وفاة «الجنوبي»، أمل دنقل، أمير «شعراء الرفض»، الذي واجه السلطان بشجاعة، قبل أن تخذله هذه الشجاعة في مواجهة السرطان.

في قرية «القلعة» بمركز «قفط» بمحافظة «قنا»، ولد أمل دنقل عام 1940. كان والده من علماء الأزهر، حصل على «إجازة العالمية» عام 1940، فأطلق اسم «أمل» على مولوده الأول تيمنًا بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام، ولم يكد أمل يبلغ العاشرة من عمره حتى توفي والده، ليصبح، وهو في هذه السن، مسؤولًا عن أمه وشقيقيه.

أنهى أمل دراسته الثانوية في قنا، ثم هبط إلى القاهرة ليلتحق بكلية الآداب، لكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول، وعاد أدراجه إلى قنا ليعمل موظفًا بالمحكمة، ثم عمل بين جمارك السويس والإسكندرية، لكنه كان دائم الفرار من قيود الوظيفة إلى الشعر.

أطلق «أمل» أول صيحة شعرية عام 1969 في ديوانه «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»، وهو الديوان الذي جسد فيه الشعور العربي المحتقن عقب نكسة 1967، مستلهمًا قصة زرقاء اليمامة، السيدة العربية ثاقبة البصر، التي كانت ترى على مسيرة ثلاثة أيام، وحذرت قومها من قدوم العدو مستترًا خلف أغصان الشجر، فكذبوها، فحاقت بهم الهزيمة.

أيتها العرافة المقدسة

جئت إليك مثخنًا بالطعنات والدماء

أزحف فى معاطف القتلى وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف، مغبر الجبين والأعضاء

أسأل يا عذراء عن فمك الياقوت

عن نبوءة العذراء

عن ساعدي المقطوع

وهو ما يزال ممسكًا بالراية المنكسة



وبعد هذا الديوان تتابعت دواوينه، «تعليق على ما حدث»، و«مقتل القمر»، و«العهد الآتي» و«أقوال جديدة عن حرب البسوس». ولكن في «أوراق الغرفة 8»، آخر دواوينه، بدا أنه بلغ ذروة نضجه الشعري، وفارقت قصائده ما تميز به شعره من حس سياسي، إلى رصد وتسجيل وتدوين للحظات الحياة الأخيرة.

عندما عقد الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل، كتب أمل رائعته «لا تصالح»، والتي صارت وقتها أشبه بمنشور شعري سياسي يتداوله الرافضون للصلح مع إسرائيل.

(1)

هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب!



(2)

لا تصالح على الدم.. حتى بدم

لا تصالح ولو قيل رأس برأسٍ

أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟



اختار أمل دنقل موقعه منذ اللحظة الأولى على يسار السلطة‏، فصار يلقّب بشاعر الرفض، رفض الظلم والديكتاتورية ونفاق المجتمع‏، رفض الهزيمة، رفض الصلح.

تزوج أمل دنقل من الكاتبة عبلة الرويني التي كانت تعمل في جريدة «أخبار اليوم»، حيث التقت به من أجل حوار للجريدة، انتهى بزواج لم يُمهله الموت وقتًا، إذ اكتشف «أمل» بعد الزواج بتسعة أشهر أن الورم الخبيث بدأ يعبث في أرجاء جسده.

تصفه «عبلة» بقولها: «صخري، شديد الصلابة، لا يخشى شيئًا ولا يعرف الخوف أبدًا.. لكن من السهل إيلام قلبه».

وتدلل «عبلة» على ما تقول:‏:‏ «انتابتني حالة من الرقة في التعامل مع أمل، لكنه نهرني عن تلك الرومانسية مؤكدًا أننا أمام موقف صعب،‏. حدد الطبيب موعدًا لإجراء الجراحة ولم نكن نملك مليمًا واحدًا، أجريت العملية وبعدها بخمسة أشهر اكتشف الطبيب ورمًا آخر، وأخذ المرض ينتشر حتى كان حتميًا أن يذهب أمل إلى الغرفة ‏8 في معهد السرطان».

تعتقد «عبلة» إنها «أول بيت حقيقي لنا. فقد مكثنا فيه عامًا ونصف‏».‏

في معهد السرطان نضج «أمل» شعريًا، عندما عبّر عن معاناته مع المرض، وتصوراته عن الحياة، ولحظات ما قبل الموت، في ديوانه «أوراق الغرفة 8»، بنمط مغاير عن كل ما كتب، وهو ما عبّر عنه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قائلاً: «إنه صراع بين متكافئين.. الموت والشعر».

تأكد لـ«أمل» من تجربته مع السرطان أن الموت هو اليقين الوحيد.



«ضد من؟»

في غُرَفِ العمليات

كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ

لونُ المعاطفِ أبيض

تاجُ الحكيماتِ أبيضَ، أرديةُ الراهبات

الملاءاتُ

لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن

قرصُ المنوِّم، أُنبوبةُ المَصْلِ

كوبُ اللَّبن

كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.

كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ

فلماذا إذا متُّ.

يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..

بشاراتِ لونِ الحِدادْ

هل لأنَّ السوادْ..

هو لونُ النجاة من الموتِ

لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ

***

ضِدُّ منْ ؟

ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ – اطْمأَنْ؟

***

بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..

الذينَ يرون سريريَ قبرا

وحياتيَ.. دهرا

وأرى في العيونِ العَميقةِ

لونَ الحقيقةِ

لونَ تُرابِ ا

لوطنْ..

**

في 21 مايو 1983، حط طائر الموت بجناحيه في الغرفة رقم 8، بمعهد الأورام بالقاهرة، ليعصف بورقة نضرة في دوحة الشعر العربي ظلت تقاوم حتى اللحظات الأخيرة.

**

عانى «أمل» من القهر السياسي والتعتيم الإعلامي، ورغم ذلك لم ينحن أمام سياط القهر ومحاولة إقصائه عن الساحة وظل يقاوم حتى الرمق الأخير.

استلهم فى شعره رموز التراث العربي فضلًا عن الأساطير القديمة، ونتيجة للقمع السياسي الذي تعرض له، ظل الأصدقاء يتداولون قصائده سرًا، وعندما نشر قصيدة «أغنية الكعكة الحجرية» في مجلة سنابل، أغلقت المجلة، وفُصِل رئيس تحريرها.

كتب «أمل» قصيدته «الكعكة الحجرية» عام 1972، ممجدًا مظاهرات الطلبة في ميدان التحرير، للمطالبة بالحسم ضد إسرائيل، ومُدينًا تعرّض السلطة لها بالعنف، واعتقال المشاركين فيها وتعذيبهم.



(أغنية الكعكة الحجرية)

(الإصحاح الأول)

أيها الواقِفونَ على حافةِ المذبحةْ

أَشهِروا الأَسلِحةً!

سَقطَ الموتُ; وانفرطَ القلبُ كالمسبحَةْ.

والدمُ انسابَ فوقَ الوِشاحْ!

المنَازلُ أضرحَةٌ,

والزنازن أضرحَةٌ,

والمدَى.. أضرِحةْ

فارفَعوا الأسلِحةْ

واتبَعُوني!

أنا نَدَمُ الغَدِ والبارحةْ

رايتي: عظمتان.. وجُمْجُمةْ,

وشِعاري: الصَّباحْ!



(الإصحاح الثاني)

دَقت الساعةُ المُتعبةْ

رَفعت أمُّه الطيبةْ

عينَها..!

(دفعتهُ كُعُوبُ البنادقِ في المركَبة!)

دقتِ السَّاعةُ المتْعبة

نَهَضتْ; نَسَّقتْ مكتبة..

(صَفعته يَدٌ..

- أَدخلتْهُ يدُ اللهِ في التجرُبة!)

دقَّت السَّاعةُ المُتعبة

جَلسَت أمهُ; رَتَقَتْ جوربهْ..

(وخزتهُ عُيونُ المُحقَّقِ..

حتى تفجّر من جلدِه الدَّمُ والأجوبة!)

دقَّتِ السَّاعةُ المتعبةْ!

دقَّتِ السَّاعة المتعبةْ!



(الإصحاح الثالث)

عِندما تهبطينَ على سَاحةِ القَومِ, لا تَبْدئي بالسَّلامْ.

فهمُ الآن يقتَسِمون صغارَك فوقَ صِحَافِ الطعام

بعد أن أشعَلوا النارَ في العشِّ..

والقشِّ..

والسُّنبلةْ.!

وغداً يذبحونكِ..

بحثاً عن الكَنزِ في الحوصلة!

وغداً تَغْتَدي مُدُنُ الألفِ عامْ.!

مدناً.. للخِيام!

مدناً ترتقي دَرَجَ المقصلةْ!



(الإصحاح الرابع)

دقّتِ الساعةُ القاسيةْ

وقفوا في ميادينها الجهْمةِ الخَاويةْ

واستداروا على دَرَجاتِ النُّصُبْ

شجراً من لَهَبْ

تعصفُ الريحُ بين وُريقاتِه الغضَّةِ الدانية

فَيئِنُّ: «بلادي.. بلادي»

(بلادي البعيدةْ!)

دقت الساعةُ القاسيةْ

«انظروا..»; هتفتْ غانيةْ

تتلوى بسيارة الرقَمِ الجُمركيِّ;



يرى بعض النقاد أن النكسة كانت سببًا في تبلور تجربة أمل الشعرية، ورد على ذلك بقوله، إن «النكسة لم تفعل أكثر من أنها أثبتت إحساسه بانهيار المجتمع».

كان «أمل» عنيدًا صُلبًا متقلبًا، متعدد الصداقات‏، كانت صداقته بالشاعر نجيب سرور، كما تقول «عبلة»، من الصداقات الصاخبة اللا هادئة المليئة بالشجار، أما صديقه الصدوق فكان الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وكان يحيى الطاهر عبد الله واحدا من أقرب الأصدقاء إلى قلبه ووجدانه رغم ما احتوته علاقتهما من اشتباك متواصل.

لكن عندما مات «يحيى»، قال «أمل»: «يحيى خاصٌ بي وحدي»، ثم بكى.

وعندما مات «أمل»، وصفت «عبلة» المشهد قائلة: «كان وجهه هادئًا وهم يغلقون عينيه، وكان هدوئي مستحيلًا وأنا أفتح عيني، وحده السرطان كان يصرخ، ووحده الموت كان يبكي قسوته».

**

قلتُ لكم مرارًا

إن الطوابير التي تمر..

في استعراض عيد الفطر والجلاء

(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)

لا تصنع انتصارا.

إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى

لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء.

إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواءْ:

لا تقتل الأعداءْ

لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا

تقتلنا، وتقتل الصغارا!

المصدر: المصرى اليوم | عاطف عبدالعزيز

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أمل دنقل.. «شاعر الرفض» الذي قاوم السلطان.. وهزمه السرطان (بروفايل)

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
59982

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة