ولادة طفل فضائي.. من أسباب الذهاب لـ«المريخ بلا عودة»

بناء مستعمرات يعيش عليها البشر في الكواكب الأخرى، حلم طالما راود العلماء على مدار كثير من القرون السابقة، فالحياة على سطح الأرض أصبحت مستحيلة للبعض، كما أن الرغبة في اكتشاف المجهول كان دافع العلماء للبحث عن إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض، وهو ما دفع رجل الأعمال الهولندي "باس لانسدورب" للتفكير في مشروع "مارس وان".

ولم يكن "لانسدورب" يعتقد أن مشروعه هذا الذي يجمع متطوعين للعيش خارج الأرض على سطح كوكب المريخ سيجذب كل هذا العدد من الناقمين على الحياة في كوكب الأرض، ففي يونيو عام 2012 أطلقت شركة الفضاء الهولندية الخاصة بـ"لانسدورب" عددا من الأقمار الصناعية لاستكشاف كوكب المريخ، وفي أبريل عام 2013 أعلنت الشركة عن حاجتها لمتطوعين في الذهاب إلى "المريخ بلا عودة".

وعلى الرغم من أن كثيرين لم يتوقعوا أن يلقى هذا المشروع نجاحا؛ إلا أنه بحلول نهاية عام 2013 وصل عدد المتطوعين حول العالم إلى نحو 202 ألف و586 متطوع، كانت نسبتهم الأكبر من الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 24%، تليها الهند 10%، ثم الصين 6%؛ لذلك اختارت الشركة منهم 1058 مرشحا، وفي أوائل شهر فبراير الجاري؛ أعلنت الشركة اختيارها لـ100 مرشحا من بين المتقدمين من عدد كبير من دول العالم، وهو ما دفع عددا من وسائل الإعلام الأجنبية إلى تسليط الضوء على الأسباب التي جعلت هؤلاء الآلاف يتنافسون للذهاب في رحلة إلى المريخ بلا عودة.

وفي وقت سابق، أعلنت الشركة الهولندية أن الهدف من "مارس وان" هو بناء متستعمرات يسكنها البشر فوق سطح المريخ والبحث عن حياة به وخلق نوع من الاكتفاء الذاتي، وسيصل عدد الفائزين بهذه التجربة في النهاية إلى 24 متطوع فقط؛ حيث إنه من المقرر انطلاق أول رحلة في عام 2024 برجلين وامرأتين من المتطوعين كل منهما من قارة مختلفة، والذين سيقومون ببناء أول مستعمرة على الكوكب الأحمر، ويزرعون ما استطاعوا من نباتات خضراء لمساعدة الأجيال القادمة على التعايش على المريخ، وإذا ما نجحت الرحلة الأولى، التي قد تصل تكلفتها إلى 6 مليار دولار، ستنطلق 5 رحلات أخرى لإعمار الكوكب، يفصل بين كل رحلة والأخرى عامان فقط.

وعلى ما يبدو أن "لانسدورب" أراد من "مارس وان" أن تكون هولندا الأسبق بين دول العالم في العيش على المريخ؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل بضع سنوات أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على إرسال رواد الفضاء للعيش على المريخ بحلول عام 2030، ومع ذلك فخطة "لانسدورب" ليست آمنة بدرجة كافية؛ حيث إنه أوضح بشفافية: "لا مجال للعودة من المريخ".

وأثارت هذه الرحلة تساؤلات كثيرة؛ من بينها: هل سيرسل "لانسدورب" أشخاصا لتنتهي حياتهم على كوكب المريخ؟ وهل يقدم هؤلاء المتطوعون على الانتحار من أجل علم الفضاء؟، أجاب عدد من المرشحين الأوائل عن هذا السؤال، وكان من بينهم باحثة الكيمياء الأمريكية "أليسون ريجبي"، البالغة من العمر 35 عاما، والتي قالت عن سفرها للمريخ: "بالطبع أنا خائفة من الرحلة، فهي بمثابة قفزة إلى المجهول، فالعيش على سطح كواكب أخرى شيء لم يحدث من قبل، وعندما يسألني الآخرين أن كنت ذاهبة للمريخ لأموت، أقول لهم: جميعنا سنموت؛ ولكن ما آلمهم الذي يمكننا فعله قبل الموت؟".

وقال "ماكس فاجن"، طالب هندسة الطيران بجامعة "بوردو": "يمكن لأي إنسان أن يذهب في زيارة إلى المحيط أو الغابات أو غيرها، وجميع هذه الأشياء جميلة ولكنها شائعة، أما أنا فأحب المغامرة، وأسعى للحصول على فرصة لرؤية شروق الشمس على كوكب المريخ، كما أنني لو كنت من الـ24 شخصا الذين سيفوزون برحلة المريخ بلا عودة سأتمكن من رؤية قمرين في السماء".

وفي وقت سابق؛ أعلنت الشركة الهولندية أن قائمة الـ100 مرشح تتضمن اثنان عربيان، هما مهندس الكمبيوتر العراقي "نجيب وليد نجيب"، والشاب المصري "محمد سلاّم"، 32 عاما، والذي أوضح في تصريحات سابقة أن الوحدة ورغبته في اكتشاف الفضاء هما السبب في تقدّمه لرحلة المريخ بلا عودة، قائلا: "لو كان لي زوجة وأولاد، لما تركت كوكب الأرض، وصعدت إلى المريخ"، وأضاف: "أنا مؤمن بالمخاطرة من أجل تطوير البحث العلمي".



وكان للبريطانية "ماجي ليو"، البالغة من العمر 24 عاما، سببا آخر قد يبدو غريبا للكثيرين فهي تخطط لولادة أول طفل بشري على سطح كوكب المريخ؛ حيث أوضحت: "سيكون شيئا غريبا أن يوجد آدم وحواء على كوكب آخر، فالهدف من "مارس وان" هو بناء مستعمرة على المريخ، وبالتالي فلا مفر من أن أي شخص سيذهب إلى المريخ سيتزوج، فهو الهدف من الرحلة، وأسعى لأن أكون أول أم على سطح الكوكب".

وأثار هدف "ليو" تساؤلا آخر؛ فهل يمكن ولادة أطفال على سطح المريخ؟ وهو ما أجاب عن "شيريل بيشوب"، طبيب علم النفس الاجتماعي بجامعة تكساس، موضحا: "لا نعرف حتى الآن تأثير الجاذبية على الحمل والولادة، كما أن الإنجاب على سطح الكوكب الأحمر قد يكون صعبا في السنوات الأولى؛ حيث لا تتوافر الرعاية الصحية اللازمة، وهو ما يلزم وضع سياسات صارمة لمنع الحمل على المريخ".

رحلة الذهاب إلى المريخ قد تكون الأولى من نوعها، ولكن هل ستكون الأخيرة؟، هل ستنجح المهمة الأولى بإرسال 4 أشخاص فقط إلى الكوكب لبناء أول مستعمرة أم سيموتون جميعا؟ وفي حالة موت هؤلاء، هل ستحاول الشركة مرة أخرى التضحية بالمزيد؟ وإذا ما نجحت المهمة الأولى والثانية حتى الأخيرة، هل سينتقل البشر حقا للعيش على كوكب المريخ؟ جميعها أسئلة تراود العلماء ولا سبيل للإجابة عنها سوى بالتجربة، فلننتظر حتى 2024.

المصدر: التحرير لايف