تتميز أعمال الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة بطابع حكائي، يتوارى بين تفاصيل اللوحة. لوحاته أشبه بحكاية ممتدة متعددة الفصول والأساليب. هي حكاية ممتدة عن المدينة والناس، عن الليل ومقاهي القاهرة ونيلها وشوارعها، وليس بمستغرب إذاً أن يلجأ إلى الصورة الفوتوغرافية كوسيط له حضوره القوي والمؤثر في بناء العمل. فالفوتوغرافيا هي الأقدر على التواصل مع حركة الشارع والتعبير عنه في شكل مباشر. وهو حين لجأ إلى الصورة الفوتوغرافية لم يتعاط معها على نحو صريح، بل أخذ منها روح المباشرة والحيوية والحركة وأضاف إليها معطياته الخاصة التي تتفاعل مع ما يحيط به (ثقافياً واجتماعياً وسياسياً).
صور كثيرة ميَّزت لوحات محمد عبلة، وحكايات لا تنتهي ظلت عالقة بأسلوبه، من وجوه الأصدقاء إلى ملامح الزمن الغابر. هـذه الصور التي نجح عبلة في استدعائها وميـَّزت جانباً من تجربته مع اللوحة، ينحيها جانـباً الآن ويشرع في رسم ملامح أخـرى لتجربة جديدة عرضها أخيراً في قاعة «مشربية» في القاهرة تحت عنوان «حكايات لريم». في هذا المعرض قرر محمد عبلة أن يروي حكاياته الخاصة، حكايات مرسومة على الورق يحكيها لـ «ريم». وهي رسوم تبتعد عن السياق العام لأعماله من حيث المحتوى، لكنها تحتفظ بالصياغة نفسها وروح الحكي. الحكايات الطفولية التي تتضمنها مساحات الرسم الصغيرة تبتعد هذه المرة عن حركة الشارع وتتخذ لنفسها مساراً آخر أقرب إلى الحدوتة أو الخرافة، وهو إن لم يستدع هنا عناصره البصرية التي اعتادها متابعو أعماله، إلا أنه احتفظ بتوتر مساحاته المرسومة وتعدد طبقات الصورة واختلال أجزائها أحياناً.
الرسوم الموجهة إلى «ريم»، (الابنة أو الحفيدة أو الشخصية المتخيلة) تعيد محمد عبلة إلى البدايات، تنبش في صفحة خيالاته كي تخرج كل تلك الصور المرسومة بعفوية على مساحات من الورق. جانب من هذه الرسوم بالأبيض والأسود، يتداخل اللون فيه على عجالة فيبدو مقحماً نفسه على المشهد الذي لم يتهيأ بعد لهذا الاقتحام المفاجئ للون، غير أنه يعود ليمزج بين الاثنين في رسوم أخرى متعددة المستوى، فيستقر المشهد على هذا النحو ويبدو متناغماً، فلا يستحوذ اللون على كل الاهتمام، ولا يطغى الأبيض والأسود على معظم المساحة، فكل له دوره داخل مساحة الحكي التي يفتحها عبلة على مصراعيها أمام متابعيه.
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!