الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › "الدكان".. قصة قصيرة لأشرف العشماوى

صورة الخبر: "الدكان".. قصة قصيرة لأشرف العشماوى
"الدكان".. قصة قصيرة لأشرف العشماوى

اتكأ مرزوق على ذراع عبد القوى حارس دكانه حتى وصل إلى أقرب مقعد فتهاوى عليه، وجلس يلتقط أنفاسه وهو يلهث من الوهن والضعف والخوف أيضاً، أتى له عبد القوى بكوب من ماء تجرعه ببطء مغمضاً عينيه فى استسلام، فبلل جلبابه بعد أن فقد السيطرة على يده المرتعشة منذ الصباح..

استفسر منه عبد القوى عما يفزعه إلى هذا الحد، فأجابه وهو منكسر مطأطئ الرأس، أن إدارة التموين بالمحافظة كشفت غشه للأغذية التى كان يبيعها طوال السنوات الماضية لأهل الحارة، ويخشى أن يؤذيه أحدهم، قد يكون مات أحد من أقاربه أو تسمم آخر من أهله ولا يعرف أين يذهب؟!

صمت عبد القوى برهة قطعها هتاف أهالى الحارة المتجمهرين أمام الدكان مطالبين بالقصاص من صاحبه، مهددين بقتله، استنجد مرزوق بحارسه طالباً إبعادهم.. تجهمت قسمات وجه عبد القوى حتى صار كتمثال جرانيت، وصوب لسيده نظرة حادة زادته خوفاً وجزعاً من مصير مجهول لاح فى الأفق القريب.

أغلق عبد القوى الدكان من الداخل بإحكام وأرسل أحد معاونيه لتهدئة أهل الحارة، وأطبق بقبضة يده على ذراع مرزوق حتى كاد أن يعتصرها، فاستسلم له فى وداعة دون مقاومة.. خرج به من باب خلفى صغير وسار به من حارة إلى زقاق حتى عرجا إلى طريق جانبى حتى وصلا المستوصف الحكومى فأودعه فيه، وعاد إلى الدكان من الطريق العمومى، فوجد أهل الحارة يطرقون الباب بكفوفهم، بينما ترتفع حناجرهم بالهتاف، حتى كادت ضلفتا الباب تنفصلان من هدير الصوت لا من شدة الطرق.

ما أن شاهدوا عبد القوى حتى هدأوا فقد كانوا يحبونه ويثقون فيه، وإن توجس بعضهم خيفة منه، فهو ذو بأس شديد ويحرس مرزوق ودكانه منذ سنوات بعيدة.

طمأنهم عبد القوى وهدئ من روعهم ثم أخبرهم أن مرزوق دخل فى غيبوبة فور وصوله المستوصف فصدقوه.. طلب منهم أن ينتخبوا اثنين لكى يتحدث معهما عن مستقبل الدكان، وتعويض الأهالى عن الضرر من أغذية مرزوق الفاسدة.

تقدم صالح الصفوف ممثلاً عن فئة بينما كان نافع واقفاً بالقرب من عبد القوى، معلناً عن تمثيله لفئات أخرى، واكتفى عبد القوى بهما، فاصطحبهما إلى داخل الدكان، وأفضى إليهما أنه لا يطمح فى إدارة الدكان، وإنما وجوده سيكون لفترة لحين استقرار الأوضاع والتخلص من البضاعة القديمة وتوريد جديدة صالحة للاستهلاك الآدمى، ثم يسلم إدارة الدكان لواحد منهما، على أن يتعهد بحراسته كما كان.
انبرى صالح صائحاً أنه يوافق على هذا الاقتراح، طلبا سؤال أهل الحارة عمن يختارونه لإدارة الدكان صالح أم نافع؟ اعتدل نافع فى جلسته وطلب وضع معايير وضوابط أولاً لمن يتولى الإدارة وبعدها يتم الاختيار حتى يضمن عدم التلاعب مرة أخرى ممن سيدير الدكان.. لم يعجب الحديث صالح وصمم على رأيه، بينما ظل نافع متمسكاً بما طرحه ولديه حجته القوية التى لم يناقشها صالح على الإطلاق، بل ظل يلتف ويدور من حولها، فحسم عبد القوى الأمر منحازاً لصالح وحدد مهلة ثلاثة أشهر بعدها يتم اختيار أحدهما لإدارة الدكان وتركهم وانصرف.

اختفى عبد القوى من الحارة ولم يعد يظهر إلا نادراً عندما يحتاج الأمر إلى قوة تردع ليخاف الآخرون، بينما ظل نافع يحاول إقناع الأهالى بحجته إلا إنهم وجدوا صعوبة فى فهمه، فقد كانوا أميين لا يفهمون معنى الضوابط والمعايير، لدرجة أن أعجب بعضهم بالعبارة فجعلها لافتة لدكانه!

أما صالح فقد استغل طيبة أهل الحارة وفقرهم فبعث رجاله ليبشروهم بالصلاح والجنة الموعودة، فلاقى قبولاً فى البداية، سرعان ما واجهه نافع بتصيده لكذب صالح المتكرر وتغليبه لمصلحته فلم يعد له من اسمه نصيب على الإطلاق.

ظل عبد القوى ينشر رجاله فى ربوع الحارة رويداً رويداً ويسيطر على مخارجها ومداخلها، ويجتمع بهم كل ليلة فى الدكان الذى كان يديره مؤقتاً، تاركاً صالح وغيره يخرجون أسوأ ما فيهم، ويقولون ما يريدون.

بعد مرور المهلة أتى صالح ونافع منهكين متعبين من جراء النقاش والحوارات والمشاحنات التى دارت بينهما، وحشدوا لها الآلاف من الأنصار.. وقفا أمام عبد القوى ففاجأهما بأنه لا يشعر باستقرار الأوضاع فى وجود صالح، وأن المهلة التى أعطاها له كشفته، فتهلل وجه نافع بعد أن ظن أنها دانت له، وصارت على مرمى حجر، إلا أن عبد القوى رمقه بنظرة حادة قائلاً: أما أنت فلم تنضج بعد وإداراتك للدكان الآن لا أطمئن لها بالدرجة الكافية، لابد من أن تنتظر فترة أخرى، وقبل أن ينطق نافع مستفسراً عن مدة تلك الفترة كان عبد القوى يجيبه وكأنه يقرأ أفكاره "إلى أجل غير مسمى" فقوت أهل الحارة مسئوليتى، ولا يجوز العبث به الآن، أمهلنى فترة أقدرها فأنا لا أرغب فى إدارة الدكان كما تعلم!

انقسم أفراد جماعة صالح على أنفسهم ما بين مؤيد ومعارض لعبد القوى كعادتهم، وخيم الوجوم على مؤيدى نافع فتسمروا فى أماكنهم، فيما مضى نافع وحيداً يجر أذيال الخيبة وعبارة عبد القوى الأخيرة ترن فى أذنيه، وتذكر أن والده قد رواها له من نصف قرن أو يزيد.. وما أشبه الليلة بالبارحة!

المصدر: اليوم السابع

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "الدكان".. قصة قصيرة لأشرف العشماوى

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
62309

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة