الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

الاخباراخبار مصر - اهم الاخبار المصرية › ملف خاص| "السيسي".. "الجنرال الحائر في عيون محبيه وكارهيه"

صورة الخبر: الفريق أول السيسي
الفريق أول السيسي

"الوطن" أعدت ملفًا كاملا عن الفريق، وما يدور في دماغ "أخطر رجل مصر"، وتطرح التساؤل، هل سيترشح للرئاسة في ظل الضغوط التي تمارس عليه للترشح للمنصب، وهل إذا تولى المنصب ستكون له رؤية ومشروع، أما لو امتتنع، هل يوجد على الساحة من يصلح للمنصب، في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات.

كما تناقش "الوطن" في الملف، سيناريوهات واشنطن لمصير الجنرال، وهل هو "مؤسس دولة مدنية حديثة"، أم "منقذ وسيختفي بعد فقدان شعببته".

ويناقش الملف، رؤية الإسلاميين لترشح الفريق، حيث لن يعترف به الإخوان رئيسًا، مؤكدين أن ترشحه سيؤكد ما يسمونه "انقلابًا"، أما السلفيون فيرون أن الفريق يملك الوعي والإرادة، لكنهم يرفضون ترشحه، مع أنهم يرون أنه لو ترشح سيفوز.

* «الوطن» تكشف أهم الأفكار والقضايا المسيطرة على عقل السيسي بتحليل 24 ألف كلمة ألقاها فى 11 خطاباً

فى كلماته، ركز «السيسى» بشدة على عدة قضايا مهمة، فى مقدمتها كيفية التعامل مع الأزمة وإدارتها، بالإضافة إلى كشف كوارث الإخوان أثناء وجودهم فى الحكم، ولم يكن «الإسلام الصحيح» بعيداً عن خطاباته، حتى وصل إلى الحديث عن القضايا السياسية والثقافية وكيفية الحفاظ على «كيان الدولة».

أجندة أولويات الفريق

منذ توليه منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربى وحتى الآن، تحدث الفريق أول عبدالفتاح السيسى مخاطباً الشعب فى الكثير من المناسبات، لعل أكثرها أهمية على الإطلاق البيان الذى ألقاه مساء الثانى من يوليو 2013 وأعلن خلاله نهاية حكم الإخوان بناءً على الإرادة الشعبية التى جسدتها مظاهرات 30 يونيو، وفى غضون ذلك حقق «السيسى» شعبية واسعة حتى أصبح «السيسى» بالنسبة للبعض «فرصة» تحتم أن يكون رئيساً، وبالنسبة للبعض الآخر «تحدياً» يجعلهم يتهيبون وجوده وزيراً أو رئيساً. وسواء اتخذ «السيسى» قراره بالترشح لرئاسة الجمهورية أو قرر البقاء فى منصبه الحالى أو حتى تقاعد، فهو فى كل الأحوال بطل المشهد الذى يتجاوز كل منافسيه بمساحة واسعة. وشخص بهذه الأهمية وهذا التأثير، لا بد من الاقتراب منه لمعرفة أولوياته، وكيف يفكر فى قضايا الوطن المختلفة، خاصة أن طبيعة عمله فى السلك العسكرى لم تتح الفرصة لتحقيق هذا الاقتراب، الأمر الذى يجعل الكثيرين فى حالة «نهم وتشوق» للتعرف على هذه الشخصية التى استطاع صاحبها أن يحرك الملايين من الشعب بكلمات بسيطة خرجت منه وهو يطلب إلى الجمهور النزول للميادين فى 26 يوليو.
ويحاول هذا التحليل تقديم قراءة فى الأجندة الوطنية والسياسية لـ«السيسى»، من واقع الأفكار والمضامين والتوجهات التى احتوتها 23 ألفاً و928 كلمة قالها «السيسى» فى ورقته البحثية التى قدمها أثناء بعثته الدراسية فى أمريكا عام 2006، وفى أحاديثه وتصريحاته التى أدلى بها منذ مجيئه وزيراً للدفاع وحتى 18 أغسطس 2013، حيث تم فرز وتصنيف هذه الآلاف من الكلمات طبقاً لما تحمله من معانٍ وأفكار وتوجهات، ووُجد أنها تشكل أجندة تضم 14 قضية، تتصدرها قضية علاقة الجيش بالشعب، ثم إدارة الأزمة الطاحنة التى تمر بها البلاد، وتنتهى بالقضايا الثقافية التى يحض فيها «السيسى» الناس على «التفكير» قبل الانقياد وراء هذا الطرف أو ذاك.

13 قضية تصدرت اهتمامات الرجل تبدأ من «علاقة الجيش بالشعب» وتنتهى بـ«الحض على التفكير».. وتصنيف كامل منذ توليه منصب «وزير الدفاع حتى الآن»
العينة ومنهجية استخلاص أجندة «السيسى»:

اعتمد هذا التحليل على نصوص الكلمات والتصريحات التى قالها الفريق السيسى فى 11 مناسبة مختلفة، وهى:

1- تصريحات أدلى بها فى 30 أكتوبر 2012.

2- تصريحات عقب اجتماع الرئيس مرسى بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 11 أبريل.

3- تصريحات فى احتفالية جامعة المستقبل يوم 29 أبريل 2013.

4- تصريحات فى 11 مايو.

5- تصريحات خلال تفتيش حرب الفرقة التاسعة المدرعة فى 11 مايو.

6- تصريحات 29 مايو.

7- بيان خريطة الطريق فى 2 يوليو.

8- خطاب 24 يوليو.

9- خطاب 18 أغسطس.

10- الملخص الذى نشرته جريدة «الوطن» للبحث الذى أعده أثناء بعثته الدراسية بأمريكا.

11- حواره مع جريدة «المصرى اليوم» على مدار ثلاثة أيام بدءاً من 8 أكتوبر 2013.

تم استخدام هذه النصوص فى استخلاص أجندة أو قائمة أولويات «السيسى»، وذلك من خلال إنشاء شجرة تصنيف لكلمات «السيسى» مكونة من ثلاثة مستويات؛ الأول به الكلمات المفتاحية أو الكلمات الدالة على المضامين، وتبين أن عددها 1713 كلمة، وقد استخدم الفريق السيسى هذه الكلمات الدالة أكثر من مرة، بإجمالى 5158 مرة استخدام، وبمتوسط عام يبلغ 3.1 مرة استخدام لكل كلمة.

وبتصنيف هذه الكلمات إلى المستوى الثانى وُجد أنها تندرج تحت 101 مجموعة، تتفاوت كل مجموعة منها من حيث عدد الكلمات الدالة التى تحتويها. ثم جرى تصنيف هذه المجموعات للوصول إلى المستوى الثالث فى شجرة التصنيف، وتبين أن الـ101 مجموعة تندرج بدورها تحت 14 مضموناً أو موضوعاً رئيسياً عاماً، يشكلون معاً «أجندة السيسى» وجدول أولوياته خلال فترة التحليل، أى منذ توليه منصبه وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة وحتى الخطاب الذى ألقاه فى 18 أغسطس. وكان المقياس أو المعيار الذى تم الاعتماد عليه فى الوصول إلى أجندة «السيسى» هو عدد مرات استخدام الكلمات الدالة، الذى يقود بدوره إلى الحيز أو مساحة الاهتمام الذى شغلته كل قضية من القضايا الـ14 فى خطبه وتصريحاته وحواره مع «المصرى اليوم» والبحث الذى تقدم به وهو ببعثته بأمريكا.

وقد اتضح من التحليل أن 61% من أجندة «السيسى» مشغول بأربع قضايا هى «علاقة الجيش والشعب، وإدارة الأزمة الحالية، والتأكيد على فكرة الوطن، وضرورة الحفاظ على كيان الدولة»، وتتوزع نسبة الـ39% المتبقية على 10 قضايا أخرى؛ تشمل القوات المسلحة والوضع الخارجى والإسلام والدين والقضايا السياسية والإخوان وقضايا الأمن الداخلى وغيرها.

تم بعد ذلك تحليل معانى الكلمات الدالة فى ضوء السياقات التى وردت بها، وذلك من أجل رسم الملامح الأساسية لخريطة الأفكار الواردة فى خطابات وأحاديث الفريق السيسى، وتوزيع هذه الأفكار على القضايا المختلفة. ويتضح أن إجمالى الأفكار الرئيسية الواردة بخطاباته يصل إلى 79 فكرة، موزعة بأعداد متفاوتة على القضايا الـ14، وتصل هذه الأفكار إلى ذروتها من حيث العدد فى قضية «إدارة الأزمة»، فيما تصل إلى أدنى أعدادها فى قضيتى «القيم السياسية» و«الوطن».

نتائج التحليل الإحصائى

كشف التحليل الإحصائى لتوزيع الكلمات الدالة ومدى انتشارها فى خطابات وتصريحات «السيسى» عن أن «علاقة الجيش بالشعب» هى القضية التى تحتل رأس أجندته، فقد استحوذت على 27% من مساحة الاهتمام فى كلماته وتصريحاته. وباستعراض المفردات المستخدمة فى التعبير عن هذه القضية، وجد أن «السيسى» استخدم 382 كلمة دالة على هذه القضية، بعدد مرات استخدام بلغ 1420 مرة. وبرصد نمط استخدام هذه الكلمات، وجد أن هذه الكلمات مضت فى 8 مسارات متنوعة؛ حيث كان 33% من عدد مرات الاستخدام مفردات تمضى فى مسار «الإقناع» من خلال الشرح والتفسير وإبراز الحجج ولفت الانتباه وتقديم المعلومات، واستخدام مفردات تحرك المشاعر والعواطف، وتفتح الطريق أمام الاقتناع بكلماته.

لجأ «السيسى» أيضاً إلى عدة مسارات أخرى وهو يعبر عن العلاقة بين الجيش والشعب، فقد استخدم كلمتى «الشعب» و«الناس» 293 مرة، تمثل 20.6% من جملة ما استخدمه وهو يعرض هذه القضية. وفى هذا السياق كان دائم التأكيد على أن الجيش يتحرك خلف الشعب ويترجم إرادته، ويحترم «الناس» وما يريدونه. كما استخدم «السيسى» مساراً ثالثاً اعتمد على استخدام صيغة الجمع للإشارة إلى الشعب والجيش معاً باعتبارهما شيئاً واحداً، واستخدم هذه الصيغة 210 مرات تمثل 14.8% من جملة ما قاله عن علاقة الشعب والجيش. ثم عزز صيغة الجمع بمسارات أخرى مرتبطة بها، حيث استخدم مسار «الحديث للجميع» 58 مرة، واستخدم مساراً يعبر عن «المطالب الجماعية» للجيش والشعب معاً 79 مرة، واستخدم مساراً يعبر عن «المجتمع كله» 32 مرة، وهذه المسارات جميعاً تمثل ما نسبته 26.7% من إجمالى حديثه عن علاقة الشعب والجيش. وفى المقابل استخدم مساراً دالاً على الجيش فقط، مثل ضميرى المتكلم «أنا، إحنا»، 254 مرة تمثل 17.9% من جملة حديثه فى هذه القضية. أما كلمته الشهيرة «قَدّ الدنيا»، فكررها 20 مرة تمثل 1.4% مما قاله فى هذا الصدد. وفى ضوء هذا التوزيع يمكن القول بأن «السيسى» حالفه التوفيق فى اختيار مفرداته وكلماته الدالة وترتيب استخدامها، سواء على مستوى عرض الأفكار أو أدوات الإقناع التى بإمكانها النفاذ إلى قطاعات واسعة من الجماهير، الأمر الذى جعله ينجح فى الاستحواذ على شعبية واسعة.

من ناحية أخرى، كشفت التحليلات عن أن قضية «العلاقة بين الجيش والشعب» فى خطاب «السيسى» لم تكن على وتيرة واحدة طوال الوقت، بل شهدت تطوراً من شهر لآخر؛ ففى البداية كان المضمون الأبرز فى هذه القضية هو التركيز على «استعادة الكفاءة القتالية» للقوات المسلحة، وأن الشعب لا بد أن يطمئن إلى أن جيشه يتدرب ويستعيد كفاءته، وقد كانت رسالة «الطمأنة» واستعادة الثقة فى الجيش هى المضمون الأبرز خلال الشهور الأولى لتولى «السيسى» منصب القائد العام، وهى الفترة التى واكبت الشهور الأولى لحكم محمد مرسى. وبعد ذلك، وتحديداً من تصريحات تفتيش حرب الفرقة التاسعة، بدأت رسالة أخرى فى الظهور داخل خطاب «السيسى»، ركزت على ترسيخ مبدأ «عدم الاعتداء»، وقد بلغت ذروة التعبير العاطفى والحماسى عن هذه الرسالة بقوله: «تنقطع إيدينا قبل أن تمتد لمصرى»، وسادت هذه الرسالة فى الفترة الوسيطة من حكم «مرسى»، التى سادت فيها نبرة الإخوان العالية واندفاعتهم الكبرى نحو السيطرة على مفاصل الدولة. وفى الربع الأخير من حكم «مرسى» وحتى نهاية الفترة التى تناولها التحليل فى 18 أغسطس، كان المضمون الأبرز فى خطاب «السيسى» المتعلق بعلاقة الجيش بالشعب هو «احترام إرادة الشعب وتنفيذها».

إدارة الأزمة

جاءت قضية «إدارة الأزمة» الحالية فى البلاد لتحتل البند الثانى فى أجندة الفريق السيسى، بفارق بسيط عن قضية «علاقة الجيش بالشعب»، فقد استحوذت إدارة الأزمة على 21% من مساحة الاهتمام فى أحاديثه وتصريحاته، بفارق يقل بنسبة 6% عن القضية الأولى. وفى هذه القضية يظهر تأثير منهجية الإدارة المتبعة فى المؤسسة العسكرية على مفردات «السيسى»، ونمط استخدامه للكلمات الدالة على هذه القضية، وكيفية تعامله معها، فالكلمات الدالة فى هذه الحالة تمضى جميعها فى مسارات ذات علاقة بالفكر الإدارى ومنهجيات إدارة الأزمات. وقد رصدت التحليلات ثمانية مسارات فى هذا السياق، وهى -حسب مساحة الاهتمام التى حظيت بها- مسار متطلبات حل الأزمة، والتعامل الحالى مع وقائعها، وعامل الوقت، وعامل الجغرافيا، وتقييم الموقف، والعوامل المؤثرة فى الأزمة، والتحديات والمخاطر المتعلقة بها، والأبعاد العليا أو بعيدة المدى للأزمة.

لمزيد من التوضيح يمكن القول إن الكلمات الدالة والمفردات الخاصة بالمسار الأول المتعلق بمتطلبات حل الأزمة استحوذت على 34.8% من المفردات التى استخدمها «السيسى» فى حديثه عن الأزمة، حيث بلغ عدد الكلمات التى استخدمها فى هذا المسار 120 كلمة، واستخدمها 392 مرة. وفى هذا المسار تركز حديث «السيسى» حول ضرورة وجود «الإرادة» اللازمة للحل، واستخدم كلمة الإرادة 52 مرة، وتطرق إلى «الفرص»، واستخدمها 42 مرة، ثم الكلمات الدالة على ضرورة الحسم وما ينبغى أو يجب القيام به، ولجأ فى التعبير عن ذلك إلى 55 كلمة استخدمها 226 مرة. كما تحدث عن «خارطة الطريق» كسبيل للخروج من الأزمة، واستخدم كلمة «خارطة» 13 مرة. كما لجأ إلى استخدام 10 كلمات ذات علاقة بـ«المواجهة»، واستخدمها 19 مرة.

فى المسار الثانى استخدم «السيسى» مفردات غالبيتها الساحقة مشتقة من الفعل «عمل»، بعضها عامى وبعضها فصيح، مثل: «عملنا» «بيعملوا» «بيعمل» «اعمل» «عملته»... إلخ. وكانت هذه المفردات تأتى فى سياق الحديث عن أنشطة وأعمال وقرارات تتخذ للتعامل مع الأزمة على الأرض فى نطاق التعامل الحالى مع الأزمة على مدار اليوم، مثل الحديث عن نشر القوات وتأمين الميادين وتنفيذ الحظر وخلافه، وقد بلغ عدد الكلمات التى كان لها ارتباط بهذا الأمر 104 كلمات، استخدمت 182 مرة تمثل 16.2% من إجمالى حديث «السيسى» عن إدارته للأزمة.

استخدم كلمتى «الشعب والناس» 293 مرة ويعتمد على«المعلومات».. واستخدام مفردات تحرك المشاعر
فى المسارين الثالث والرابع تركز حديث «السيسى» حول أهمية عامل الوقت وعامل الجغرافيا فى تفاعلات الأزمة الجارية بمصر، ففيما يتعلق بالوقت استخدم «السيسى» كلمات دالة على ضرورة إنهاء الوضع الانتقالى فى أسرع وقت، لأن إطالة أمد الأزمة ليس فى صالح البلاد، وورد فى أحاديث «السيسى» 53 كلمة لها علاقة بتأثير عامل الوقت على الأزمة، وبلغ عدد مرات استخدامها 160 مرة تشكل 14.2% من جملة حديثه عن إدارة الأزمة، فيما وردت 21 كلمة لها علاقة بالوضع الجغرافى، وبلغ عدد مرات استخدامها 145 مرة تشكل 12.9% من إجمالى الحديث عن إدارة الأزمة. إلى جانب ذلك، كانت هناك مسارات حازت اهتماماً قليلاً من حديث «السيسى» فى إدارته للأزمة، فقد وردت 43 كلمة لها علاقة بتقييم الموقف، وكان من أبرزها كلمات مثل «الأزمة» و«أزمة» و«ثورة» وغيرها، ووردت هذه المفردات فى سياقات تقدم توصيفاً وتقييماً للموقف. كما وردت 40 كلمة لها علاقة ببعض العوامل المؤثرة فى الأزمة، مثل «الإعلام» و«القضاء» ومؤسسات الدولة الأخرى، واستخدمت 68 مرة بنسبة 6%، ثم كلمات تتحدث عن التحديات والمخاطر التى تواجه البلاد من وراء هذه الأزمة، كالفشل وإراقة الدماء وغيرها، وهذه بلغ عددها 25 كلمة، واستخدمت 58 مرة بنسبة 5.2%. والمسار الأخير تمثل فى استخدام مفردات تشرح الأبعاد بعيدة المدى للأزمة، كالوضع الاستراتيجى للبلاد والتأثيرات المحتملة على الأمن القومى، وورد فى هذا السياق 22 كلمة، استخدمت 42 مرة بنسبة 3.7% من إجمالى الحديث عن إدارة الأزمة.

يتضح مما سبق أن المسارين المتعلقين بمتطلبات الحل وضبط الأزمة على الأرض يشكلان 51% من حديث أو اهتمام «السيسى» المتعلق بإدارة الأزمة، وانصرفا إلى توضيح متطلبات الحل وضبط الأمور على الأرض، فيما توزع النصف الباقى على توضيح عامل الوقت والجغرافيا وتقييم الموقف والعوامل المؤثرة والحديث عن التحديات والمخاطر والأبعاد العليا للأزمة، وهو تقسيم للاهتمام يتوافق إلى حد كبير مع متطلبات الجماهير الملحة والسريعة والضاغطة، فالمفترض أن الأزمة بتفاعلاتها المتلاحقة تتطلب توجيه القوة الضاربة والأكثر فعالية لدى مؤسسات الدولة من أجل ضبط إيقاعها على الآنى واللحظى على الأرض، جنباً إلى جنب مع فهم واستيعاب متطلبات الحل.

تحليل النصوص

أظهرت تحليلات نصوص التصريحات والخطب التى أدلى بها «السيسى»، منذ توليه منصبه وحتى خطاب 18 أغسطس، مؤشراً يدل على أنه أبدى اهتماماً ملحوظاً باندفاعة الإخوان نحو استخدام فكرة «الأممية» أو الأمة التى تعلو فوق فكرة «الوطن» أو تكاد تلغيها، فقد كشفت الإحصاءات عن أن 13% من الكلمات الدالة المستخدمة من قبل «السيسى» ركزت على تأكيد فكرة الوطن، وفكرة كيان الدولة الوطنية، وكان نصيب فكرة الوطن 10%، مما جعلها تحتل المركز الثالث فى أجندة القضايا التى يهتم بها، و3% لفكرة كيان الدولة ومؤسساتها، وهو ما جعلها تحتل المركز التاسع فى أجندته.

وفى تأكيده ودعمه لفكرة الوطن وترسيخها مقابل فكرة «الأمة» التى استخدمها الإخوان، ورد فى حديث «السيسى» 153 كلمة لها علاقة بفكرة الوطن، استخدمها 512 مرة فى أحاديثه وتصريحاته المختلفة، وقد توزعت هذه الكلمات على ثلاث مفردات، هى «البلد» و«الوطن» و«مصر»، وبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بمفردة «البلد» 49 كلمة، استخدمت 112 مرة، وكان أكثرها استخداماً كلمة «البلاد» بواقع 40 مرة، ثم «البلد» 20 مرة، و«بلدنا» 18 مرة، و«بلادنا» 5 مرات، والباقى مشتقات استخدمت ثلاث مرات فأقل.

أما كلمة «الوطن»، فبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بها 37 كلمة، واستخدمها «السيسى» 91 مرة، وتصدرت كلمة «الوطنية» هذه القائمة بواقع 31 مرة استخدام، تليها كلمة «الوطن» بواقع 27 مرة، ثم كلمة «الوطنى» 22 مرة، ثم «الوطنية» 8 مرات، والباقى مشتقات لأقل من مرتين.

وبالنسبة لكلمة «مصر»، فبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بها 72 كلمة، واستخدمت 307 مرات، واستخدمت كلمة «مصر» بدون أية إضافات 107 مرات، تليها كلمة «المصريين أو المصريون» 101 مرة، و«المصرى» و«المصرية» 42 مرة، والباقى مشتقات لأقل من أربع مرات استخدام.

وفى المقابل، فإن الكلمات الدالة على فكرة الأمة وردت منها كلمة واحدة فقط هى «الأمة»، واستخدمها «السيسى» 4 مرات فقط.

لم يتوقف «السيسى» عند التعرض لفكرة الوطن مقابل الأمة، بل زاد على ذلك تناوله الواضح لفكرة «الدولة الوطنية» وضرورة الحفاظ على كيانها، وفى هذا الصدد ورد فى خطاباته وأحاديثه 18 كلمة دالة ذات علاقة بفكرة الدولة، واستخدمها «السيسى» 116 مرة، كما وردت 21 كلمة دالة ذات علاقة بمؤسسات الدولة المصرية وحتمية الحفاظ عليها وتقويتها، واستخدمها «السيسى» 49 مرة.

من ناحية أخرى، أشارت التحليلات إلى أن استخدام «السيسى» للكلمات الدالة ذات العلاقة بفكرة الوطن كان مرتبطاً بسياقات بعينها، فى مقدمتها حديثه عن الهوية والحضارة المصرية، والمستقبل الذى يتطلع إليه الشعب المصرى، أو عند تناوله للمحفزات التى يمكن الاستناد إليها للخروج من الأزمة الحالية، وكذلك عند تأكيد ميل الشعب المصرى إلى الوسطية فى التدين، والتمسك بثوابته الثقافية، وكذلك عند تناوله قضايا الحدود والوضع الإقليمى والدولى لمصر، أو عند مناقشته التحديات التى يواجهها الأمن القومى، وعند وضع هذه السياقات الموضوعية التى وردت فيها الكلمات الدالة على فكرة الوطن جنباً إلى جنب مع توزيعاتها المختلفة المشار إليها. يمكن القول إن «السيسى» حاول الانتصار لفكرة «الوطن» و«الأمة المصرية» التى عاش الشعب وتربى عليها على مدار تاريخه الممتد لآلاف السنين، فى مقابل الاندفاعة الإخوانية نحو نشر فكرة الأممية، التى تحول مصر فى عيون مواطنيها من وطن إلى سكن، ومن غاية فى حد ذاتها إلى محطة فى مشروع يضم أمماً وشعوباً أخرى.

الديمقراطية.. «حاضرة بقوة» فى عقل وزير الدفاع

إذا كانت قائمة القضايا فى أجندة «السيسى» تضم 13 قضية كما سبقت الإشارة، فإن أربع قضايا تشغل ثلثى اهتمام «السيسى» تقريباً هى -كما سبقت الإشارة- علاقة الجيش بالشعب وإدارة الأزمة وفكرة الوطن وكيان الدولة. أما الثلث الأخير، منها أو يزيد قليلاً، فتشغله عشر قضايا متنوعة، تستحوذ مجتمعة على 39% من الاهتمام لدى «السيسى». وتأتى القضايا السياسية على رأس الثلث الأخير بنصيب 9% من الاهتمام، وتحتل المركز الرابع فى الترتيب العام للقضايا، فيما تحتل القضايا الثقافية المركز الرابع عشر والأخير بنصيب 1% تقريباً.

قضايا السياسة:

وفيما يتعلق بالقضايا السياسية نجد أنها استحوذت على 164 كلمة دالة من إجمالى الكلمات الدالة الواردة فى خطابات وأحاديث «السيسى»، والبالغة كما سبقت الإشارة 1171 كلمة. واستخدم «السيسى» الكلمات الدالة فى مجال القضايا السياسية 476 مرة، كان من بينها 114 مرة عن كلمات لها علاقة بالحكم والحكومة، و113 مرة لها علاقة بالديمقراطية، و83 مرة لها علاقة بالرئيس ومنصب الرئيس، و47 مرة لها علاقة بالسياسة بشكل عام، و26 مرة لها علاقة بالدستور، و26 مرة للانتخابات، و23 مرة تحدث فيها عن السلطة، و15 مرة فى سياقات تتحدث عن الفترة الانتقالية، و15 مرة عن رئاسة الجمهورية، و7 مرات عن الاستفتاء، و7 مرات عن البرلمان.

وعند الربط بين هذه القضايا السياسية والسياقات العامة الواردة فيها، يمكن الخروج بملاحظة واضحة؛ أن القضية السياسية الأولى التى كانت تشغل بال «السيسى» خلال الفترة من توليه منصبه وحتى 18 أغسطس هى مسألة الحكومة والحكم من حيث الأداء والقدرة على إدارة الأزمة، وأن الديمقراطية كقضية سياسية وردت فى أحاديثه واحتلت مساحة من الاهتمام بأكثر من قضيتى الرئاسة والرئيس ومنصب الرئيس. وإذا ما جمعنا مدى اهتمامه بقضايا الدستور والانتخابات والاستفتاء والبرلمان، سنجدها تمثل نصف اهتمامه بالديمقراطية. وإذا ما اعتبرنا أن الديمقراطية والانتخابات والبرلمان والاستفتاء والدستور هى حزمة قضايا مترابطة ويتفاعل كل منها مع الآخر، سنجد أن نصيب هذه الحزمة من كلمات واهتمامات «السيسى» يتفوق بنسبة 45% على اهتمامه بقضية الرئاسة ومنصب الرئيس. أما إذا تم التعامل مع قضايا الرئاسة ومنصب الرئيس والحكومة والحكم كحزمة واحدة، فإن هذه الحزمة تكون هى الأولى بلا منازع بين كل القضايا السياسية الواردة فى خطاب «السيسى»، لكونها ستتفوق على حزمة قضايا الدستور والانتخابات والديمقراطية بفارق 15%.

القوات المسلحة:

احتوى خطاب «السيسى» على 86 كلمة دالة لها علاقة بالقوات المسلحة، استخدمها 339 مرة، وكان من بين المفردات المستخدمة فى ذلك: الجيش، الحرب، العسكرية، القوات المسلحة. وقد شكلت هذه الأرقام ما نسبته 7% من إجمالى الكلمات الدالة واستخداماتها، وجعلت مساحة الاهتمام التى استحوذت عليها القوات المسلحة كمؤسسة فى حد ذاتها وليس فى علاقتها بالشعب أو خلافه، تحتل المركز الخامس فى قائمة القضايا الواردة فى أجندة «السيسى».

الوضع الخارجى:

استحوذ الوضع الخارجى على 5% من الاهتمام فى خطابات «السيسى»، واحتل المرتبة السادسة فى قائمة القضايا الواردة بأجندته، وفى هذه القضية وردت 32 كلمة مفتاحية، استخدمها «السيسى» 234 مرة، من أهمها كلمات «الشرق الأوسط» التى استخدمت 142 مرة، و«العالم» 27 مرة، و«المنطقة» 43 مرة، و«الولايات المتحدة» 22 مرة.

الإسلام والدين:

بلغ نصيب القضايا المتعلقة بالدين والعقيدة وإسلامى ومسيحى 4% من خطابات «السيسى» واحتلت المركز السابع، ووردت فى هذه القضية 89 كلمة مفتاحية، استخدمت 195 مرة، وكان من بينها 61 مفردة تتحدث عن العقيدة والدين الإسلامى والتدين الوسطى وخلافه، واستخدمها «السيسى» 129 مرة، ولفظ الجلالة «الله» استخدمه «السيسى» 49 مرة، و«الأزهر» 11 مرة، و«الكنيسة» 9 مرات.

193 كلمة تركز على الدولة.. و91 كلمة لـ«الوطنية»
ويلاحظ فى هذا الصدد أن السياقات التى استخدم فيها «السيسى» هذه الكلمات الدالة كانت إما تستهدف التأكيد على تدين وإيمان الجيش وقيادته ونزاهته والتزامه الأخلاقى والروحى والدينى فى كل ممارساته، خاصة فيما يتعلق بعملية إزاحة «مرسى» عن السلطة تنفيذاً للإرادة الشعبية التى عكستها مظاهرات 30 يونيو، وإما تستهدف التأكيد على وسطية الشعب المصرى فى تدينه وعقيدته، والتزامه بوحدته الوطنية.

قضايا التنمية:

جاء نصيب قضايا التنمية ضئيلاً نوعاً ما فى خطابات «السيسى»، حيث حصلت هذه القضايا على 4% فقط من الاهتمام، واحتلت المركز الثامن فى أجندة «السيسى». ووردت فى خطابات وتصريحات «السيسى» 93 كلمة يمكن القول إن لها علاقة بقضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية، واستخدمها «السيسى» 190 مرة، وجاءت قضية «البناء»، حسب وصف «السيسى»، فى صدارة هذه القضايا، حيث ذكرها «السيسى» 38 مرة، تليها قضية «التنظيم والتخطيط» التى وردت فى كلمات «السيسى» عند حديثه عن «المنظومة» والتخطيط، وذكرها 38 مرة، ثم «الاقتصاد» 24 مرة، و«الإدارة» 20 مرة، و«التقدم» 17 مرة، و«التدريب» 16 مرة، و«التعليم» 16 مرة، و«المعلومات» 11 مرة، و«الكفاءة» 10 مرات. ويمكن تفسير هذا التراجع فى الخطاب التنموى لدى «السيسى» إلى أمرين؛ الأول هو موقعه قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، الذى يرتب عليه مسئوليات واختصاصات لا تدخل فيها عمليات التنمية بصورة مباشرة. والثانى ربما وجود رغبة لدى «السيسى» فى عدم الزج بنفسه والمؤسسة العسكرية فى صميم اختصاصات القطاعات المدنية بالدولة.

قضايا أقل اهتماماً:

ظهرت فى أجندة «السيسى» قضايا أقل اهتماماً، كان نصيب كلٍّ منها من 3% فأقل من اهتماماته، وشملت هذه القضايا كلاً من «الإخوان» التى جاءت فى المركز العاشر، واستخدم «السيسى» الكلمات الدالة عليها 146 مرة، كان من بينها 38 مرة لكلمة «الإخوان»، و10 مرات لـ«الفكر الإخوانى»، و84 مرة لها علاقة بخطاب الجماعة وفكرها، و14 مرة ذكر فيها «مرسى»، جميعها تقريباً مقرونة إما بكلمة «الرئيس» أو «الرئيس السابق». وفى المركز الحادى عشر جاءت قضية الاستعانة بالإحصاءات والأرقام فى شرح القضايا الأخرى، وهذه شكلت 3% أيضاً، ثم قضايا الأمن الداخلى، ونصيبها 2%، والقيم السياسية كالاستقرار والتظاهر والحرية والعدالة والكرامة والمعارضة وغيرها، وهذه جميعاً كان نصيبها 1% من الاهتمام، حيث ورد بشأنها 39 كلمة مفتاحية استخدمها «السيسى» 61 مرة. وأخيراً القضايا الثقافية التى بلغ نصيبها 1% تقريباً، واستخدم «السيسى» الكلمات المفتاحية الخاصة بها 61 مرة. وكان اللافت فى هذه القضية هو تركيزه على استخدام الثقافة فى بث حالة من «التفكير» داخل المجتمع، حتى لا ينقاد وراء ما يشاع أو يحاول البعض نشره من أفكار ومعلومات.

* «زميل مخابرات»: تعامله مع الإدارة الأمريكية يؤكد حبه لـ«عبدالناصر»

لأن «الكتمان» أحد أهم ملامح شخصية كل من يعمل فى الأجهزة المخابراتية، إلى حد وصفه بـ«الصندوق الأسود» لكل الأسرار التى اطلع عليها بحكم عمله، اشترط اللواء «ع» أحد الذين رافقوا الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، خلال فترة عمله فى «المخابرات الحربية»، على «الوطن»، عدم ذكر اسمه، ليتمكن من الحديث -ولو باقتضاب- عن بعض ما يعرفه عن طبيعة شخصية «الفريق».

المشير «طنطاوى» كان يعامله «زى ابنه» ويعده لخلافته فى وزارة الدفاع.. ولم تكن هناك خلافات بينهما على الإطلاق
أشار اللواء «ع» إلى فترة عمل «السيسى» فى «المخابرات الحربية»، بقوله إن «السيسى كان معروفاً خلال هذه الفترة بالابن المدلل للمشير حسين طنطاوى»، مضيفاً: «المشير كان بيحب عبدالفتاح جداً وكان بيعتبره زى ابنه، نظراً لأنه كان ملتزم وهادئ، وفى الوقت نفسه يتميز بشخصية قيادية ومسيطرة».

وعلى خلاف ما ردده البعض عن توتر العلاقة بين الفريق السيسى والمشير طنطاوى، خصوصاً بعد إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسى بـ«المشير» لصالح تعيين «السيسى» وزيراً للدفاع، قال اللواء «ع»: إن «طنطاوى كان يعد السيسى لتولى وزارة الدفاع، قبل أن يفكر مرسى فى اختياره، وهو ما كان يلاحظه كل من عمل مع السيسى وقتها، خصوصاً فى ظل الاهتمام الزائد والإعجاب الشديد من جانب المشير بالتزام الفريق على المستوى الشخصى، وكونه من أكثر الناس حرصاً على تنفيذ الأوامر العسكرية». وأضاف: «سمعنا كتير إن المشير كان بيقول إن السيسى بيفكرنى بنفسى وأنا صغير، وهيبقى أحسن منى لما يكبر».

اختار اللواء «ع» أن يصف الفريق السيسى بأنه «بطل»، وهو اللقب الذى يؤكد أنه منحة المصريين لـ«الفريق» بعد دوره وموقفه فى ثورة 30 يونيو، وقال: إن كل من عمل مع الفريق السيسى يعرف عنه سمات أساسية، منها «حرصه على أداء الصلاة فى مواعيدها». وأضاف: «عبدالفتاح بيقوم يصلى أول ما يسمع الأدان، حتى لما كان فى أمريكا، كان بيرتب مواعيده على مواعيد الصلاة».

وعن القَسَم القديم للقوات المسلحة: «أقسم بالله العظيم أن أكون جندياً وفياً لجمهورية مصر العربية محافظاً على أمنها وسلامتها، حامياً ومدافعاً عنها فى البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعاً للأوامر العسكرية، منفذاً أوامر قادتى، مخلصاً لرئيس الجمهورية، محافظاً على سلاحى لا أتركه قط حتى أذوق الموت والله على ما أقول شهيد»، الذى أقسم به الملازم عبدالفتاح سعيد حسن السيسى يوم تخرجه فى الكلية الحربية ويوم تعيينه وزيراً للدفاع، قال اللواء «ع»: إن قرار الرئيس المؤقت عدلى منصور بحذف عبارة «مخلصاً لرئيس الجمهورية» من القَسَم القديم لم يكن إلا تلبية لرغبة الفريق السيسى، الذى أكد أكثر من مرة أنه لم يخلف عهداً أو قسماً حين قرر الوقوف إلى جانب الجماهير التى شاركت فى ثورة 30 يونيو، وإنما كان يحمى أمانة، شاء الله أن يتسلمها دون سعى منه. وأضاف: «من زمان والسيسى شايف إنه لا يصح القَسَم بالولاء لرئيس الجمهورية، لأنه مجرد إنسان يخطئ ويصيب، وكانت وجهة نظره منذ أيام عمله بالمخابرات الحربية أن القَسَم لا يجوز إلا بالولاء للوطن».

