الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار
صورة الخبر: ما بعـد دراسة الجينوم!
ما بعـد دراسة الجينوم!

يشير المقطع اليوناني (epi) إلى عدة معانٍ؛ من بينها: فوق، وعلى، وأعلى، وبالقرب، وفي، وقبل، وبعد. ومعظم هذه المعاني يتضمنها المصطلح (epigenetics)، وبخاصة الأخير منها. ومنذ 14 عامًا نشرت دورية Nature مشروع تسلسل الجينوم البشري، وحاليًا ننشر نتائج دراسة تابعة عن «التغييرات اللاجينية للجينوم» التي تحدد بدِقّة متى يحدث التعبير الجيني، وفي أي أنواع الخلايا.

من الصعب العثور على فرع من علم الأحياء البشرية، لم يستفد من الكشف عن تتابع الجينوم البشري. إن إرثه يُعَدّ على الأرجح الأبرز في تقديرنا؛ من حيث الدور الذي يلعبه علم الوراثة والتنوع الجيني في الوظائف الطبيعية لجسم الإنسان السليم، وفي حالة إصابته. وعلى الرغم من التقدم الذي حققه ذلك الكشف، فأمام كل سؤال يساعد الجينوم في إجابته، تُطرح أسئلة أخرى عديدة. فلا يزال هناك الكثير مما نحتاج إلى فهمه، بشأن الكيفية التي تفسِّر بها الخلايا الفردية في أجسامنا المعلومات الوراثية.

وهنا يأتي دور علم الوراثة اللاجينية، أو فوق الجينية ـ اختر ما تشاء من المصطلحات ـ في وصف مجمل التغييرات في تنظيم التعبير الجيني، الذي يمكن انتقاله إلى نسل الخلية، وليست التغييرات في تتابع النيوكليوتيدات في الجين.

بعد فترة وجيزة من الانتهاء من التعرف على تتابع الجينوم البشري، أصبح واضحًا أن خريطة علم الوراثة فوق الجينية- الخريطة الواسعة للتعديلات في الجينوم، التي تحدث في الحمض النووي، والعماد البروتيني الذي يدعمه- ستصبح أيضًا مطلوبة، وهي مهمة غير بسيطة، كما يصفها الباحثون. فكل خلية في الجسم تحمل الجينوم نفسه (ما عدا القليل من الاستثناءات)، لكن المحتوى فوق الجيني يتغير في الخلية، وفي نوع النسيج.

إن علم الوراثة فوق الجينية ما زال علمًا ناشئًا، لكن الباحثين الآن يعدُّون العدة لدراسة التغييرات في المحتوى فوق الجيني للجينوم بطريقة منهجية، وبصورة واسعة. ففي عام 2012، احتفلت دورية Nature بنشر نتائج لمشروع موسوعة عناصر الحمض النووي «إنكود» ENCODE، الذي كان هدفه وصف كل العناصر الوظيفية المشفرة في الجينوم البشري، عن طريق رسم خريطة للتعديلات فوق الجينية.

كان مشروع «إنكود» رائدًا في الجهد المبذول فيه، وتطويره للبرمجيات التحليلية المتخصصة، وأصبح له بالفعل تأثير ضخم في دراسات الجينوم البشري، لكن تطبيقاته الإكلينيكية محدودة؛ لأن غالبية نتائجها تأتي من عدد صغير من خطوط الخلايا المعملية، في حين أن المعلومات الإكلينيكية المهمة لعلم الوراثة فوق الجينية يجب أن تأتي مباشرة من جميع أنواع الخلايا المختلفة التي تكوِّن جسم الإنسان.

تم تجميع هذا النوع من المعلومات حاليًا في مشروع «خريطة طريق علم الوراثة فوق الجينية»، الذي تديره المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة. وقد أنشئ هذا المشروع لتوليد ومشاركة البيانات الوراثية فوق الجينية للخلايا الجذعية والخلايا الناضجة، والعديد من الأنسجة المختلفة لأشخاص أصحاء ومرضى مصابين بأمراض معينة، مثل السرطان، وضمور الأعصاب، وأمراض المناعة الذاتية.
ومن خلال هذا المشروع تبرز ثلاثة أسئلة تتعلق بأهم الجوانب الرئيسة لعلم الوراثة فوق الجينية: كيف يؤثر المحتوى الوراثي فوق الجيني على التعبير الجيني؛ وكيف يتغير المحتوى الوراثي فوق الجيني خلال تمايز الخلايا الجذعية (أى خلال التطور الطبيعي)؛ وكيف يتغير خلال المرض.

