الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار
صورة الخبر: المترو
المترو

يوم لا يمكن أن نرى شبيها له إلا فى أحداث عمل درامى أو فيلم سينمائى يصعد فيه خيال المؤلف وإبداع المخرج لأقصى درجات العنف والإثارة، ولكن الفارق أن أحداث أمس الأول التى وقعت «أسفل الأرض» لم تكن من وحى الخيال وإنما كانت من وحى الواقع الأليم الذى يكشف إهمالا ولا مبالاة وسوء تنظيم فى التعامل مع مرفق من أخطرمرافق النقل الحيوية يرتاده يوميا عدة ملايين.

البداية تتكرر كثيرا ولا تخرج عن عطل مفاجئ ينسب غالبا لمجهولين أو «مندسين» على حد تعبير المتحدث باسم مترو الأنفاق، فى تفسيره لما حدث من تصريحات تداولتها وسائل الإعلام: (حدث رباط سريع «كلبشة فى الفرامل» على الخط الثانى بمحطة مترو الدقى ، ما اضطرنا لتسيير القطار بعد إنزال الركاب بسرعة منخفضة جدا ـ 5 كيلو مترات فى الساعة ـ حتى محطة جامعة القاهرة لوجود التحويلة هناك، وبعد أن تم سحب القطار المعطل فى فترة زمنية لم تتجاوز ثلث ساعة على حسب تعبير المتحدث، هنا ظهر دور الركاب المندسين الذين قاموا بسحب بلف الطوارئ ـ بعد إصلاح العطل ـ مما أدى لفتح الأبواب وتعطل تسيير القطارات!التبريرات المروية عليها الكثير من التحفظات ليس فقط بسبب زمن العطل المعلن عنه رسميا وإنما أيضا بسبب الركاب المندسين ذوى السيطرة القوية على بلف الطوارئ، فلو آمنا بوجودهم فعلا فيكون لنا أن نتساءل أين الرقابة والمتابعة لاحتمالية وجود »المندس« فى وسيلة مواصلات تحت الأرض تخضع لتفتيش وسيطرة ـ حسب المفترض ـ أما بالنسبة لزمن العطل فالحقيقة أننى أمضيت شخصيا أكثر من ساعتين تحت الأرض محبوسة ومعى الآلاف من المواطنين.

القطار واقفا !!

نزلنا ولم نستطع الخروج مرة أخرى لأن أرصفة المحطات امتلأت بدرجة رهيبة بالركاب لدرجة أن الواقف بأول الرصيف لا يمكنه العودة إلى نهايته أو إلى نقطة الخروج، المنظر على الطبيعة يفوق تصور أى مسئول كان قابعا فى مكتبه يراقب مايحدث من خلال الأجهزة أو الشاشات، المنظر لا يمكن إدراك بشاعته إلا لمن كان محشورا داخل إحدى العربات أو واقفا برجل واحدة على الرصيف، ليس من تخصصنا بالطبع تحديد زمن العطل الفنى أو الميكانيكى لكنى كشاهدة عيان استقلت المترو فى حوالى الثانية والنصف واكتشفت الكارثة بعد أن لم يعد للتراجع مكان، أؤكد أنه على مدى أكثر من ساعتين كان المشهد شبه متجمد، وحتى القطار الذى جاء بعد طول انتظار فى محطة «الشهداء» ظل واقفا بالركاب أكثر من ثلث ساعة لدرجة أنه فور تحركه أطلقت البنات صيحات الفرحة وزغردت إحدى النساء، ولكن يافرحة ماتمت فالقطار لم يسر إلا محطة واحدة عاد بعدها للتوقف نحو ربع ساعة أخري، وهنا بدأ البعض فى المغادرة خاصة عندما أصبحت أرصفة المحطة تسمح بالحركة البشرية دون خسائر، الغريب أنه لم يتم الإعلان فى الإذاعة الداخلية عن وجود عطل إلا بعد فترة كبيرة وظل الركاب على الأرصفة يسأل بعضهم البعض: ماتعرفش فى إيه ؟

الإعلان فى الإذاعة لم يأت إلا بعد قرب تحرك القطار من محطة الشهداء هنا سمعنا صوت يطالب بالابتعاد عن الأبواب، شارحا باقتضاب أنه كان هناك عطل وسيتم التحرك خلال قليل، ورغم أن القليل هذا استغرق الكثير لدرجة تململ الجميع وبدأ الركاب يفترشون أرضية المترو بعد أن طال الوقوف والانتظار، ومع تكرار سماعنا الصوت المنبه على قرب التحرك المأمول، فوجئنا بصوت آخر على الرصيف ينادى فى الركاب للتأكد من عدم كسر الزجاج الخاص ببلف الطوارئ فى أى عربة، مضيفا:واللى يلاقيه مكسور يا اخوانا يقول !!