كثير من المواقف الإنسانية والمهنية جمعت بين اللواء «ع» والفريق السيسى، رفيق عمله فى «المخابرات الحربية»، قبل أن يكون الخروج على المعاش من نصيب اللواء «ع»، بينما كان تولى مسئولية وزارة الدفاع من نصيب «السيسى»، الذى يقول عن تشبيهه بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر: «عبدالناصر هو أكثر قائد للقوات المسلحة يحبه عبدالفتاح السيسى، لذلك كان دائماً ما يستشهد بمواقفه، خصوصاً فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يمكن القول إن ما يقوله السيسى عن العلاقات المصرية - الأمريكية حالياً ربما يكون من وحى تأثره بشخصية عبدالناصر ومواقفه».

* طارق الخولي: «السيسي» «ناصر جديد» وصاحب ابتسامة محيرة

أصابتنى حالة من الانبهار بالرجل الذى استطاع أن يخدع الجميع وأن يدبر المؤامرات لإنقاذ الوطن.. فلولا تحركه وانحيازه للجماهير لضاعت مصر.

لم أعرفه قبل يوم رحيل «طنطاوى» كقائد عام للقوات المسلحة.. فقد تردد اسمه عبر الفضائيات بأنه وزير الدفاع الجديد.. وسرت فى ذلك الوقت ثرثرة كثيرة.. حول أصل وفصل الرجل الذى لم يكن معروفاً كشخصية عامة؛ حيث تعثر الكثير من المصريين فى أن يحفظوا اسمه الكبير إلا بعد عدة أسابيع من تربعه على رأس الجيش. وبدأ كثيرون يصفونه بأنه إخوانى الهوى والانتماء، لما يتردد عن تدينه الشديد والتزامه الدينى الذى لا يمكن أن يخفى على أحد من علامة الصلاة التى تنحت جبهته العريضة. ومرت أيام ثقال وشهور طويلة من حكم «مرسى»، زاد معها الغضب الشعبى، وطفح الكيل من سياسة الإخوان التى كادت تفتك بالوطن من أجل مصلحة الجماعة.. ووصلنا إلى حالة من الضيق كانت تزداد سوءا كل يوم.. وكان الرجل دائما ما يطل علينا فى الخطابات المملة التى كان يلقيها «مرسى».. فلا تفارق الابتسامة وجهه البشوش.. فنزداد حيرة فى أمرنا.. أهذا الرجل إخوانى فلن يتحرك أبداً وينحاز إلى أى تظاهرات شعبية لإسقاط «مرسى»، أم أن كل هذا هو مجرد خداع للعدو -كما تعلم فى مصنع الرجال، القوات المسلحة- حتى تأتى اللحظة المناسبة للدفاع عن الوطن والتخلص من الخائنين؟ لتأتى لحظة الصفر ونشعر أنه حان وقت الفرج. فقد شاركنا فى الدعوة إلى 30 يونيو ونزل المصريون بالملايين ليبهروا العالم أجمع.. وليأتينا عبر التليفزيون صوت كله حماسة وقوة يلقى بيانا للقوات المسلحة، وصاحبت إلقاء البيان صورة للرجل ليطمئن البيان الشعب، ويمهل «مرسى» فترة زمنية وجيزة للاستجابة لمطالب الجماهير لننتظر بفارغ الصبر مرور الفترة الممنوحة من القوات المسلحة.. حتى سمعت الرجل وأنا مع زوجتى أمام قصر الاتحادية فى وسط حشود المتظاهرين.. فى خطاب رائع يعلن فيه استجابته إلى مطالب الجماهير.. ليسقط محمد مرسى وجماعته الفاشية. وأصبت بحالة من الانبهار بالرجل الذى استطاع أن يخدع الجميع.. لقد استطاع أن يدير الإطاحة بالخائن «مرسى» إدارة رائعة.. أعتقد أننا سنتوقف أمامها كثيرا بالدراسة والتحليل، كما أنه استطاع أن يحرر مصر من التبعية الأمريكية.. عندما تحدى الحيزبون «آن باترسون»، عندما هددت صراحة بالتدخل فى حالة محاولة الإطاحة بـ«مرسى»، فتحداها وضرب بما يريده الأمريكان عرض الحائط.. وهو ما لم يستطِع أحد قبله أن يفعله سوى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ فبالفعل خرج الغرب ليحلل شخصيته؛ فوصفوه بـ«عبدالناصر الجديد» الذى قد يمثل تهديدا عظيما لمصالح الغرب فى المنطقة العربية.. ومن الممكن أن يغير توازنات المنطقة بأكملها.

تحية إلى الفارس الذى قلما تجود به الأزمان.. تحية إلى الرجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. تحية إلى ابن الوطن البار.. تحية إلى القائد المغوار.. تحية إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى.

* د. أحمد يونس: الرئاسة محسومة.. والشعب لن يقبل ديكتاتوراً جديداً

أصبح الرجل الأكثر شعبية فى مصر بعد 3 يوليو، بعد أن كان مجرد قائد عام للقوات المسلحة، البعض يرى أن ترشح «السيسى» للرئاسة أصبح مطلباً شعبياً لا بد أن يرضخ له، وفريق آخر يقول إن مصر تحتاج إلى رئيس مدنى، وكفى حكم رجال العسكر. لكن السؤال: هل تحول «السيسى» من ضابط جيش أو وزير دفاع إلى بطل شعبى؟ الدكتور أحمد يونس، الكاتب المتخصص فى أدب الأساطير الشعبية، يجيب عن السؤال وأسئلة أخرى فى حوار لـ«الوطن».

يشبه «عبدالناصر» فى «التحرر الوطنى» ويستطيع أن يكون ديمقراطياً مثل «ديجول» و«إيزنهاور»
■ هل تحول «السيسى» إلى بطل شعبى أسطورى؟

- نعم، أصبح بطلاً شعبياً على الطريقة العصرية، لأن الشعب كان يبحث عن بطل، فى زمن خلا من الأبطال، لا سيما بعد حكم «مرسى»، ذى الشخصية الضعيفة، ومن قبله «مبارك» الذى لم يحب الشعب، كل هذه أسباب جعلت من «السيسى» بطلاً شعبياً وأسطورة.

■ هل تتوقع أن يترشح «السيسى» للرئاسة بضغوط شعبية؟

- لا أعلم.. لكن إذا وافق على الترشح فأرجو منه أن يخلع زى الأسطورة الشعبية أو السيرة أو الملحمة، ويصبح موظفاً عمومياً. صحيح سيكون أكبر موظف عمومى فى مصر، لكن وقتها سنحتاج إلى شخص غير مُنزَّه عن الخطأ، وإنما يخطئ فى أضيق الحدود عن غير قصد. لا يوجد رئيس أو قائد لا يخطئ ولا نخاف منه، فالشعب المصرى فى الفترة الحالية يحتاج إلى رئيس إنسان وليس ملاكاً، لا نغنّى له كثيراً أو نمدحه كثيراً، وأنا أثق أن المصريين لن يقعوا فى أخطاء الماضى بعد أن أسقطوا نظامين فى 3 أعوام.

■ هل أصبح «السيسى» يعيش فى دور الأسطورة؟

- أعتقد أن مقاومة هذه الأسطورة صعبة جداً، لكننى أتصور أن «السيسى» يعرف طبيعة اللحظة جيداً، ويدرك أن الشعب لا يريد إلهاً أو نصف إله أو أشخاصاً خرافيين، إنما يريد رئيساً يحب شعبه، وهذا هو العامل الأساسى فى تحوّل «السيسى» إلى أسطورة، بعد أن استشعر المصريون أنه يحبهم ويحب الوطن وانحاز لهم، رغم أنه كان فى وضع السلطة باعتباره وزيراً للدفاع عيَّنه «مرسى».

■ هل يصلح «السيسى» لقيادة مصر من وجهة نظرك؟

- ليس بالضرورة أن يكون رئيساً ناجحاً لمصر مثلما هو قائد جيش ناجح، لكن تدخله فى الوقت المناسب لتلبية رغبة الشعب المصرى بضرورة إنهاء حكم الإخوان كان بمثابة منع كارثة عن مصر، لأن الإخوان لو استمروا فى الحكم كانوا سيحكمون 500 عام، ويزوّرون الانتخابات ويقسمون الوطن ويبيعونه، فـ«السيسى» لم يحقق حلم المصريين فقط وإنما حمى مصر من كارثة كانت ستلقى بها فى القرون الوسطى، لذا يعتبره الشعب منقذاً، دخل عمارة مشتعلة أطفأ نارها وأنقذ سكانها من الموت حرقاً.

■ لكن «السيسى» أعلن أكثر من مرة أنه لا يفكر فى الترشح للرئاسة، ومع ذلك هناك ضغوط وحملات مثل «كمّل جميلك» تطالبه بالترشح؟

- أنا شايف إن إحنا بنتكلم فيما يجب ألا نتكلم فيه فى الوقت الحالى، ونسكت عما يجب أن نتكلم فيه، إحنا سايبين الدستور الذى هو أهم شىء فى الوقت الحالى، وهو الذى سيحدد مستقبل الدولة فى الفترة القادمة، ونتحدث عن انتخابات الرئاسة التى لا نعلم متى سيكون أوانها، فالأهم فى الوقت الحالى أن نكتب دستوراً ديمقراطياً مدنياً، حتى لا نخاف من أى رئيس قادم، ولا بد من تحريم رجوع الفاشية فى الدستور، مثلما هو موجود فى دساتير ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

■ هل سيكون هناك تعدد فى الاختيارات عند المصريين فى انتخابات الرئاسة القادمة، أم إن «السيسى» هو رجل المرحلة بلا منافس؟

- عندما يأتى موعد الانتخابات سنعلم هل سيكون هناك اختيارات أم لا، وإذا قرر «السيسى» بشكل قاطع عدم ترشيح نفسه، فالجيش عليه مهمتان أساسيتان، الأولى حماية الوطن وأمنه من الإرهاب والأخطار الخارجية، والمهمة الثانية هى الحفاظ على مدنية الدولة والنظام الديمقراطى الجمهورى، وكونه وزير الدفاع يجعله المسئول الأول فى الجيش عن هاتين المهمتين.

■ أنت حريص جداً على مدنية الدولة، فهل تؤيد ترشح رجل عسكرى للرئاسة مثل «السيسى»؟

- لا أعتقد ذلك، لأن «السيسى» عندما يصبح رئيساً لمصر سيكون مدنياً، وأمريكا فى وقت من الأوقات احتاجت إلى «إيزنهاور»، وفرنسا احتاجت إلى «ديجول»، فهناك أوقات تمر على الأوطان تحتاج إلى «عسكرى» يجيد التعامل مع المدنيين بديمقراطية.

■ إذن «السيسى» هو رجل المرحلة؟

- ممكن جداً، لكن المؤكد أن الشعب المصرى مايتخافش عليه بعد ثورة يناير، ولن يقبل بأى ديكتاتور قادم، والدستور الجديد يجب أن ينظم اختصاصات رئيس الجمهورية بشكل يضمن الديمقراطية وتداوُل السلطة.

■ هل هناك تشابه بين «السيسى» و«عبدالناصر»؟

- نعم، «السيسى» يشبه «عبدالناصر» فى الحرص على التحرر الوطنى، وهو قام بمخاطرة عندما عزل «مرسى»، لأنه كان يعلم جيداً أن أمريكا والقوى الخارجية الكبرى معترضة على الإطاحة به، نحن نريد من «السيسى» أن يكون «عبدالناصر ديمقراطياً»، يؤمن بحقوق الإنسان ويأخذ نفس مواقف «عبدالناصر»، ويقف فى وجه أمريكا وحلفائها.

■ هل يستطيع «السيسى» الذى تربى طوال حياته فى الجيش أن ينفذ الأوامر والتعليمات دون مناقشة وأن يكون ديمقراطياً؟

- ممكن طبعاً، والدليل شارل ديجول، القائد الفرنسى العظيم، فعندما علم أن الشعب لا يريد قراراته قرر إجراء استفتاء وبعدها تنحى، عندما استشعر أن قطاعاً كبيراً من الشعب لا يريده حاكماً لفرنسا.. فليس كل عسكرى حاكم ديكتاتوراً ومستبداً.

■ هناك قطاع يصف مؤيدى ترشح «السيسى» لرئاسة مصر بأنهم «لاحسى بيادة».. ما تعليقك؟

- أعتقد أن المتقدمين للرئاسة سيحددون توجهات التصويت، فإذا لم يجد الشعب رئيساً مدنياً يحظى بالقبول فسيتجه لـ«السيسى»، الذى أتصور أنه إذا أراد أن يحكم مصر سيحكمها، لأن مسألة التصويت له محسومة ويتبقى عليه أن يحسم هو قراره.

* الجنرال بين زعيمين نصفه «ناصر» ونصفه «سادات»

بكى المصريون جمال عبدالناصر كثيراً، رحل الزعيم وبقيت فكرة وجود زعيم فى حسمه وحزمه ورحمته أقرب إلى سراب يسعى إليه المصريون دون أن يبلغوه، وجاء الرئيس الراحل السادات ليضيف معانى جديدة إلى الزعامة بوقفته المستقيمة وبدلته ومشيته العسكرية وحروفه الواضحة ذات الوقع الخاص على آذان شعبه وخطبه الرنانة، أما «مبارك» -بصمته الكثير، وحديثه القليل- فكان الأبعد عن فكرة الزعامة والشعبية.

لم تحتفل بيوت المصريين بصور زعماء ورؤساء بقدر ما احتفلت بصور «عبدالناصر»، خاصة فى صعيد مصر، ولم تحمل القلوب اشتياقاً لزعيم حاسم بقدر ما اشتاقت إلى «السادات» الذى تنتشر صوره فى بعض بيوت المصريين أيضاً، إلى أن جاء «السيسى» ليعيد إلى بيوت ومحال المصريين صور الزعماء السابقين إلى جوار صورته، البعض يراه قريباً من «عبدالناصر»، فيما يفضل آخرون أن يشبهوه بالسادات، مع بعض خصال طيبة من «مبارك»، ويفضل كثيرون أن تضم الصورة الواحدة لـ«السيسى» صور كل من «عبدالناصر» و«السادات»، وانتشرت العديد من البوسترات لهذه الصورة فى إشارة إلى أن وزير الدفاع المصرى ما هو إلا «اتنين فى واحد.. جمال وسادات فى سيسى واحد».

«عبدالوهاب»: تسليط الأضواء عليه بهذه الكثافة ليس مفيداً.. والمقارنات ظالمة
فى محل الفاكهة الخاص به، يقف كامل خلف سعيد ومن خلفه العديد من الصور، واحدة كبيرة لـ«جمال»، و2 للفريق أول السيسى، وثالثة كبيرة للفريق أول السيسى وإلى جواره «السادات» و«عبدالناصر»، مع بعض الكلمات المعبرة التى لم تفِ بها البوسترات، فكتبها الرجل وأبناؤه على الجدران مثل «الأسد المصرى السيسى».

الرجل، البالغ من العمر 62 عاماً، يرى فى «السيسى» كل الصفات الطيبة التى أحبها فى كل الرؤساء السابقين، يلخص وجهة نظره بقوله: «خد من جمال طيبته ومن السادات عسكريته ومن مبارك هيبته»، لكنه لا يلبث أن يذيع رأيه الخاص حين ينفرد بأبنائه قائلاً: «السيسى أقرب أكتر لجمال، شبهه لما بيتكلم.. بيتكلم على طول من غير ورقة.. من قلبه زى حبيب الملايين، وحسيت بِدَه قوى لما قال ما لقيتش حد يحنو على الشعب».

أكثر ما يحبه فى «السيسى» أنه «راجل منظم خايف على البلد من الانهيار، حتى لو ناس ضاعت فى النص، شرطة وجيش وناس عادية، زى بعضه، المهم إنى أنا والمصريين عارفين إنه خايف على البلد من اللى عايزين يملكوها، ونبقى عراق جديدة، كل يوم فيها انفجارات، ولا سودان متقسمة، ولا سوريا فيها حرب، إحنا بنحب تراب البلد دى، وبنخاف عليها، تمام زى السيسى اللى خايف علينا».

«كامل» لا يلبث أن يرى فى «السيسى» صورة «السادات»، قائلاً: «شبهه فى كلامه وخطاباته ووقفته العسكرية»، ينتظر الرجل الستينى الكثير من «السيسى»: «منتظر منه الخير، من غير ما يبقى رئيس، هو فى مكانه دلوقتى كوزير دفاع أقوى وأهم من إنه يكون رئيس، أنا واثق إنه هيفضل فى مكانه يحمينا بعيد عن السلطة وقرفها، الناس عاوزاه رئيس، لكن هو مش عاوز وده مخلّينى أحبه أكتر».

لا يعرف الكثيرون أن «كامل» يضع صورة «السيسى» فى غرفة نومه، تحديداً فى مرآة التسريحة؛ حيث يراه كل يوم حين يستيقظ: «السيسى جمع الناس مع بعض بالمحبة، صوره هو وعبدالناصر فى كل مكان عندى فى البيت، ومعاهم البابا تواضروس والشيخ على جمعة».

وعلى الرغم من عدم وجود صورة تجمع «السيسى» و«مبارك» فإن «كامل» يرى أن هناك شبهاً بينهما: «هيبته وقلة كلامه.. الاتنين كلامهم قليل وخطبهم قصيرة وواضحة، مش كل شوية يخرجوا يصدّعونا بخطب طويلة زى ناس».

«كل واحد ابن بيئته وعصره وشبه نفسه، وده ينطبق على السيسى».. بهذه الكلمات علق الدكتور أيمن عبدالوهاب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على التشابه الذى يراه كثيرون بين «السيسى» و«عبدالناصر».

«عبدالوهاب» يرى أن الهدوء والشخصية القوية لـ«السيسى» جعلا البعض يقارن بينه وبين «السادات»؛ لأنه كان معروفاً كرجل دولة بالمعنى الحقيقى، وقال: «نحن بحاجة لرجال دولة فى هذه اللحظة العصيبة التى تدار فيها المرحلة الانتقالية، وأتصور أن المقارنات فيها قدر من الظلم والإسقاطات السياسية غير العادلة، وهذا شىء خطير؛ لأنه يجتذب الشخص إلى صراعات سياسية وأيديولوجية لم يكن له يد فيها، فمن يكره الزعيم عبدالناصر سيكره السيسى بالتبعية، ومن يكره السادات سيهاجم السيسى دون مبرر، وهذا ما لا نريده فى مرحلة يجب أن نركز فيها على البناء».