وتؤكد النتائج الدور الأساسي لمعلومات الوراثة فوق الجينية في فهم هذه العمليات. ويتضح بشكل حاسم أنه ليس نوعًا واحدًا أو نوعين من التعديلات هو ما يهم، فعلم الأحياء نادرًا ما يكون بهذه البساطة.. فالتآلف بين هذه التغيرات يتوقع نشاط الجين بطريقة لا يفعلها نوع واحد من التغييرات.

وحتى الآن، ثمة صعوبة في إيجاد علاقة سببية بين التغييرات في المحتوى الوراثي فوق الجيني والإصابة بالأمراض. إن معرفة هذه التغييرات ضرورية، إذا كنا نريد فهم آلية المرض الكامنة، وتصميم علاج مستهدف لها. ومن خلال كَمّ البيانات الجديدة، يمكن للتغير الثابت في المحتوى الوراثي فوق الجيني أن يعرِّفنا الجينات المطلوب دراستها، والمسارات التي تحتاج إلى مزيد من المتابعة. كما يمكن للدراسات طويلة المدى للمحتوى الوراثي فوق الجيني لأنواع الخلايا ذات الصلة بمرض معين أن تحدِّد ما إذا كان التغير في هذا المحتوى له دور في تقدم المرض، أَمْ لدى حدوث الإصابة فقط.

أحد الأسباب التي أعاقت إيجاد علاقة بين بعض الأمراض والاضطراب الوظيفي للحمض النووي هو أن هناك تغييرات أساسية تحدث في مناطق غير مفهومة من الجينوم، وعادةً خارج الأجزاء الخاصة بتشفير البروتين. ومن شأن خرائط المحتوى الوراثي فوق الجيني التي نُشرت في دورية Nature أن تساعد العلماء في دراسة المواضع غير المفهومة بشكل كامل. فعن طريق الاستفادة من هذه الخرائط، التي نتجت من دراسة أنواع مختلفة من الخلايا، يمكن للباحثين تحديد ـ على سبيل المثال ـ ما إذا كان التغير في المحتوى الوراثي فوق الجيني المرتبط بمرض معين يقع في مكان ما في الجينوم ينظم نشاطًا جينيًّا، أم لا. إذا كانت الإجابة بالإيجاب، فإن هذا يوفر دليلًا محتملًا يستحق الدراسة.

إن السرطان غالبًا ما يُسمى مرض الجينوم، لكن الجينوم لا يُوجد ولا يعمل في عزلة تامة. فمن بين كل الأمراض، ارتبط السرطان ـ بشكل لا لبس فيه ـ بالطفرات الوراثية فوق الجينية. ولطالما اعتقد العلماء أن تنظيم المحتوى الوراثي فوق الجيني يؤثر على مواقع الطفرات في الجينوم، التي تسبب السرطان. وتشير الاكتشافات الحديثة إلى أن هذا حقيقي بالفعل، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك. فقد أظهرت تلك الاكتشافات أن المحتوى الوراثي فوق الجيني للخلية السرطانية يحمل بصمة من نوع الخلية التي نشأ منها السرطان. وهذه معلومة مهمة عن سرطان الأنسجة المعقدة، مثل سرطان الكبد بشكل خاص، الذي لا يمكن في الوقت الحاضر تعقُّبه؛ للوصول إلى نوع الخلية الأصلية التي نشأ منها.

في الأمراض البشرية يعمل كلٌّ من المحتوى الجينومي والوراثي فوق الجيني معًا، ولذا.. تصبح معالجة الأمراض باستخدام معلومات عن الجينوم وحده كالعمل وإحدى اليدين مقيَّدة خلف الظَّهر. إن الكنز الجديد من البيانات عن المحتوى الوراثي فوق الجيني يحرر اليد الأخرى. وقد لا يجيب هذا الكنز عن كل الأسئلة، لكنه سيساعد الباحثون على أن يقرِّروا أيّ الأسئلة يجب طرحها.

المصدر: المصري اليوم

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على ما بعـد دراسة الجينوم!

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
57124

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار العلم والتقنية