حوادث نشل

هكذا يمكن أن تتأكد طبعا من المتابعة القوية والرقابة الموجودة فى المترو، خاصة عندما تضيف إلى ذلك اختفاء الوجود الشرطى نهائيا ولا حتى من الشرطة النسائية التى ظهرت لفترة سابقة ثم اختفت تماما .. ولذا كان طبيعيا أن يسود جو الفوضى والشعور بأن كل واحد مسئول عن حماية نفسه، ولم يكن أحد معنيا نهائيا بفتاة توبخ شابا لأنه احتك بها، ولا بتحذيرات انطلقت فى عربات النساء بوجوب تمسك كل واحدة جيدا بحقيبتها بعد إعلان أكثر من فتاة عن تعرضها للنشل، وسرقات الحقائب واختفاء الموبايلات، ربما لم تسمع إدارة المترو عن كل هذه الوقائع المؤلمة، وربما كذلك تنكر غياب أى مسئول على أرض المترو وسط هذه الأحداث، كما أنكروا علمهم بوقوع 16 حالة إغماء إلا عندما أعلنت ذلك وزارة الصحة رسميا !
المفترض أن أرصفة المترو بها نقاط سريعة للإسعاف، وبها شرطة وأمن ومسئول توعية أو حتى تهدئة للمواطنين الذين أصابت البعض منهم حالات خوف وفزع، خاصة عندما تكرر وقوف القطار ولم يكن صوت السائق واضحا من شدة الضوضاء ففهم البعض أن هناك قطارا آخر مقبلا على القضبان نفسه، ولولا ثبات البعض الباقى وطمأنة ذاتية قام بها الركاب لحدث تدافع سريع فى الخروج من الأبواب هربا من كارثة توهموا حدوثها فى ظل ما رأوه من ارتباك فى حركة المترو.

بكاء هيستيري

كان أكثر المشاهد إيلاما طفلين برفقة أمهما فى عربة النساء ظلا متماسكين ويحبسان الدموع فى أعينهما حتى فوجئنا بصوت بكاء هيستيرى وصراخ، حاولت الأم عبثا تهدئة طفليها اللذين لايزيد عمراهما على سبع أو ثمانى سنوات دون جدوي، وبدا المشهد كأننا مفقودين فى الصحراء عندما كان كل راكب يتشبث بما لديه من رشفات ماء بارد، كما يتشبث بمقعده رافضين تبادل المقعد مع الركاب الذين طال بهم الوقوف والانتظار، فلم يجدوا بدا من افتراش أرضية المترو، فعلتها فى الأول إمرأة ريفية ظلت طول الوقت تصرخ فى الزحام: أنا حامل فى ثلاثة أشهر وذلك خوفا من الركلات والخبطات التى كانت تطول الجميع، والطريف أن إحداهن لم تصدقها وقالت لها: مش باين عليكى حامل يعنى ! وهنا انطلقت لأول مرة ضحكات فى عربة النساء، التى سرعان مابدأ يحدث فيها تساقط من الفتيات الصغار اللاتى تعرضن للإغماء بسبب كثرة الأعداد وعدم وجود تكييف، فقط القليل من الهواء الساخن الذى يضاعف المعاناة. ورغم الإغماء فلم يكن لأحد أن يتخلى عن مقعده مما اضطر البعض لحمل المغمى عليها وافتراشها رصيف المترو فى أحد الأركان ورش الماء على وجهها حتى تعود لوعيها، طبعا التصرف كله بالجهود الذاتية والاجتهاد وكما قلنا لا يوجد أثر على رصيف أى محطة من المحطات لمسعف أو شرطى أو شرطية أو حتى متخصص للمساعدة النفسية فى أوقات الطوارئ والأزمات!

سيناريو فيلم الاكشن الذى عاشه ركاب المترو لا أظنه الأول من نوعه، وحتما لن يكون الأخير مادمنا مؤمنين بنظرية «الركاب المندسين» بدلا من نظرية «الركاب الشقيانين» الذين يبحثون عن وسيلة رخيصة وسريعة للعودة إلى بيوتهم آمنين، ومادمنا جالسين فى المكاتب الهادئة المكيفة وتركنا المواطنين ينحشرون و«يتشقلبون» ويختنقون غير مأسوف عليهم، ومادامت تذكرة المترو بجنيه واحد وأنها «ببلاش» على حد تصريح سابق لأحد المسئولين.. وطالما أننا نصر على إغلاق محطة حيوية ورئيسية (السادات) لأكثر من عام مع وعود متكررة بفتحها قريبا لتخفيف الضغط الرهيب على محطة (الشهداء) ولتقليل عدد المحطات على الركاب... أنقذوا هذا المرفق العظيم ولاداعى لأن ننتظر «الكارثة» وذلك حتى نكون علميين ومتحضرين.

صورة الخبر: المترو
المترو

المصدر: الاهرام

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على يوم الرعب فى المترو

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
16730

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
استطلاع رأي طريق الأخبار
أرشيف استطلاعات الرأي

استطلاع رأي طريق الاخبار

أهم توقعاتك لمستقبل مصر بعد تنصيب السيسي؟

إظهار النتائج

نتائج استطلاع رأي طريق الاخبار لا تعبر عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي المشاركين في الاستطلاع

إرسل إلى صديق
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث الاخبار العربية والعالمية