الباحث السياسى بمركز الأهرام يرى أن تسليط الأضواء كثيراً على «السيسى» ليس مفيداً، مستبعداً أن يكون هناك أى تعمد من وزير الدفاع أن يظهر فى صورة «السادات» أو «جمال»: «لا أحد يستطيع أن يخرج ما ليس فيه، وإلا سينكشف، وتستطيع الشخصية المصرية أن تفرق سريعاً بين من يتكلم بصدق وأمانة وبين من يكذب ويتصنع ما ليس فيه، والفريق السيسى نجح فى أكثر من مرحلة أن يتواصل مع شخصيات متعددة من المجتمع المصرى وأن يكون واضحاً بقدر ما تتطلبه هذه المرحلة من وضوح، وبالتالى اكتسب هذه الشعبية والحب الكبير لدى المصريين».

ويرى «عبدالوهاب» أن شخصية «السيسى» لن تبتعد كثيراً خلال المرحلة المقبلة عن صورة البطل الشعبى: «سيظل بطلاً شعبياً لأنه يعبر عن نفسه بشكل واضح جداً، طبيعة المرحلة وطبيعة الدور أكسبته الكثير من الشعبية، وتحمله للمسئولية أيضاً جعله جديراً بهذه الشعبية، لكن المهم فى المرحلة المقبلة أن يكون لدى السيسى رؤية أوسع لشكل وطبيعة الدولة المصرية والتحديات الكثيرة التى يجب أن يضطلع بها».

* سيناريوهات المصير .. كذب الأمريكان ولو صدفوا

ثلاثون عاماً ظل «مبارك» فيها يحكم مصر، دون أن تنفتح شهية الإعلام الأمريكى لفهمه إلا عند خلعه! جاء «مبارك» بالنسبة للأمريكان كما ذهب، مجرد وجه سطحى، لا تتوقع منه مفاجأة ولا غدراً، ولا انقلاباً ولا انطلاقاً.. لكن، حتى «مبارك» برتابته وملله كان أكثر إثارة من «المعزول مرسى»، الذى كان بالنسبة للأمريكان وجهاً ممسوحاً، لا يرد اسمه إلا وهو مرتبط بوصف «الرئيس القادم من جماعة الإخوان، والممثل لتيار الإسلام السياسى فى الحكم»، بما له، وغالباً بما عليه.

الإعلام الأمريكى ينذر «السيسى» ويطالبه بالبحث عن مخرج آمن لنفسه
لم يكن «مرسى» بالشخص القادر على إثارة خيال الأمريكان ولا خوفهم، لم يكن مثلاً قريباً من الرئيس السادات الذى ظل يقلب معادلات تحليلات وقراءات الصحف الأمريكية لشخصيته وتفكيره حتى بعد وفاته، ولم يقترب، بالطبع، ولو سنتيمتراً واحداً من الزعيم جمال عبدالناصر، الذى كان ضيفاً دائماً على أغلفة كبرى المجلات الأمريكية، وبطلاً لا يغيب عن تحليلات مفكريها، وغضب مراسليها، وقلق وتوجس رجال السياسة فيها، وتحيز مقالاتها.

كان «عبدالناصر» تجسيداً للدراما التى لا تنقطع بالنسبة للقارئ الأمريكى. كان اهتمام الإعلام الأمريكى بشخص الزعيم «عبدالناصر» انعكاساً للأهمية التى كان يتمتع بها فى قلب الشعب وقلب المنطقة العربية كلها، وكانت اللعنات التى تصبها الآلة الإعلامية الأمريكية على رأسه تجسيداً للصداع الذى أحدثه فى رأس أمريكا من فرط تأثيره وثقله، وقدرته على قلب حسابات القوى العظمى فى العالم عند اللزوم.

العاجز لا يثير غضباً، والفاشل لا يثير قلقاً ولا توجساً، أما «العادى» فلا يثير اهتماماً ولا كراهية. من هنا، يمكننا أن نفهم سبباً لحالة «الهوس» التى اجتاحت الإعلام الأمريكى بالفريق أول عبدالفتاح السيسى، غضباً وغيظاً وقلقاً وكراهية وتوجساً.

صار الفريق السيسى أول شخصية مصرية تجبر أمريكا، منذ عهد «السادات»، على التوقف أمامها، ومحاولة قراءة تفكيرها وتصرفاتها. لا يعرف الإعلام الأمريكى ما الذى يمكن أن يتوقعه من «السيسى»، ومن هنا تأتى إثارته. لقد نجح وزير الدفاع المصرى فى أن يجعل أمريكا كلها تتعامل مع مصر من منطلق «رد الفعل»، بعد أن كانت تتصور أنها قادرة على أن تتحكم فى مجرى الأحداث فيها. أعاد «السيسى» القرار المصرى إلى يد القاهرة، فوقفت واشنطن على رأسها، وظلت تسعى بكل الطرق لاستعادة ما فقدته من سيطرة.

وكان من ضمن تلك الطرق المحاولات الأمريكية المستميتة لفرض سيطرتها على مصير «السيسى» فى المستقبل، بعد أن عجزت عن التحكم فى حاضره.

ببساطة، يعانى أصحاب التحليلات والمقالات والتقارير الأمريكية حالياً من أزمة نفسية، سببها عجزهم عن التنبؤ بما فعله «السيسى» منذ ثورة 30 يونيو وحتى اليوم. وهو ما دفعهم إلى محاولة إصلاح أخطاء الماضى، بالسعى للتنبؤ بما يمكن أن يحدث فى المستقبل. ازدحم الإعلام الأمريكى فى أسابيع قليلة بتحليلات تحاول رسم مستقبل ومصير الفريق السيسى على الطريقة الأمريكية، وهى طريقة صارت تفتقر إلى الخيال الجامح، تعتمد فى الأساس على التجارب المشابهة فى دول أخرى لكل من ارتدى زياً عسكرياً أو وجد نفسه مضطراً للتعامل مع الإسلام السياسى بشكل ما. طريقة لا ترى فى الفريق السيسى خصوصيته ولا تفرده، وتتعامل مع الشعب المصرى باعتباره لا يختلف كثيراً عن الشعب الباكستانى، أو التركى، أو حتى الرومانى فى العصور الغابرة!

لكننا نلتمس العذر لأصحاب تلك التحليلات والخيالات، مهما شطحت بهم، ففى النهاية ليس من السهل الاعتراف بالفشل، ولا بالعجز عن التحكم فى المصائر والبشر، خاصة بعد أن كانت أمريكا تتصور أن كل شىء وكل شخص فى مصر تحت السيطرة.

بدا من الواضح أن أكثر ما يثير غيظ وقلق المحللين الأمريكان من الفريق السيسى هو حالة الدعم الشعبى الجارف التى يتمتع بها، وتمنحه درجة من التأمين والحصانة يصعب اختراقها، وهو ما جعل بعض المراقبين الأمريكان يأملون فى أن تنقلب الحسابات ضد «السيسى»، لو انقلب عليه الشعب بعد أن كان يقف فى صفه ولصالحه.

«ريفا بهالا»، نائبة رئيس معهد «استراتفور» للشئون الدولية، وهو مؤسسة بحثية قريبة من المخابرات المركزية الأمريكية، كانت من أصحاب الاتجاه السابق الذى يراهن على سقوط «السيسى» بانهيار الدعم الشعبى له، قالت: «صحيح أن المصريين اليوم يرون فى (السيسى) بطلاً لهم، وصحيح أنهم، مثل شعوب عديدة حول العالم، يرون أنه من الطبيعى أن يعلقوا صور قادتهم السياسيين فى منازلهم وواجهات محلاتهم، من باب التقدير والاحترام لمن يرونه منقذاً لهم، إلا أنه من الممكن أيضاً أنهم يعلقون تلك الصور من باب النفاق أو ادعاء الولاء أو تجنب الخطر. (السيسى) اليوم واحد من هؤلاء القادة الذين يعلق المصريون صورهم على رءوسهم، ويرونه منقذاً وبطلاً، خاصة أنهم يرغبون الآن فى ضرب الإسلاميين أملاً فى مستقبل أفضل لبلادهم. لكن، هناك قلة من المصريين يحاولون مداراة قلقهم من عودة الحكم العسكرى، وشكوكهم حول استمرار شعبية (السيسى) إذا انقسمت البلاد وظل الاقتصاد يعانى مشاكل متدهورة، واستمر اشتعال العنف فى الشوارع».

«نيويورك تايمز» تربط مصير «جنرال مصر» بمصير «قادة الانقلابات» فى باكستان وتركيا
فكرة «الثورة الثالثة»، أو اشتعال الشوارع بالغضب ضد الفريق السيسى إذا حكم، بشكل يضع الشعب فى مواجهة الجيش، أو «الفاشية العسكرية»، كما يحلو للأمريكان تسميتها، بدأت تتسرب من تقارير خبراء المخابرات المركزية الأمريكية والمراكز البحثية المرتبطة بها، وهى بالمناسبة نفس الأجهزة والمراكز التى فشلت فى التنبؤ بثورة يونيو، ورحبت من قبل بوصول «الإخوان» إلى الحكم باعتبارهم يمثلون الأغلبية الكاسحة للشعب المصرى!

إميل نخلة، الخبير السياسى فى شئون الشرق الأوسط، المدير السابق لبرنامج «تحليل الإسلام السياسى» التابع للمخابرات المركزية الأمريكية، كان واحداً ممن تسبب عزل«مرسى» فى الإطاحة بصوابهم. خرج «الخبير الأمريكى» ليحشو وسائل الإعلام بمغالطات فجة، تتشابه إلى درجة التطابق مع ما كان يردده الإخوان وأنصارهم حول «مؤامرة الدولة العميقة التى أطاحت بـ(مرسى)»، يقول «الخبير الاستخباراتى»: «لقد تظاهر (السيسى) بتأييد (مرسى) الذى قام بتعيينه بنفسه، لكنه فى واقع الأمر لم يكن مؤيداً له، هناك تحالف غير مقدس بين الجيش والنظام القديم ومن يطلقون على أنفسهم وصف الليبراليين المصريين ضد (مرسى). لذلك، وبمجرد وصول الرئيس مرسى إلى الحكم، بدأت الوزارات والهيئات بكل موظفيها فى عرقلة برنامجه، وكانت هناك طوابير بنزين بسبب أزمة الوقود التى انتهت فجأة بعد الإطاحة بمرسى (!)، ثم طلب (السيسى) من المصريين أن ينزلوا إلى الشوارع لكى يمنحوه تفويضاً للإطاحة بـ(مرسى) (!!). وأنا أقول إن المصريين نزلوا إلى الشوارع مرة فى 2011 للإطاحة بـ(مبارك)، ونزلوا مرة أخرى فى 2013 للإطاحة بـ(مرسى) بناءً على طلب (السيسى) (!!)، وقريباً جداً سيدرك المصريون أنهم أمام ديكتاتورية عسكرية وسينزلون إلى الشوارع مرة ثالثة».

بالطبع، تجاهل الخبير الأمريكى أن أحد أسباب عزل المصريين لـ«مرسى» كان سعيه هو وجماعته لـ«أخونة» كل مؤسسات الدولة، وانشغالهم بوضع «الأهل والعشيرة» الإخوان فى الهيئات والوزارات بدلاً من التركيز فى تنفيذ البرامج الإصلاحية التى وعدوا الناس بها، ثم، وبفجاجة لا مثيل لها، ادعى أن المصريين نزلوا بالملايين فى الشوارع للإطاحة بـ«مرسى» بناء على طلب «السيسى»، ليقلب «واقع» أن الفريق «السيسى» تحرك «استجابة» لرغبة الشعب فى عزل «مرسى» وليس آمراً له.

لم تكن المخابرات المركزية الأمريكية وحدها هى التى تحلم بأن يطيح الشعب بوزير دفاعه فى ثورة جديدة، فصحيفة أمريكية كبرى مثل «نيويورك تايمز» أفردت مساحات طويلة من صفحاتها لمحللين وخبراء، ظلوا يربطون، بإصرار، بين مصر وباكستان، ويصرون على تطابق ظروف ومسارات ومستقبل قادة البلدين، كأنهم يعيدون إنتاج أفكار السفيرة الأمريكية آن باترسون، التى أقامت تحالفاً بين الإسلاميين والعسكريين خلال عملها فى باكستان، ثم جاءت إلى مصر تحاول فرض الكتالوج الباكستانى عليها.

مصير «السيسى»، كما تراه «نيويورك تايمز»، هو المحاكمة على طريقة جنرال باكستان السابق برويز مشرف، الذى تولى الحكم بعد أن أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطياً فى انقلاب عسكرى، ثم تمت محاكمته مؤخراً أمام القضاء، فى مصير يتشابه أيضاً مع مصير جنرالات الجيش التركى، الذين أطاحوا يوماً ما بحكومة نجم الدين أربكان الإسلامية، قبل أن يتمكن رجب طيب أردوغان من إحكام قبضته على السلطة ويحاكمهم جميعاً. وكان «ديكلان والش»، مدير مكتب الصحيفة فى باكستان، هو أكثر من تصدى «لينذر السيسى» من مصير «قادة الانقلابات» العسكرية فى تركيا وباكستان.

يقول ديكلان والش: «على الرغم من الشعبية الكاسحة التى يتمتع بها الفريق السيسى بين المصريين وبين الدول العربية بسبب وقوفه فى وجه الإسلاميين، فإن التجارب فى تركيا وباكستان تظهر أن هناك حدوداً للقوة العسكرية، وهو ما يعنى أن مصر لا بد أن تسمح أن يكون للإسلاميين دور كبير فى الحياة العامة. لذلك، فعلى الفريق السيسى أن يبحث لنفسه الآن عن خروج آمن، فمن دون هذا المخرج الآمن قد ينتهى الحال بـ(السيسى) كما انتهى بالجنرال الباكستانى برويز مشرف، وكذلك قد تصبح مصر فى وضع أسوأ مما كانت عليه فى نهاية حكمه العسكرى».

ويتابع «والش» تبريره لضرورة أن يبحث الفريق السيسى لنفسه عن مخرج آمن من مصر، قائلاً: «حتى (مبارك) على امتداد الثلاثين عاماً التى حكم فيها لم يجرؤ على أن يتحرك بالجرأة التى تحرك بها (السيسى) ضد الإسلاميين، وربما يكون هذا هو مكمن الخطر بالنسبة للفريق السيسى؛ قد يتبخر التأييد الشعبى الذى يتمتع به مع تزايد النفور من إراقة دماء الإسلاميين، ولا يمكن أن تدعم المساعدات التى تقدمها الدول العربية الاقتصاد المصرى لو أن (السيسى) قرر استبعاد الدعم الغربى لمصر لوقت طويل».

لكن ماذا لو أن الفريق «السيسى» لا يفكر فى أن يجد لنفسه «خروجاً آمناً»؟ ماذا لو ظل مستمراً آمناً مطمئناً وسط شعب يحبه ويحترم دفاعه عن أرضه وإرادته؟ فى هذه الحالة تفضّل الأمريكان بـ«السماح» للفريق السيسى بالبقاء وسط المصريين، لكن بشرط ألا يقترب من الحكم، وأن يكتفى بلعب دور «المنقذ» الذى يلجأ إليه الشعب ويوليه السلطة فى شدته، بشرط أن يترك هذه السلطة فوراً بمجرد زوال الشدة.

أحد أصحاب الاقتراح السابق كان المحلل السياسى الإسرائيلى «يوسى بيلين»، الذى قال فى مقال منشور له بصحيفة «إسرائيل هيوم»: إن «على (السيسى) أن يختار: هل يريد أن يكون نموذجاً لمصطفى كمال أتاتورك، الذى تولى الحكم فى تركيا بقبضة حديدية فرض بها المدنية الحديثة فى مواجهة الإسلاميين، أم إنه يريد أن يكون نموذجاً للوطنية كما كان القائد الرومانى لوشيوس كوينكتيوس سينسيناتوس؟».

يصف الكاتب الإسرائيلى هذا القائد الرومانى الذى استدعاه من كتب التاريخ الغابرة بأنه كان «مزارعاً وقائداً عسكرياً فى عهد الإمبراطورية الرومانية، وعام 460 ق.م، عندما تجمع أعداء الإمبراطورية على الأبواب، اختار مجلس الشيوخ القائد سينسيناتوس ليكون حاكماً عاماً يتولى مهمة هزيمة جيوش الأعداء. جاء القائد الرومانى من حقله إلى العاصمة، وتولى مهمة إعادة تدريب وتنظيم الجيش، وهزم أعداء روما، وبعدها بـ16 يوماً عاد إلى زراعة حقله. وبعدها بعدة أعوام استدعى الرومان قائدهم (سينسيناتوس) من جديد لكى يواجه سياسياً متآمراً كان يريد تنصيب نفسه إمبراطوراً على روما، فتولى (سينسيناتوس) حكم روما لـ21 يوماً، أطاح فيها بالسياسى المتآمر ثم عاد إلى حقله من جديد».

ويتابع يوسى بيلين: «على (السيسى) أن يختار الطريق الذى يريد السير فيه مستقبلاً، ربما يقرر التراجع والتركيز على دوره العسكرى، تاركاً مهمة انتخاب القادة الجدد لمصر فى أيدى الشعب. وسيذكره التاريخ هنا على أنه الرجل الذى أنقذ بلاده من الوقوع فى هوة الأصولية الإسلامية على الرغم من وقوع بعض الضحايا والخسائر. وسيذكره الناس أيضاً بأنه الرجل الذى ساعد مصر على أن تبدأ فصلاً جديداً فى تاريخها على طريقة المنقذ (سينسيناتوس). أو يمكنه أن يختار أن يتمسك بالسلطة كما فعل (أتاتورك) فى تركيا، ويفرض نظاماً قد ترفضه غالبية المصريين، فيضطر عندها إلى حكمهم بقبضة حديدية».

لكن أكثر الأفكار الأمريكية تطرفاً بالنسبة لمستقبل «السيسى» كانت الفكرة التى قدمها الباحث الأمريكى البارز «روبرت سبرينجبورج»، كان هذا الباحث يربط أيضاً بين مصير الفريق السيسى ومصير الديكتاتور الباكستانى الجنرال محمد ضياء الحق، الذى مزج فى حكمه بين الفاشية العسكرية والأصولية الدينية، فى نموذج يندر تكراره فى التاريخ الحديث.

أصحاب نظرية «سقوط شعبيته» هم الذين راهنوا على صعود «الإخوان».. وفشلوا فى التنبؤ بثورة يونيو
ويرى «سبرينجبورج» أن «الفريق السيسى لن يكتفى بدوره كقائد للجيش، وحتى لو كان قد تعهد بأن يقود مصر فى مرحلتها الانتقالية نحو الديمقراطية، فهناك دلائل كثيرة تشير إلى أنه ليس متحمساً للديمقراطية بالقدر الذى يريد به أن يمسك بالسلطة السياسية فى قبضته. إلا أن هذا لا يعنى عودة إلى النظام السلطوى المعتاد الذى عرفته مصر فيما مضى».

ويتابع «سبرينجبورج»: «إن قراءة سيرة (السيسى) الذاتية، وتأمل الدراسة التى قدمها أثناء دراسته فى كلية الحرب الأمريكية عام 2006، تكشف عن أنه ربما يحمل فى ذهنه تصوراً مختلفاً لنظام حكم يمزج بين السلطة العسكرية والإسلامية. هو لا يرى نفسه على الأرجح راعياً لمستقبل مصر الديمقراطى بالقدر الذى يرى فيه أنه النسخة المصرية من الجنرال الباكستانى محمد ضياء الحق، الذى تولى السلطة فى 1977 وعمل على أسلمة المجتمع والدولة معاً فى باكستان».

ويواصل الباحث الأمريكى: «على الرغم من أن (السيسى) قد (أطاح) بحكومة يسيطر عليها الإسلاميون، فإن هناك أسباباً تدعو إلى الشك فى أن هدف (السيسى) الفعلى ليس إقامة ديمقراطية علمانية أكثر استيعاباً لقوى المجتمع، وإنما إعادة إنتاج وإحياء على الطريقة العسكرية للمشروع الإسلامى الذى أساء الإخوان تفعيله وإدارته. لقد قرر (مرسى) تعيين (السيسى) وزيراً للدفاع، لأنه رأى دلائل كثيرة على تعاطفه مع المشروع الإسلامى؛ كان مسلماً متديناً يستشهد كثيراً بآيات القرآن الكريم، وترتدى زوجته الحجاب، كما أن (مرسى) على الأرجح وجد نقاطاً كثيرة أثارت إعجابه فى دراسة (السيسى)، التى يركز فيها على أهمية دور الدين فى قلب سياسة المنطقة، والتى قال فيها إنه لكى تنجح الديمقراطية فى الشرق الأوسط فلا بد أن تحترم الطبيعة الدينية للثقافة، وتسعى للحصول على دعم القادة الدينيين الذين يمكن أن يساعدوا فى تكوين الدعم لتشكيل النظام الديمقراطى».

ويعتقد «سبرينجبورج» أنه «إذا كانت دراسة (السيسى) تعكس حقيقة تفكيره، فإن هذا يعنى أنه يريد جر مصر إلى مسار آخر غير الذى سار فيه قادتها من العسكريين العلمانيين مثل (عبدالناصر) و(السادات) و(مبارك)، وأن أفكاره تقترب من الجنرال الباكستانى ضياء الحق، الذى استولى على السلطة وأدخل مواد كثيرة من الشريعة الإسلامية إلى القانون، وجعل الحكومة تشرف على التعليم الدينى فى المدارس».

لكن المفكر المصرى الكبير مأمون فندى كان جاهزاً بالرد على كلام «سبرينجبورج»، وعلى كل من ربط بين مصير ومسار الفريق السيسى بقادة عسكريين آخرين حول العالم؛ فقال فى مقال منشور بجريدة «الشرق الأوسط» حمل عنوان «بين ضياء الحق وأتاتورك»: «الجنرال السيسى ليس (أتاتورك) وليس (ضياء الحق)، (السيسى) لم يكن تلك الشخصية المتزمتة دينياً كما حاولت أن تروج عنه جماعة الإخوان بعد أن تسلم قيادة الجيش من المشير طنطاوى، فهو رجل مسلم يتسم بالتقوى على الطريقة المصرية، ولكنه ضابط منضبط فى المقام الأول، وولاؤه لوطنه ومؤسسته العسكرية».

ويتابع: «فى حواره الأول من نوعه لـ«الواشنطن بوست» لم ينفِ الجنرال السيسى تماماً أنه لن يترشح للمنصب، ولكن اللافت للنظر فى مقابلته هو أنه ليس الجنرال ضياء الحق، إذ جاء نقده لجماعة الإخوان المسلمين من منطلق أنهم جماعة لا تؤمن بالدولة الوطنية، جماعة عابرة للحدود تريد إقامة نظام خلافة لا علاقة له بالدولة المصرية. كل كلام (السيسى) وتحذيراته تبعدنا كثيراً عن نموذج (ضياء الحق)، فهو رجل لا يخلط الدين بالسياسة كما ادعى صديقى الذكى روبرت سبرينجبورج. (السيسى) يتحدث بألم عن أمريكا التى أدارت ظهرها للشعب المصرى وللجيش المصرى الوطنى المعتز بوطنيته. (السيسى) هنا ليس (ضياء الحق)، كما أنه ليس (أتاتورك). هو نموذج مصرى خالص، نموذج ثالث. وهو أيضاً ليس البكباشى جمال عبدالناصر. (السيسى) خليط بين (عبدالناصر) و(السادات)، ويجب ألا يتخوف الغرب من هذا الجنرال».

وأنهى «فندى» مقاله قائلاً: «إن (السيسى) نتيجة طبيعية للثقافة السياسية المصرية، التى تختلف كثيراً عن نظيرتيها فى باكستان وتركيا. مهم ألا نتعجل فى الحكم على الرجل ونضعه فى قوالب جاهزة مثل (ضياء الحق) أو (أتاتورك). مهم أيضاً، وربما أكثر أهمية، ألا نجعل من مصر مجرد نمط يشبه الجزائر 1989، أو تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، أو باكستان السبعينات. امنحوا مصر الفرصة كى تلتقط أنفاسها، وامنحوا هذا القائد فرصة. لا نريد نموذج تركيا ولا نموذج باكستان، ولله الحمد أن (السيسى) ليس (ضياء الحق) أو (أتاتورك). نريده مصرياً، وهو حسب كل المؤشرات يبدو كذلك. فقط لا تخنقوا الرجل، وامنحوه ومصر مساحة كى يتنفسا».

* أستاذه في كلية الحرب الأمريكية: باختصار السيسي صاحب مبادئ

أكثر من تحدث عنه أستاذه فى الكلية «ستيفن جراس» الذى دافع عن «السيسى» بعد أن اتهمته صحف غربية بقتل متظاهرين ومعارضين سلميين أثناء فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة» فى أغسطس الماضى، مؤكداً أن «السيسى» الذى عرفه أثناء دراسته فى الولايات المتحدة لا يمكن أن يتورط فى قتل مدنيين عزل.

يقول «جراس»: «من الصعب أن يتوافق سفك الدماء مع الشخص الذى عرفته، فالسيسى رجل دافئ تقى يؤمن بضرورة خضوع الجيش للسلطة المدنية المنتخبة، لا يمكن أبداً أن يهاجم المتظاهرين أو المحتجين العزل».

وفى شهادته التى نشرتها مجلة «بين لايف» الأمريكية يتابع «جراس»: «السيسى ليس الرجل الذى يمكن أن يتجاهل مبادئ أخلاقية مستقرة عالمياً أو يخاطر بسلامة المدنيين العزل». وفى معرض توضيح أسباب صعود «السيسى» سياسياً، قال «جراس»: الحياة فى عهد «مرسى» كانت قد أصبحت بالنسبة للمصريين مزيجاً من المعاناة والكفاح اليومى، لذلك عندما رغبوا فى التغيير، وجاء الجيش لتحقيق هذا التغيير بقيادة «السيسى»، رأى الشعب فى الجنرال المصرى قائداً آخر، فى مقابل رئيسهم الفاشل.

وسبق هذه التصريحات حوار مطوَّل لـ«جراس» مع مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، أدلى فيه بشهادته على سلوك الطالب عبدالفتاح السيسى خلال دراسته بكلية الحرب بأمريكا عام 2006: خلاصتها أن «السيسى» كان «ذكياً ولغته الإنجليزية جيدة جداً.. وكان أكثر العسكريين الذين التقاهم فى حياته جدية».

وأضاف «جراس»: «دعوت السيسى لحفل بمنزلى ولفت نظرى أن الضابط المصرى (الجاد) لم يكن مهتماً كثيراً بالألعاب والمسابقات الترفيهية التى أقبل عليها زملاؤه من العسكريين الأجانب، وبدلاً من ذلك اهتم بالحديث مع والدتى التى تبلغ من العمر 80 عاماً، وشرح لها معانى ودلالات كل اللوحات المكتوبة باللغة العربية فى منزلى». «جراس»، الذى كان أستاذاً لـ«السيسى» فى 3 مواد دراسية بالكلية، يؤكد أن تلميذه السابق لم يكن مثل غيره من العسكريين الأجانب، الذين عادة ما يعتبرون دراستهم فى أمريكا فرصة للراحة والاستجمام، ووصف «جراس» تلميذه بأنه «مسلم تقىّ ولديه معرفة عميقة بدينه، لكن رغم تدين السيسى الواضح فلا يوجد أى دليل على انتمائه لتيار الإسلام السياسى أو الإخوان؛ حيث انتقد بشدة الإخوان فى حواره مع صحيفة «واشنطن بوست»، الذى كشف عن أنه لا يكن لهم أى تعاطف.

ونقلت «فورين بوليسى» عن بعض العسكريين الذين زاملوا «السيسى» فى كلية الحرب، أنهم لاحظوا أن لديه «أيديولوجية إسلامية تؤثر على تشكيل آرائه السياسية». وقال أحد زملائه «فرانك فيليبس»: «السيسى رغم تدينه وقيامه بالصلاة بزملائه فإنه لم يفرض ما يؤمن به على أحد أبداً فلم يكن أبداً متعصباً ولكنه كان رجلاً وطنياً وكريماً»، مضيفاً: «فى مرة ذهب السيسى مع أحد زملائه لشراء خاتم لزواجه وعندما لم تكفِ أمواله أصر السيسى على تكملة الأموال الناقصة على حسابه من أجل شراء الخاتم».

* «السيسى»بعيون أمريكية:«إخوانى» قبل «30 يونيو».. و«جنرال صادم» بعدها

جاء «السيسى» فملأ الساحة وشغل الأمريكان الذين رأوا فيه «المارد» الذى ظهر فى التوقيت الخطأ، ليفسد خططهم فى المنطقة.

من يتابع ردود الفعل الأمريكية الرسمية منذ سقوط محمد مرسى يُدرك أن ثورة «30 يونيو» كانت صدمة للأمريكان من زاويتين، أولاهما أنها ثورة شعبية عارمة لم يتوقعها الأمريكان، أطاحت بحكم الإخوان، والثانية أنهم توهموا أن «السيسى» بحكم كونه أول وزير دفاع مصرى يدرس بالولايات المتحدة سيكون «رجُلهم» فى القاهرة، فاكتشفوا أن السيسى «عقبة» وليس «كوبرى».

الإعلام الأمريكى رصد بانبهار الصعود الصاروخى لشعبيته.. وأدرك أنه «رئيس مصر القادم» لو أراد.. وسيبقى «رقماً صعباً»
رجُل الإخوان

صورة «السيسى» لدى واشنطن مرت بعدة مراحل سريعة منذ ظهوره على مسرح الأحداث فى أغسطس 2012. فى البداية كانت هناك قناعة بأنه «رجل الإخوان» بين صفوف القوات المسلحة المصرية. هذه القناعة عبّر عنها بوضوح الباحث الأمريكى الشهير «دانيال بايبس» فى نوفمبر 2012، عندما كتب فى مجلة «ناشيونال انتريست» تفسيره لنجاح الرئيس المعزول «الضعيف» فى إقالة المشير حسين طنطاوى «القوى» فى أغسطس 2012، وبرر ذلك بأن «نفوذ ضباط الجيش المتعاطفين مع الإخوان أكبر مما تخيل الجميع. وهم إما أعضاء بالجماعة أو متعاطفون معها، والجماعة تنكر عضوية وزير الدفاع الحالى عبدالفتاح السيسى لها، لكن أحد قادتها أقرّ بأنه ينتمى إلى أسرة الجماعة غير الرسمية».

وذهب «بايبس» فى تحليله إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن «السيسى» أجهض، حسب زعمه، محاولة لانقلاب كان يخطط له «طنطاوى» فى 24 أغسطس 2012، وقال الباحث نصاً: «استطاع السيسى كرئيس للاستخبارات العسكرية الحصول على معلومات حول انقلاب 24 أغسطس، وتعقب المسئولين العسكريين الموالين لطنطاوى وفصلهم، وهناك شواهد أخرى تؤكد كلامى، فطارق الزمر القيادى الجهادى وأحد مؤيدى مرسى، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، اعترف بأن اختيار السيسى كان يهدف لإجهاض انقلاب عسكرى على مرسى، كما أن اللواء عباس مخيمر الذى كان مسئولاً عن تطهير القوات المسلحة من الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى، كان متحالفاً مع الإخوان إن لم يكن عضواً بها».

زادت قناعة الأمريكان بـ«إخوانية السيسى» عندما عثروا على ورقة بحثية كتبها «السيسى» عام 2006 أثناء التحاقه بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكى بعنوان «الديمقراطية فى الشرق الأوسط»، وهو البحث الذى وصفه مُحاضر فى كلية الدراسات البحرية العليا، وهو البروفيسور روبرت سبرينجبورج فى مقال نُشر فى «فورين آفيرز» بالقول: «يبدو كوثيقة أعدتها جماعة الإخوان». الطريف أن البعض ظل متمسكاً بقناعته بـ«إخوانية السيسى» حتى بعد عزل «مرسى»، وذلك فى خلط واضح بين تديّن وزير الدفاع واعتناق أفكار الجماعة.

رجُل الأمريكان

مع تصاعد الأزمة السياسية بين «مرسى» ومعارضيه، وظهور بوادر أولية على إمكانية تدخل الجيش فى السياسة مرة أخرى، لم يكن الأمريكان -شأنهم فى ذلك شأن «مرسى» نفسه- قلقين من «السيسى»، وتولدت لديهم قناعة أن «الجنرال الهادئ» لن يحرك دباباته باتجاه قصر الاتحادية، وسيأخذ بنصيحة واشنطن التى تكررت على مسامعه يومياً، وفحواها: «لا تقترب من مرسى».

كان هذا «العشم الزائد» يرجع لاعتبارين أساسيين، أولهما «النفوذ الخشن» الذى يملكه الأمريكان على المؤسسة العسكرية، التى تتلقى سنوياً 1.3 مليار دولار، ويعتقد بعض المسئولين الأمريكيين أنه دون هذا المبلغ لن تطير الطائرات ولن تتحرك الدبابات المصرية، على حد تعبير أحد الجنرالات الأمريكان، بل ويكفى لفرض الإملاءات الأمريكية خصوصاً فى أوقات الأزمات والضعف التى تمر بها الدولة المصرية الآن، وثانيهما «النفوذ الناعم» الذى يرجع إلى كون «السيسى» هو أول وزير دفاع مصرى يدرس فى الولايات المتحدة، وليس فى روسيا. وهو أمر علق عليه الأمريكان أملاً كبيراً، وعبّر عنه جون ماكراى، أحد الضباط الأمريكيين المطلعين على ملف العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن، بقوله فى مجلة «نيوزويك» فى 27 أغسطس الماضى: «إن دراسة الفريق السيسى بكلية الحرب الأمريكية تعنى زمالته للعديد من الجنرالات الذين يخدمون حالياً فى الجيش الأمريكى، وهذا يعطى انطباعاً عن طبيعة المناقشات بين البلدين ومحاولات واشنطن للتأثير على قراراته».

الأمريكيون ظنوا أن دراسته فى بنسلفانيا والمعونات الأمريكية ستجعله «رجُل واشنطن» فى القاهرة.. ووصفوا بحثه بأنه «وثيقة أعدها الإخوان»
لكن ما حدث أن «السيسى» لم يكن فقط أقل تعاوناً من «مبارك» و«طنطاوى» بل هو خشن أحياناً معهم، وأبقى الإدارة الأمريكية «فى الظلام» بشأن ما يحدث فى مصر من تطورات، رافضاً الكشف عن نواياه، حتى فوجئت بقرار عزل «مرسى» فى 3 يوليو 2013، ضارباً بنصائح واشنطن عرض الحائط. وعبّر تقرير صحيفة «وول ستريت» عن حجم الصدمة والإحباط الأمريكى من تجاهل «السيسى» لـ8 مكالمات مع وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل، مليئة بالنصائح والتحذيرات أيضاً، وتابعت: «إن الإطاحة بمرسى لم تكن العلامة الأولى على محدودية النفوذ الأمريكى على العسكريين المصريين، ففى فبراير عام 2011 عندما أُطيح بمبارك، طلب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولين وقتها من الضباط الأمريكيين سرعة التواصل مع نظرائهم المصريين لتنسيق المواقف، لكنه فوجئ بفتور ردود الفعل من جانب الضباط المصريين، وهو ما عبّر عنه مسئول أمريكى بقوله: إن مولين أدرك أن المنح والبعثات الأمريكية لا تستطيع أن تشترى حجم الاتصالات التى تحتاجها واشنطن فى أوقات الأزمات مع مصر».

«عبدالناصر» جديد

ارتبطت صورة «السيسى» فى أذهان معظم الأمريكان بصورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. لم يخلُ تحليل واحد تقريباً من الإشارة للمقاربة بين «السيسى» و«عبدالناصر». و«عبدالناصر» عند الغرب يعنى القومية العربية وقمع الإسلاميين وديكتاتورية تحظى بقاعدة شعبية كبيرة والطموح لتنمية شاملة والاستقلال عن الغرب.

وكتبت «نيويورك تايمز» أن «هناك مخاوف فى الغرب من أن يكون السيسى هو النسخة العصرية لعبدالناصر»، وفى 19 أغسطس تساءل الباحث جالك ويليامز: «هل يتحول السيسى الذى يبدو أنه يرفض لعب الكرة مع واشنطن ولندن إلى ناصر جديد؟»، وأجاب فى مدونته قائلاً: «بالنسبة للأمريكان لا يمكن أن يُسمح لمصر تحت أى ظرف أن تصبح دولة مستقلة معادية لمصالحها، خصوصاً فى قناة السويس وسيناء، لكن للأسف لا يبدو أن السيسى يستمع لهذه المخاوف».

ونقلت مجلة «فورين بوليسى» عن عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى ستيف كوك قوله: إن «السيسى ليس عبدالناصر، بل نسيج مختلف»، لكنه عاد فى مقال مطول ليؤكد أن أوجه الشبه بين الرجلين ستهدد استقرار مصر وتعيدها إلى أجواء الستينات من جديد.

وفى مؤتمر عُقد فى معهد «ماكين» الأمريكى فى 26 سبتمبر الماضى حضره السيناتور جون ماكين، قال مسئول صفحات الرأى فى صحيفة «واشنطن بوست» جاكسون ديل: إن «فى مصر يُصنع جمال عبدالناصر جديد، وهو الجنرال السيسى الذى وضع المصريون صورته إلى جوار صورة عبدالناصر، والكل يعلم ما يمثله نظام ناصر من (فاشية) لم تكن مقتصرة على مصر، لكن امتدت إلى العديد من الدول العربية، ومن ثم فلا يمكن أن تكون الإجابة فى مصر هى الجيش»، وأكد أن «العسكريين فى مصر أخطر على إسرائيل من محمد مرسى والإخوان»، مستشهداً بما أنجزه «مرسى» فى التوصل لاتفاق تهدئة بين «حماس» وإسرائيل.

رجل «حويط»

يركز كثير من التقارير الأمريكية على وصف «السيسى» بـ«الرجل الحويط» و«الغامض» الذى يتكلم قليلاً ويُخفى الكثير عنهم، وذلك بعد أن فاجأهم -رغم الاتصالات المستمرة- بعزل «مرسى» فى 3 يوليو الماضى. وهو الأمر الذى لمسه «الإخوان» المؤمنون بأن «السيسى» لم يخدع «مرسى» فقط لكن خدّره وأعطاه «بنج»، حسب وصف أحد أعضاء مكتب الإرشاد. ووفقاً لما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» فإن «مرسى ظل حتى ساعاته الأخيرة فى الحكم مقتنعاً بأن السيسى لن يتدخل، وكان آخر من فهم تحركات الجيش بين من حوله من مستشارين وقياديين إخوان، والدائرة القريبة من مرسى لم تبدأ فى الشعور بالقلق إلا بداية من 21 يونيو، عندما أصدر الجنرال السيسى بياناً يحذر من احتمال تدخل الجيش إذا عجزت القوى السياسية عن الوصول لحل فيما بينها، لكن مرسى نفسه لم يشعر بالقلق واستدعى السيسى للاستفسار عن معنى بيانه، فأكد له وزير الدفاع أن البيان هدفه إرضاء بعض من رجاله داخل الجيش، وأنه لم يكن أكثر من محاولة لامتصاص غضبهم، الأمر الذى بدد شكوك الرئيس فى احتمال انقلاب وشيك ضده».

هذا الغموض يدعمه مظهر «السيسى» بنظارته الشمسية السوداء أدى لفضول كبير من مختلف وسائل الإعلام الغربية التى حاولت التحرى عن حاضر الرجل وماضيه، فأفردت مجلة «نيوزويك» غلاف عددها فى 16 أغسطس الماضى لـ«الجنرال الهادئ» وركزت -فى تقريرها المطول عن نشأته- على هذا «الغموض»، موضحة أن «صور السيسى أكثر انتشاراً فى شوارع القاهرة من الهدايا التذكارية لـ(أبوالهول)، فصوره تحدّق إليك من فوق الجدران والمقاهى والنوافذ والمبانى الحكومية، والمصريون يرفعون لافتة (هذا هو الرجل الذى نثق فيه)، والبعض يطلق عليه (نسر العرب)، ومع ذلك فالرجل الذى يقارنه المصريون بجمال عبدالناصر لا يُعرف عنه شىء، وقلة من الناس يعرفون شيئاً عن عائلته، فهو نادراً ما يتحدث للصحفيين، وأصدقاؤه المقربون يترددون فى التحدث للصحافة، وغالباً ما يتصلون للاعتذار إذا تسرعوا بالموافقة على الحديث مع أحد الصحفيين».

«الفريق» خدر «مرسى» حتى الساعات الأخيرة من حكمه.. وعندما سأله «المعزول» عن بيان 21 يونيو «التحذيرى» أكد أنه لإرضاء بعض رجاله فى القوات المسلحة
رجل مصر القوى

تبديداً للغموض الذى غلّف شخصية «السيسى» حاولت مجلة «ذا ويك» الأمريكية أن تعرّف القارئ الأمريكى بمن وصفته بـ«رجل مصر القوى الجديد»، فكتبت فى الأول من سبتمبر الماضى مقالاً بتوقيع «مجلس تحرير المجلة» جاء فى صورة سؤال وجواب. وكان السؤال الأول: ما مدى شعبية «السيسى»؟ وأجابت «المجلة» بأنها «واسعة جداً، فصوره فى كل أرجاء مصر، مع عبارات مثل (هذا من نثق به) و(المنقذ) و(المخلص)»، أما السؤال الثانى فكان عن سبب تعيين «مرسى» لـ«السيسى»، وذكرت المجلة أن «الفريق كان الضابط الأبرز لخلافة المشير حسين طنطاوى، وطوال عهد حسنى مبارك كان السيسى نجماً صاعداً داخل الجيش».

وشددت المجلة على أن «مرسى» اختار «السيسى» لأنه «معروف بالتدين»، فيما كان السؤال الثالث عن سبب خلع «السيسى» لـ«مرسى»، وأكدت المجلة أنه، بحسب ما قال «السيسى» من قبل، فإن «الشعب المصرى هو من ثار عليه لأسباب كثيرة، منها: تجاوز محاولته فرض دستور لا يحظى برضا الشعب، وإطلاق الجهاديين فى مصر، خصوصاً فى سيناء».

أما السؤال الرابع فكان: هل يريد «السيسى» إرساء الديمقراطية فى مصر؟ وجاءت إجابة المجلة بـ«نعم، وعلى النمط الإسلامى الذى يختلف عن الديمقراطية التى تُمارَس فى الولايات المتحدة أو أوروبا». وجاء السؤال الخامس عن صورة الولايات المتحدة لدى «السيسى»، فذكرت المجلة أنه يعتبرها مثل كثير من المصريين داعمة للإخوان وأسهمت فى تخريب الإرادة الشعبية، ويتهمها بـ«إدارة ظهرها للمصريين».

تصاعد شعبية الجنرال

بعد تجاوز صدمة سقوط «مرسى»، بدأ الإعلام الأمريكى يحاول تفسير ظاهرة الصعود الصاروخى فى شعبية الجنرال ومحاولة فهم أسباب «عشق» المصريين لـ«السيسى»، فأصدرت وكالة «أسوشييتد برس» عدة تقارير متلاحقة فحواها أن «اشتياق المصريين للأمن وإحباطهم من الإخوان يمهد الطريق لـ(السيسى رئيساً). وقالت الوكالة إن إطلاق مجموعة من النشطاء السياسيين حملة توقيعات لحث السيسى على الترشح للرئاسة يؤكد اشتياق المصريين إلى رجل قوى لقيادة مصر بعد نحو 3 سنوات من الفوضى فى البلاد.

وحذت «وول ستريت جورنال» حذو «أسوشييتد برس» وأكدت فى عدة تقارير كان آخرها فى 10 سبتمبر أن «المصريين يتطلعون لترشح السيسى للرئاسة أملاً فى إنهاء الفوضى ورغبة منهم فى استعادة الاستقرار والنظام، وسط الفوضى والعنف والضائقة الاقتصادية التى عانت منها أكبر دولة عربية فى الفترة الماضية». وخصصت شبكة «CBS» التليفزيونية الأمريكية، مؤخراً، تقريراً قالت فيه إن «السيسى أصبح أكثر الشخصيات شعبية بين المصريين الذين يعتبره كثير منهم منقذاً للبلاد خلصها من رئيس مكروه بشدة». وتابع التقرير أن «شعبية وزير الدفاع تحولت إلى بيزنس مربح للباعة الجائلين الذين يربحون جيداً من أى سلعة عليها وجه السيسى»، وقال مراسل الشبكة الأمريكية: «رأيت بنفسى عراك الناس فى الشارع للحصول على صور بطلهم». ومع ارتفاع شعبيته تثور أسئلة حول طموحاته السياسية، وهل سيصبح جنرال العرب القوى القادم؟ أجابت صحيفة «فاينانشيال تايمز» عن هذا السؤال فى تقرير لها فى 24 أغسطس الماضى أكدت فيه أن «السيسى الجنرال المتدين» قادر على الفوز بسهولة بالرئاسة إذا أراد. وأشارت إلى أن المصريين يرون فيه المخلّص ويلقبونه بـ«قلب الأسد» و«قاهر الإرهاب»، لكن الأمريكان ينتقدونه والإخوان يكرهونه.

بمرور الوقت تغيرت صورة «السيسى» لدى منتقديه داخل الإدارة من «جنرال مستبد طامع فى السلطة» إلى «رجل مصر القوى» الذى إما أن يحكم مصر أو أنه على الأقل سيظل رقماً صعباً، وبالتالى لا سبيل لإغضابه، خصوصاً بعد أن أدرك صنّاع القرار أن «مرسى» لن يعود و«السيسى» لن يتراجع مهما كانت ضغوط الولايات المتحدة. هذا التوجه عبّر عنه مؤخراً بوضوح وزير الخارجية الأمريكى الأسبق كولن باول فى حديث لقناة «سى بى إس» الإخبارية الأمريكية قائلاً إنه على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الوضع فى مصر وسوريا بشكل عقلانى أكثر.

* نبيل نعيم: «السيسي» جندى يضعه الشعب حيث يشاء

هناك حملة تدعو الفريق أول عبدالفتاح السيسى لكى يترشح رئيساً لجمهورية مصر العربية تحت عنوان «كمّل جميلك». وهناك حملات أخرى كبيرة أو صغيرة تدعو الرجل إلى عدم ترشيح نفسه حتى لا يُتهم بأنه قام بانقلاب... إلخ. وقبل أن ندلى برأينا فى الدعوتين يجب أن يترسخ لدينا أن يوم 30 يونيو وما أعقبه كان ثورة عارمة للشعب المصرى أقوى من ثورة 25 يناير، وهذه شهادة كل من شارك فى الثورتين من ملايين المصريين حتى يوم 3 يوليو، يوم إعلان خارطة الطريق. أجمع الكل على أن فرحة المصريين بالإطاحة بالمعزول محمد مرسى الإخوانى كانت أشد من الإطاحة بالمخلوع محمد حسنى مبارك. إذن الادعاء بأن 30 يونيو انقلاب هو إجحاف بشعب عظيم قام بثورة لم يحدث مثلها فى التاريخ؛ حيث خرج 30 مليون مصرى فى جميع شوارع مصر من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، ثم تأكدت الثورة مرة ثانية يوم 26 يوليو يوم التفويض. والحقيقة التى لا ينبغى أن يزيفها المزيفون أن «30 يونيو» ثورة انحاز لها الجيش المصرى كعادته كما فعل يوم 25 يناير وكان قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح السيسى هو الملقَى على عاتقه مسئولية انحياز الجيش للثورة، فأصبح لدى المصريين بطلاً قومياً.

وقد جرّب المصريون رئيساً مدنياً عاماً واحداً أجمعوا على أنه أنزل وحقّر من شأن مصر ومن شأن منصب الرئاسة ولعنه كل المصريين، وهو مدنى جاء بانتخابات نزيهة، ورجل متدين، ثم يفاجَأ المصريون بأن هذا المدنى المتدين المنتخب كان الذى ينفق على حملته الانتخابية المخابرات الأمريكية بناءً على ترتيبات خيانة للوطن. ونحن نرى حتى الوجوه الإسلامية تجرى وتتسارع للذهاب إلى واشنطن وزيارة البيت الأبيض وتقديم فروض الولاء والطاعة للعم سام.. ففى ظل هذه الأجواء الملوثة وفى ظل عدم الاطمئنان للمرشحين الذين يبيعون أنفسهم فى سوق النخاسة ويعرضون أنفسهم على المخابرات الإسرائيلية كما يفعل ممثل الإخوان فى سوريا «عصام حتيتو» ويفعل قائد الجيش الحر «أحمد الجربا»، كما فعل محمد مرسى ويفعل غيره الآن، فليس أمام الشعب المصرى سوى الاطمئنان لمؤسسته الوطنية العسكرية؛ لأن مصر فى خطر داهم، فلا بد من رئيس يضع المصريون فيه ثقتهم، ولم يجدوا ذلك إلا فى الفريق أول عبدالفتاح السيسى. أما دعاة الديمقراطية والليبرالية فنحن نطمئنهم بأن الجنرال ديجول، محرر فرنسا، أقام أعظم الديمقراطيات فى أوروبا. أليس من حق المسيحيين أن ينعموا بالأمن والأمان فى وطنهم مصر؟ أين يذهبون؟

أليس من حق المصريين جميعاً أن ينعموا بنعمة الأمان فى بيوتهم وشوارعهم بعيداً عن إرهاب جماعة الإخوان ومن باع نفسه لهم فى تهديدهم للمصريين بالويل والثبور وعظائم الأمور؟. إن الشعب من حقه أن يختار من يحكمه، هذه أبسط قواعد الديمقراطية، فلماذا تحرمون الشعب المصرى منها؟!

* السلفيون: «السيسي» زعيم.. أو انقلابى ولا ثالث لهما

كالعادة، تباينت آراء السلفيين حول تقييم شخصية وأداء الفريق أول عبدالفتاح السيسى؛ فمنهم من قال إنه رمز للبطولة والإقدام، فى زمن لا يتصدره سوى الجبناء، وآخرون ما زالوا يصفونه بأنه قائد انقلاب، ويملك فى الوقت نفسه كل مفاتيح الحل والعقد، وفريق ثالث يرى أن «السيسى» قبل 3 يوليو ليس «السيسى» بعد هذا التاريخ، وأن ترشحه لمنصب الرئيس إهانة للمصريين.

«الأباصيرى»: امتلك الوعى والإرادة فى زمن يتصدره الجبناء
يقول الشيخ محمد الأباصيرى، الداعية السلفى: أضحى «السيسى» بطلاً شعبياً وعربياً عن جدارةٍ واستحقاقٍ بعد الموقف البطولى فى مواجهة نظام الإخوان فى 3 يوليو، فأطاح بعرشٍ كان يظن أصحابه أنه لن يذهب عنهم أبد الآبدين. ويضيف: «بعد أن امتلك الوعى والإرادة والشجاعة والمواجهة استطاع، على طريقة الأبطال العظام، أن يغير مجرى التاريخ، واضعاً رأسه على راحته غير هيابٍ ولا وجلٍ كما الأبطال فى الأساطير القديمة، ليكتب اسمه بأحرف من نور على صفحات تاريخ مصر عبر العصور». ويتابع: «تحول الفريق السيسى من وزير للدفاع كان من الممكن جداً أن يُسقط اسمه من جملة الوزراء حين يذكرون، إلى رمزٍ للبطولة والإقدام فى زمن لا تكاد ترى فيه سوى الجبناء، وإنى لأظن أن التاريخ سيتوقف كثيراً عند شخصية هذا الرجل ودوره فى تاريخ مصر الحاضر ليكشف لنا عمّا وراء الأكمة، أما عن ترشحه للرئاسة فأظن أن الرئاسة أقل منه وهو أكبر منها، فحين تنظر إليه تشعر وكأنه خُلق ليكون زعيماً وقائداً وملهماً لأجيال تلو أجيال، لا أن يكون رئيساً فى زمرة الرؤساء، فمقامه فى نفسى وأظنه فى نفوس الكثيرين أعظم من محض رئيس، فليُترك الرجل لمهمته التى خُلق لها فهو بها جدير، وليتركوه لجيشه يقوم على تحديثه وتقويته فهو أجدى له ولنا».

«بديع»: لو ترشح للرئاسة سيأخذها بالذوق أو بالعافية
محمد أبوسمرة، الأمين العام للحزب الإسلامى، الذراع السياسية لتنظيم الجهاد، يقول: «السيسى قبل 3 يوليو غير السيسى بعد هذا التاريخ. قبل 3 يوليو كان القائد العسكرى الذى لا يختلف عليه اثنان فى مصر من أى فصيل. كنت أرى فيه صورة الفريق سعد الدين الشاذلى، كل همه القوات المسلحة وإعادة الشباب والحيوية إليها، ورؤيته السياسية كانت تُحترم جدا، وأنا أستشهد بالكلام الذى قاله وهو أنه لا أحد يلعب مع الجيش، وأيضا لو أن الجيش نزل إلى الشارع انسوا مصر 30 أو 40 عاما، لكن بعد 3 يوليو اختلف الأمر واستطاع أن يقسّم الشعب المصرى إلى فصيلين، الأول فيه الكثير من الليبراليين والعلمانيين والفلول وأعداء الثورة، وفصيل آخر يعد المكون الرئيسى فيه هو الفصيل الإسلامى».

يواصل «أبوسمرة»: «بعد 3 يوليو خرج الجيش من ثكناته وتدخل فى مواطن السياسة، كما أن خارطة الطريق التى وضعها الفريق السيسى لم ينفذ منها شىء حتى الآن، بل على العكس كل ما جاء فيها تتم مخالفته بدليل لجنة تعديل الدستور، فبدلا من أن تعدله حطمته، وهى لجنة غير منتخبة وغير شرعية، ومن هنا نستنتج أن السيسى خسر الجانب الأكبر وهو التيار الإسلامى، وبدلا من أن يقوم برأب الصدع، ازداد الصدع، وهو حاليا شخصية محل خلاف، ورغم ذلك فبيده أيضاً حل الأزمة لأنه يملك المفاتيح».

يضيف: «مستقبل السيسى بيده هو؛ فهو الشخصية الأكبر والأقوى الآن فى مصر، وهو قادر على الحل، وترشحه لمنصب الرئيس يعتبر إهانة للشعب المصرى وإهانة لشخصه، ولو رشح نفسه فهذا يعنى أنه خرج لكى يستولى على الحكم لنفسه».

ويرى الدكتور أحمد بديع، المتحدث باسم حزب «الوطن» السلفى، أن ترشح قائد القوات المسلحة مناورة سياسية؛ فترشحه خطر جداً على مصر، مضيفاً: «كفانا حكما عسكريا، فعليه أن يتعلم من عبدالناصر بعد نكسة 67، حيث أبعد العسكريين عن المجال السياسى بعد اكتشافه أن دخولهم فى السياسة أفسدهم وأفسد السياسة».

يتابع «بديع»: «ما زلنا نصر على أن السيسى قاد انقلابا عسكريا، فـ(30 يونيو) لم تنجح دون القوة العسكرية، وعلى الرغم من اختلافنا مع سياسة مرسى وأخطائه التى نرفضها، فإننا لا نقر هذا الانقلاب، ولا بد من تأسيس دولة القانون. وما يحدث الآن صناعة للفرعون وعلى الناس تحمل نتيجة ما يفعلون».

«نرغب فى ترسيخ تجربة الرئيس المدنى».. هكذا بدأ أحمد شكرى، عضو الهيئة العليا لحزب النور، حديثه: «دعوات ترشيح السيسى للرئاسة غير مناسبة، وهناك شخصيات كثيرة قادرة على قيادة الدولة وتوجيه دفتها بغض النظر عن اتجاهها، فما قام به السيسى من الناحية السياسية قبل 30/6 كان جيدا، بإرسالة مبادرة للرئاسة بتغيير الحكومة والنائب العام. وعندما رفض مرسى المبادرة كانت هناك أعمال سياسية أخرى يمكن فعلها قبل الدخول فى مصادمات وملاحقات أمنية؛ فالإخوان قرروا الصدام لكن كان يمكن التعامل معهم بسلمية أكثر». ويضيف: «من الأخطاء السياسية التى ارتكبها السيسى وضع جبهة الإنقاذ -الغريم السياسى للإخوان- بدلا منهم، وهو ما زاد الاحتقان وتسبب فى صدام، والضرورة تستوجب توفير جو من الحوار». وحول مستقبل الفريق السيسى قال «شكرى»: «نجح فى إقناع كثير من الناس بنفسه، وكثيرون يتعاملون معه على أنه صاحب بطولات».

«أبوسمرة»: كنت أرى فيه صورة «الشاذلى» قبل 3 يوليو.. وبعدها خسر الإسلاميين وأصبح محل خلاف

* «الإخوان»: فليترشح«السيسي».. ليتأكد الجميع أن «30 يونيو» كانت انقلاباً وليست ثورة

رفض معظم أعضاء تنظيم الإخوان مطالبة عدد من الشخصيات السياسية بترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى للانتخابات الرئاسية المقبلة، نظراً لمسئوليته عن عزل «مرسى» ووضع «خارطة الطريق»، فضلاً عن أن فوزه بالانتخابات سيؤسس دولة «عسكرية» جديدة، على حد وصفهم، بينما قال البعض إن من حق «الفريق» الترشح للانتخابات شأن أى مواطن عادى، خصوصاً أن شعبيته فى الشارع جارفة، وبالتالى فإن فوزه لا مفر منه.

وقال محمد السيسى، القيادى بحزب الحرية والعدالة: إنه لا يجوز من الناحية القانونية ترشح «السيسى» للانتخابات الرئاسية القادمة لأنه متورط فى قتل معارضى «مرسى»، وبالتالى لن نعترف به حتى لو فاز فى انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية، مضيفاً: يجب على الجميع تقديم ضمانات كافية حتى يكون الرئيس القادم مستقلاً تماماً عن المؤسسة العسكرية وألا يصطدم بها، بل يجب أن يكون هو قائدها الأعلى حتى لا يتكرر سيناريو «مرسى».

وتابع: فرص فوز «السيسى» بالرئاسة فى حالة خوضه انتخابات نزيهة ستكون ضعيفة للغاية وسيحصل على نفس نسبه «شفيق» فى الانتخابات السابقة إذا زُوّرت الانتخابات، منوهاً بأن النظام الحالى بقيادته لا يرغب فى إجراء انتخابات رئاسية جديدة ليظلوا متحكمين فى البلد بقبضة حديدية.

فرج شعبان: الإخوان يتحملون مسئولية دخوله المشهد السياسى..
وقال محمد فرج شعبان، كادر شاب من تنظيم الإخوان، إن شخصية «السيسى» العسكرية لها دلالات قوية وواضحة فى المشهد السياسى، خاصة أنه كان يتولى جهاز المخابرات الحربية ذا الخبرات الطويلة فى التعامل مع القضايا الأمنية والمخابراتية والإرهابية داخل شبه جزيرة سيناء.

وشدد على أن الاستفادة الحقيقية من شخصه كانت فى وجوده على رأس وزارة الدفاع والجيش، ليتولى إعادة تدريبه وضخ الدماء فيه من جديد والسعى إلى أن يعيد الجيش المصرى إلى صدارة الجيوش العربية والإقليمية، وأن يكون الدرع الواقية لحدود الوطن.

وقال: إن الإخوان يتحملون جزءاً كبيراً من مسئولية دخول «السيسى» المشهد السياسى، خاصة أن سوء الأداء الذى لازم سياسات «الإخوان» فى إدارة الدولة طيلة عام من حكم «مرسى» وقبله أثناء وجود «الإخوان» فى البرلمان وحصولهم على الأغلبية دفع الجيش إلى التدخل لوقف ما كانت الأحوال تتجه إليه داخل الشارع من التناحر والتقاتل بين أبناء الوطن بعد فشل «مرسى» فى تقديم نموذج حقيقى فى الإدارة.

وأوضح أن المعارضة الليبرالية واليسارية، وحتى الإسلامية، باتت تدرك جيداً أنه لا يوجد أى رمز سياسى أو تيار سياسى يستطيع أن يدير الدولة فى ظل التشرذم الحالى وأن البديل الجاهز هو القوات المسلحة ودعم مرشح عسكرى سواء «السيسى» أو أى من الرموز العسكرية.

وشدد على أن دخول «السيسى» حلبة التنافس السياسى على منصب رئيس الجمهورية سيرجّح كفته بشكل كبير، خاصة أنه لا يوجد من الرموز السياسية ما يقوى على منافسته من الموجودين فى المشهد حالياً. لكنه أبدى تخوفه حال نجاح «السيسى» فى الانتخابات الرئاسية من عودة عسكرة الدولة بشكل تام مرة أخرى بعد الثورة، ما يبدد أى حلم بالديمقراطية التى خرج لها الشعب فى يناير 2011 وأن يكون على رأس الدولة مرشح مدنى بعيد تماماً عن أى خلفية عسكرية أو أمنية.

وأضاف: «الجيش استغل حنق الشعب على أداء الإخوان وتدخل فى اللحظة الحاسمة بغطاء شعبى كبير، ما كان له بالغ الأثر فى الإطاحة بالتنظيم فى فترة قليلة بعد وصولهم للحكم، ولم يكن للإخوان أى إدراك حقيقى لطبيعة الجيوش وآليات تحركها سياسياً لإنقاذ المشهد السياسى إذا ما كان سيئاً، فى الوقت ذاته ظل الإخوان يرددون أنهم كسبوا ود الجيش وأنه لا مجال للحديث عن انقلاب عسكرى مرة أخرى، ولكن الأحداث أثبتت عكس ذلك تماماً».

وقال المعتزبالله محمد، أحد الكوادر الشبابية بجماعة الإخوان: إن «السيسى» فى نظر الإخوان ليس سوى «قاتل» استخدم القوة المفرطة فى قتل المتظاهرين والمعتصمين سواء فى «رابعة والنهضة» أو فى «رمسيس»، وأنه حرق المساجد فى الإسماعيلية والقاهرة واعتقل 250 امرأة وما زال يعتقل رموز وأعضاء الإخوان على مستوى الجمهورية، ظناً منه أن ذلك سيدفع الإخوان إلى قبول التفاوض والموافقة على خريطة الطريق التى أعقبت الإطاحة بالرئيس الشرعى للبلاد محمد مرسى.

شاب إخوانى: شعبيته جارفة ومن حقه الترشح إذا خلع «البدلة العسكرية»
وأشار إلى أن دخول «السيسى» حلبة المنافسة السياسية على منصب الرئيس يعنى بكل وضوح انهيار الجمهورية المصرية وانهيار مدنية الدولة وأن العسكرة تطل بقوة فى إدارة الدولة مرة أخرى بعدما ظن الشعب أنه قادر على أن يختار نظامه السياسى كيفما يشاء بعيداً عن تدخلات الجيش.

ولم يُخفِ المعتزبالله محمد أى رفض لما يقال عن أخطاء الإخوان فى إدارة البلاد، التى سمحت للجيش بالتدخل، واستدرك قائلاً: الجيش لا يتدخل فى السياسة مهما كانت الأخطاء وكان يجب عليه أن يكون حَكماً بين الأطراف لا أن يلعب لحساب طرف على حساب الآخر ويهدد استقرار الدولة وأمنها القومى من خلال الإطاحة بـ«مرسى» وفتح باب المظاهرات التى تخرج كل يوم رافضة له، وهو ما أدى إلى شلل اقتصادى تام.

وقال وليد مصطفى، أحد الكوادر الشبابية بشرق القاهرة، إنه يتمنى ترشح «السيسى» للرئاسة حتى يتأكد الجميع بالداخل والخارج أن ما حدث فى «30 يونيو» انقلاب عسكرى، الهدف منه إقصاء الدكتور محمد مرسى عن السلطة لإعادة حكم العسكر من جديد، وليس كما يتوهم البعض استجابة للمطالب الشعبية.

وأشار إلى أنه لا يثق فى انتخابات رئاسية مقبلة، خصوصاً أن السلطة الحالية ستديرها لجلب المرشح الذى يخدم مصالح الدولة العميقة، منوهاً فى الوقت نفسه بأنه أياً كانت هوية الرئيس القادم سيظل للمؤسسة العسكرية النفوذ الأكبر، وبالتالى ستتحكم فى رئيس الجمهورية، ما يجعل «السيسى» الرئيس الفعلى للبلاد سواء ترشح أو لا للانتخابات الرئاسية.

وأضاف أن عودة المسار الديمقراطى من جديد وعودة الشرعية الدستورية هما الضمانة الوحيدة لإعادة الثقة فى تحركات الدولة لبناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية، لذلك يجب على الجميع الجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى حل سياسى وسريع للأزمة الحالية للبدء الفورى فى إعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد.

بينما قال «م.ح»، أحد شباب الإخوان: إن من حق «السيسى» الترشح شأن أى مواطن آخر طالما سيترك زيه العسكرى ويتحول إلى شخص مدنى له حقوق المواطن العادى، خصوصاً أنه لا يوجد مانع دستورى يحول دون خوضه الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن القرار فى النهاية سيكون للشعب الذى يحدد مصيره ويختار رئيس مصر القادم.

وأضاف: لا يوجد أحد يستطيع أن ينكر الشعبية الجارفة التى يتمتع بها «السيسى» فى الشارع، خصوصاً بعد موقفه من تظاهرات «30 يونيو» وعزل الدكتور محمد مرسى، حيث لبّى مطالب شريحة كبيرة من الشعب بهذه الإجراءات الحاسمة التى تخرج أيضاً عن نطاق الشرعية الدستورية.

* د. هدى زكريا: يملك «باسوورد» المصريين.. وشعبيته من كونه يمثل «الضمير الجمعى»

قالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق: إن الفريق السيسى تمكّن من فك شفرة الشعب المصرى وحصل على كلمة السر. وأوضحت، فى حوارها لـ«الوطن»، أن الشعبية التى حظى بها جاءت من منطلق أنه نموذج جيد للضمير الجمعى للمصريين، موضحة أنه الوحيد الذى أعلن تحيزه وتأييده للشعب المصرى بجميع طوائفه.

لا أحد يستطيع أن يكون ديكتاتوراً على المصريين.. وملامح «السيسى» أبعد ما تكون عن سمات الديكتاتور
■ بداية نريد تحليلاً مبسطاً لشخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسى.

- لم يستطع «مرسى» وجماعته قراءة «السيسى»؛ لأنهم يتسمون بالغباء النفسى والاجتماعى، والغباء هنا لا علاقة له بأن تحصل على دكتوراه فى الهندسة أو غير ذلك. باختصار «السيسى» لديه كلمة سر الشعب المصرى (الباسوورد) التى لم يستطِع أى شخص من السياسيين على الساحة الوصول إليها وفهم ما يريده المصريون، والفريق السيسى هو الوحيد الذى استطاع أن يؤثر فى الشعب.

■ كيف حصل «السيسى» على «كلمة سر» الشعب المصرى؟

- الشعب المصرى لديه فكرة جيدة عن «الكاكى»، وأكدت ذلك من قبل حين سُئلت عن الشخصية التى ستفوز بمنصب الرئيس فى انتخابات 2012 الرئاسية من بين الـ13 مرشحاً وأكدت حينها أن المرشح الفائز يرتدى بدلة «كاكى». والفرق بين الضابط المصرى وغيره من الضباط فى أوروبا وأمريكا وأفريقيا أن الأخير إما ضابط ملك أو مرتزق، لكن الضابط المصرى والجندى المصرى عموماً يحارب من أجل الوطن، وعلى مر التاريخ لم يقف قط مع الحاكم.

■ ما السر وراء وقوف الجيش مع الشعب دائماً؟

- منذ أن تأسس الجيش المصرى حدد تحيزه للشعب، والقضية حُسمت فور أن قدم «عرابى» مطالبه للخديو ووقف إلى جوار الشعب. والفريق السيسى ينتمى إلى هذا الجيش العظيم الذى لم يخذل شعبه يوماً.

■ كيف وصل تأثير «السيسى» على الشعب إلى درجة أن يحظى بكل هذه الشعبية؟

- كل التيارات السياسية لها أنصار يتبعونها ويساندونها فى كل شىء، لكن «السيسى» خرج يعلن أنه مع الشعب المصرى كله وليس منحازاً لطرف على حساب الآخر، من هنا أدرك المصريون أن «السيسى» هو البطل القادم. وهناك فيلم قصير مدته دقيقة شاهدته أثناء زيارتى لهولندا لمباراة بين فريقين، كل منهما يتكون من لاعبين وطُلب منا أن نحصى كم مرة حصل كل فريق على الكرة، وانتهى الفيديو وسُئلنا بعد ذلك عما رأينا، وبدأ كل منا يقول كم مرة ذهبت الكرة لكل فريق، ثم أعادوا الفيديو مرة أخرى لنجد أن فيه «غوريلا» ضخمة تلوح لنا بملء الشاشة ولم نرَها؛ لأنه تم توجيهنا إلى شىء آخر، والغوريلا هنا هى مصر.. لا أحد يرى مصر.. الكل يسعى وراء الكرة، و«السيسى» هو من رأى تلك «الغوريلا»؛ لذا اطمأن له المصريون بعد أن «نجدَهم»، وجعل حزب الكنبة ينزل إلى الشوارع لتفويضه.

■ ماذا عن الكاريزما التى يتمتع بها «السيسى»؟

- «السيسى» يمثل الضمير الجمعى للمجتمع؛ فإذا أخذنا جمال عبدالناصر نموذجاً جيداً للضمير الجمعى نجد أنه يكبر فى قبره كل يوم. والفريق السيسى هو النسخة الحديثة لهذا النموذج مع اختلاف الظرف التاريخى، ومن هنا تكوّنت الكاريزما بعد أن وضع «السيسى» نفسه فى قلب مصر ونظر إلى ما لم ينظر إليه أحد؛ لذا حظى بهذه الشعبية ووقف المصريون بجواره لأنهم اعتبروه زعيماً بحق يحمل مصر على أكتافه.

■ ما الأثر الذى خلّفته شعبية «السيسى» بين طوائف الشعب المصرى؟

- «السيسى» حصل على المفتاح بسهولة وإعجاز، وكان سهلاً ممتنعاً، وأثر شعبيته ظهر فى الكثير من الأمور. التجار الآن يستخدمون اسم السيسى ويطلقونه على البلح، وبلح السيسى كان الأغلى ثمناً والأكثر مبيعاً فى رمضان الماضى، وأيضاً «شيكولاتة السيسى» و«بدل السيسى»، كما ظهرت فى أعداد المؤيدين له والشعبية التى حظى بها،.

■ متى يتحول الفريق السيسى إلى ديكتاتور؟

- تحوله إلى ديكتاتور صعب للغاية؛ لأن مصر لم يحكمها ديكتاتور إطلاقاً من قبل. إذا قرأنا التاريخ سنجد أن كل من حكم مصر لا يمكن أن يطلق عليه وصف «ديكتاتور» مقارنة بحكام ورؤساء دول كثيرة. الحجاج ابن يوسف الثقفى كان ديكتاتوراً بمعنى الكلمة، لكنه قال عن المصريين فى وصيته لـ«طارق بن عمرو» حين صنّف العرب: «لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل؛ فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم. و«السيسى» أذكى وأنبل وأكرم من أن يكون ديكتاتوراً، بدليل أن أمريكا ضده.. فكيف يكون ديكتاتوراً وهو يستمد قوته من الشعب المصرى؟! وكيف نبعث الخوف فى نفوس الناس من شىء لا يعلمونه؟! لا أحد يستطيع أن يكون ديكتاتوراً على المصريين، وملامح «السيسى» أبعد ما تكون عن سمات الديكتاتور؛ لأنه مسنود على إيمانه بالله وقوة شعبه.

* د. أحمد عكاشة: «السيسى» سيستقيل من الرئاسة لو فشل

المصريون والأجهزة المختلفة لديهم القدرة على خلق فرعون.. لكننى أعتقد أن رجلاً بثقافة «السيسى» على علم تام بمن يحاولون تغييره من شخص محبوب إلى فرعون.. «السيسى» صاحب بصيرة ورؤية مستقبلية ولن يسمح لمن حوله أو للحملات الشعبية أن تحوله إلى فرعون

يملك الدكتور أحمد عكاشة تاريخاً طويلاً من التشخيص النفسى للشخصيات العامة، بحكم خبرته وطبيعة عمله كرئيس للجمعية المصرية للطب النفسى وأول رئيس منتخب من خارج أوروبا وأمريكا لأطباء نفس العالم، وهو ما يجعله قادراً على قراءة مفاتيح الشخصية وتطور مستقبلها. من هنا تكمن أهميته فى تحليل «دماغ» الفريق أول عبدالفتاح السيسى وشخصيته وما الذى يمكن أن يطرأ عليه إذا أصبح رئيساً لمصر وأدواته التى يمتلكها وسماته الشخصية التى قد تقربه أو تبعده عن المنصب، ومدى تقبله -كرجل عسكرى- لفكرة خروج الناس للثورة عليه، هل يستجيب لهم وينسحب من المشهد أم يستعين بجيشه للبقاء فى الحكم؟!

الدكتور أحمد عكاشة، الذى تجاوزت مؤلفاته الـ60 كتاباً بالعربية والإنجليزية، فضلاً عن مئات الأبحاث المنشورة فى كبريات المجلات العلمية، هو ملاحظ جيد للسلوك المصرى، ويشغل الآن منصب رئيس مركز البحوث وتدريب الطب النفسى بمنظمة الصحة العالمية، وحصل على عدة جوائز بدأت بجائزة الإبداع الطبى عام 2000 وانتهت بوسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 2012، مروراً بجائزة النيل وجائزة الدولة التقديرية.

■ بداية، ما تحليلك لشخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسى؟

عادة ما تتميز الشخصية العسكرية بالمحافظة، وأعنى أنه لا يكون راديكالياً متطرفاً ولا ليبرالياً منطلقاً، هو بين الاثنين فى المحافظة، و«السيسى» لديه قدرة على المرونة والحوار وقبول الرأى الآخر، والواضح فى سلوكه أنه يميل إلى «الانبساطية» أكثر من «الانطوائية»، مع الاتزان العاطفى وعدم الاندفاع، وهنا نؤكد أن أخطر ما يتصف به قائد فى أى مؤسسة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية هو «الاندفاعية» وعدم التروى، اللذان يترتب عليهما هدم المجتمعات (هتلر نموذجاً)، بالإضافة إلى أن الاتزان الوجدانى فى سلوكه والهدوء يعطيان إحساساً للمتلقى بالثقة، ولنضرب مثلاً لإلقاء الخطابات من خطباء «رابعة» والتعبيرات التى كانت على وجوههم من تشنج وغضب وغل وشماتة، وحتى وجوه مريديهم، مظاهرات طلاب «الإخوان» والتشنج الواضح عليهم، وانظر فى المقابل إلى المؤيدين لثورة 30 يونيو والقبول والرضا الموجود على وجوههم. الفارق كبير، يشبه بالضبط أن تقارن بين الدعاة لجمعيات التطرف والتكفير وأصواتهم وأسلوبهم الفظ ودونية الألفاظ نحو الآخر، وقارن بينها وبين خطابات «السيسى» أو إجاباته عن أسئلة الإعلام، لتتأكد أن عند «السيسى» ما نطلق عليه علمياً «الهدوء والاطمئنان النفسى». قد يكون داخل صاحبه غليان شديد وصراعات مختلفة، لكن قدرته على التعبير بهدوء نفسى تمنح القبول والرضا والثقة للآخرين.

قارن بين خطابات «رابعة» وخطابات «السيسى» لتتأكد أن لديه ما يسمى عملياً بـ«الهدوء والاطمئنان»
■ هل «السيسى» كقائد عسكرى يمتلك مؤهلات قيادة الدولة؟

- فن القيادة يعتمد على عدة أسس، أولها: امتلاك رؤية مستقبلية شاملة، لا تمكن تجزئتها ليحل بعضها ويُترك الآخر، فإن لم يكن لدى القائد رؤية شاملة للأمن والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسى والاقتصادى، وقبل ذلك التعليم والصحة، فلا ينبغى له أن يتصدر المشهد، وهنا أؤكد أننى لا أجد كثيرين يفكرون بالرؤية المستقبلية الشاملة فى الوقت الراهن، قليلون من يمتلكون ذلك ومن بينهم «السيسى»، كذلك مهم جداً لمن يشغل منصباً قيادياً أو رئاسياً أن يمتلك الفراسة فى اختيار المساعدين وتوزيع الأدوار بينهم؛ فالقائد الذى يعمل وحيداً يفشل، والقائد الذى يسىء اختيار مساعديه يفشل أيضاً، وهنا تبرز أهمية المؤسسة العسكرية التى ينتمى إليها «السيسى»، والتى لا يترقى فيها أى شخص إلا بعناية شديدة وتعطى قياداتها خلفية للاختيار بناء على دراسة وافية. وهناك أيضاً «الفكر الاستباقى» الذى يميز قائداً عن قائد ورئيساً عن آخر، فنحن فى مصر لدينا مشكلة أننا محاصرون فى قرارات القيادة فى جانب «رد الفعل» وليس «الفعل»، لكن التفكير الاستباقى يعطى الناس مصداقية فى أنك تستطيع حل المشاكل وأن تجد حلولاً مبتكرة بدلاً من نظرية «أعمل لكم إيه؟ انتو بتزيدوا كل سنة مليون ونص.. أأكلكم منين؟».. هذه الصفة -التفكير الاستباقى- موجودة لدى «السيسى»، الذى يميزه أيضاً فى أحاديثه قدرته على التواصل الشديد وتوزيع الأدوار، كذلك من صفات القيادة القدرة على العمل بروح الفريق ضمن ما يمكن أن نطلق عليه «الثقافة العلمية»، التى رغم أهميتها الشديدة لا ينتبه إليها معظم المصريين، وتضم ثلاث نقاط، أولاها: المصداقية وتحمل المسئولية وإتقان العمل بانضباط شديد، وثانياً: التعاون والعمل بروح الفريق والتسامح (عدم الشماتة فى أى تصرف)، وثالثاً: تجاوز الذات. هذه هى إشكالية «الثقافة العلمية» التى من خلالها تنهض الشعوب، وهى عملية أخلاقية فى الأساس؛ فالأخلاق لا تُتوارث، لكنها تُكتسب من المجتمع والبيئة المحيطة.

■ هناك اتهام لأداء «السيسى» بأنه مسرحى!

- قديماً قال سقراط: «العلم تواكبه الفضيلة». وأنا أقول: «السياسة تواكبها المراوغة»، فأى سياسى يجب أن يظهر أمام الشعوب أو الجماهير بصورة تختلف بعض الشىء عن حقيقته، لكن ليس فى «التفكير» أو «الثقافة العلمية». ودعنى أسأل بدورى: هل لعب «السيسى» دوراً سياسياً حتى الآن؟ أحيل إجابة السؤال إليك؛ لأنه يقودنا إلى فكرة «ثورة أم انقلاب؟».

الشعب هو من ضغط، وهو استجاب واتخذ القرار بالانحياز للجماهير التى خرجت إلى الشوارع والميادين ثائرة لتضعه فى صدارة المشهد، والذى يقول إن أداء «السيسى» مسرحى لا يختلف كثيراً عمن يقول إن «30 يونيو» انقلاب، فما حدث ثورة شعبية وضعت «السيسى» فى الصدارة وفرضت عليه أن يقوم بهذا الدور، واستجابته لها أدخلته القلوب.

■ الملاحظ على الرجل ثباته الانفعالى.. هل تتوقع أن يستمر؟

- أعتقد أن التدرج الوظيفى له يمكّنه من ذلك؛ فهو غير مندفع، يستطيع التحكم فى مشاعره، ولعله استفاد من فترة عمله فى المخابرات، ونحن فى الطب النفسى نطلق عليهم «أصحاب وجه لاعب البوكر» الذين لا تعرف من وجوههم أى شىء ولا فيم يفكرون أو يشعرون، وبالمناسبة نفس هذا الوصف يمكن أن نطلقه على الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، لكن هذا موضوع آخر.

قد يكون فى داخله غليان شديد لكن قدرته على التعبير تعطى القبول والثقة لدى الآخرين
■ ما الذى تقرأه كطبيب نفسى فى خطاباته؟

- إنه يستطيع أن يرتفع بحديثه ليخاطب النخبة وفى نفس الوقت ينزل بالخطاب ليحدث العامة، هذه القدرة على التواصل مع فئات الشعب المختلفة إحدى الصفات المطلوبة فيمن يتولى قيادة وطن، لكن هناك ملاحظة مهمة؛ ففى أحد الخطابات قال: «الشعب يحتاج لحنان»، وهنا نعود إلى أصل الجملة التى تُستخدم غالباً فى التربية النفسية؛ فالحنان يرتبط به حسم حتى لا تختلط الأمور، ونحن رأينا حناناً ولم نر الحسم.

■ بغض النظر عن تفاصيل دعوة «السيسى» للتفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب.. ألا تعتقد أنه كان يحتاج إلى وقوف الناس بجانبه؟

- مبدئياً دعنى أقُل: إن أى شخص انتصر فى معركة من أجل وطنه طالبه الشعب بالقيادة. التاريخ يقول ذلك.. شارل ديجول فى فرنسا، وأيزنهاور فى أمريكا على سبيل المثال، وما فعله «السيسى» بالانحياز للناس لإنقاذ مصر من محنة الحكم الفاشى دون أن يكون معه الغرب أو الشرق، يجعله كشخص -بغض النظر عن أى تفاصيل تبدو غير معروفة أو النقاش فيها غير مطروح الآن- فى حاجة إلى مساندة الناس، وهو ما حدث بالفعل كتعبئة عامة شعبية، أكدت للرجل أنه ليس وحده فى مواجهة كل القوى الخارجية والداخلية.

■ هل يمكن أن يفعلها «السيسى» ويستقيل كما استقال «ديجول»؟

- دعنى أقُل: إن خطب «السيسى» تكررت فيها كلمة الشرف والشرف العسكرى، وعادة ما تكون التربية فى المؤسسات العسكرية تبجل الكرامة والشرف والمصداقية؛ لذا عندما حدثت إضرابات الطلبة فى فرنسا أمر «ديجول» باستفتاء شعبى وقال: «إذا لم أحصل على 60% لن أستمر لأن كرامتى لا تتحمل»، وأتت النتيجة بـ56%، وبما أنه رجل تربى على الشرف العسكرى استقال وترك القيادة لمن بعده، هذه هى صفات القيادات فى المؤسسات العسكرية، وعندنا فى مصر بعد هزيمة 67 تنحى «عبدالناصر».

■ هل كان صادقاً؟

- نعم كان صادقاً جداً فيها، أشهد على ذلك بحكم ما رأيته وما درسته؛ حيث خرج الشعب ليصر على بقاء الشخص الذى أتى لهم بالهزيمة «الزعيم الملهم الكاريزمى». ونفس القصة مع «مبارك»، فرغم كل الفساد الذى ظهر فى عصره، وعندما وجد الشعب يرفض بقاءه تنحى ولم يهرب من البلد.

■ ما دلالة تكرار القسم بالله فى خطاباته؟

- يريد أن يعطى لخطابه أو كلمته المصداقية الحقة وهى القسم بالله، الذى لا يضاهيه أى شىء آخر، وبالمناسبة يمكنك أن تقارن بين قسمه بالله وتنفيذه لقسمه، وبين قسم المعزول بالله 3 مرات على احترام القانون والدستور وأن يكون رئيساً لكل المصريين، ثم يطيح بالقانون والدستور، وكان رئيساً لجماعته، لتتأكد من الفارق الشديد بين القسم الحقيقى والقسم الزائف.

■ ألم تتخيل -بصفتك طبيباً نفسياً- أى لقاء بين «مرسى» و«السيسى»؟

- فرق كبير بين تفكير وحوار شخص يعمل بفكر جماعة متطرفة تسعى لتمكين مشروعها وتنفيذ أهداف تنظيم متشعب فى العالم أياً كانت نتيجته ويدير حواراً من هذا المنطلق، وتفكير رجل يعمل لحساب الوطن والمصريين، ولديه خلفية لأهداف وما يمكن أن يرمى إليه فى أى جملة ودلالتها. طبعاً الاختلاف بين الاثنين واضح، و«السيسى» تحمّل «مرسى» ونصحه كثيراً -كما قال فى حواراته وتسجيلاته وخطاباته- بأن يتخلى عن الجماعة لحساب الوطن، لكنه لم يستجِب.

■ كيف تثق فى ألا يتحول «السيسى» إلى فرعون بعد الرئاسة؟

- المصريون والأجهزة المختلفة لديهم القدرة على خلق فرعون، لكننى أعتقد أن رجلاً بثقافة «السيسى» وتدريبه الخاص على علم تام بمن يحاولون تغييره من شخص محبوب إلى فرعون، وهو شخص صاحب بصيرة ورؤية مستقبلية ولن يسمح لمن حوله أو للحملات الشعبية وخلافها أن تحوله إلى فرعون.

■ تحويل أى حاكم إلى فرعون عملية سهلة وقد لا يتمكن الحاكم من إيقافها ويتحول دون أن يدرى!

- هذا ما يجعلنى أخشى على الرجل الذى رفع -فى مدة قصيرة- معنويات القوات المسلحة، التى هى كما نعرف جميعاً المؤسسة الوطنية الوحيدة المنظمة حالياً، أن يتركها إلى رئاسة الجمهورية، والتى سيكون العمل فيها كله سياسة بما فيه من نتائج وتبعات لا تبدأ بالنقد ولا تنتهى بالإهانات، مروراً طبعاً بالإضرابات والاعتصامات التى قد لا تتحملها أخلاقياته.

■ بمعنى؟

- يستطيع -من موقعه الحالى- أن يعمل لمصر وللقوات المسلحة بشكل أكبر وأقوى من وجوده كرئيس جمهورية، وهذا رأى خاص بعيداً عن التحليلات الشخصية والنفسية، ولكل شىء اعتباراته، لكننى أطرح وجهة نظرى خشية أن يفقد إمكاناته فى تفاصيل كثيرة.

■ أنا لا أفهمك، أنت تتحدث عن مواصفات قائد وتؤكد أنها موجودة فى «السيسى»، ثم تقول إن وجوده فى موقعه أفضل من الرئاسة.. كيف؟

- يبدو أن قدرتى على وصف المزاج الشعبى ومزاج الفريق السيسى سينتابها بعض الحيرة؛ فهو يصلح تماماً لقيادة الوطن؛ لأن لديه من الصفات فى شخصيته وتفكيره ومزاجه وتوقعاته المستقبلية ما يؤهله لذلك، وما رأيناه منه فى كيفية إدارته لأزمة وقف فيها فى وجه قوى دولية وتنظيمات عنقودية منتشرة فى شتى أنحاء العالم، وجماعات ضغط تمارس توحشها ضد الوطن بحجج واهية، دون أن تطبق تلك الحجج على بلدانها، يجعلنا أمام نموذج حقيقى للقائد الذى يستطيع أن يمر بالبلاد إلى المنطقة الآمنة، ومنها إلى المستقبل. لكننى فى نفس الوقت أخشى على صاحب كل هذه الصفات من الدخول الآن إلى عالم السياسة لتذوب تلك الصفات فيها.

■ «السيسى رئيساً».. ما الذى تتوقع أن يتغير فى صفاته ونفسيته؟

- لا شك أن منصب رئيس الجمهورية يُحدث تغييراً فى أى إنسان حتى إن كان نبياً، بسبب الهالة التى تحيط بالمنصب، أما فى حالة مصر فعندما يعرف الرئيس القادم أنه -لاحقاً- سينضم للسابقين القابعين خلف القضبان بسبب غضب شعوبهم من تصرفاتهم وأدائهم، سيختلف السلوك والأداء. وبما أن الشعب الآن من القوة بحيث يستطيع إزاحة أى ديكتاتور.. فلا أعتقد أن أى رئيس قادم -سواء «السيسى» أو غيره- يمكن أن يفكر فى حكم مستبد.

■ من تراه بديلاً لـ«السيسى» فى رئاسة مصر؟

- فى العلوم السياسية وعلوم الثورات، هناك ما يطلق عليه «زعيم اللحظة»، وهو زعيم يظهر دون مقدمات مثلما حدث مع «السيسى»، قبلها لم يكن هناك زعيم، وعموماً سنرى فى الأيام المقبلة إن كان سيخرج «زعيم لحظة» غيره أم لا! وبصفة عامة هناك كثيرون فى مصر يصلحون.. وإن كنت أريد ألا يزيد عمره على 60 عاماً.

■ هل أنت مطمئن لـ«السيسى»؟

- مطمئن وأثق فيه تماماً.

* عامل بمعهد السكر:«لو قابلت السيسي هبوس دماغه وأقوله شكراً»

ما بين مدينة 6 أكتوبر ووسط البلد، يقطع أشرف حماد تلك المسافة التى تقدر بأكثر من 30 كيلومتراً، فى سبيل الوصول إلى عمله، حيث معهد السكر بشارع قصر العينى. يلفت نظره جرافيتى «السيسى قاتل»، فيما تقلب عيناه صفحات الجريدة التى اشتراها للتسلية طوال الطريق ليستوقفه خبر بعنوان: «أنباء عن ترشح الفريق السيسى لرئاسة الجمهورية». خلال عهد المجلس العسكرى وقت أن كان المشير طنطاوى على رأسه فى الفترة الانتقالية، كان الرجل الأربعينى يحاول بقدر الإمكان التصويت للحكم المدنى المتمثل فى الفريق أحمد شفيق، بعد أن أتعبه الحال خلال حكم المجلس العسكرى، لكن له فى «السيسى» رؤية مختلفة، فهو من استطاع أن يحمى الشعب المصرى بكامله من جماعة الإخوان وتجارتها للدين.

«الإسلام مش هيخلص ومش هيموت».. حسب «حماد» -رب الأسرة المكونة من 4 أفراد- معلقاً على حكم «الإسلاميين»، ومشيراً إلى كلمات «الشعراوى» -رحمه الله- فى إحدى الخطب التى تذاع بشكل دورى على شاشات التليفزيون: «مصر هى التى صدّرت الإسلام حتى إلى البلد الذى نزل فيه الإسلام»، متابعاً: «اللى كانوا بيحكمونا للأسف مش إسلاميين ولا يعرفوا شىء عن دين السماحة، لكنهم تاجروا بآيات الله للوصول إلى مبتغاهم».

لا يستطيع «حماد» وصف مشهد ترشح الفريق السيسى لرئاسة الجمهورية، لكنه يؤيده وبكل قوة، إلا أن فى صدره غصة من الانقسام: «أنا خايف إن ترشحه للرئاسة يقسم المصريين أكتر وأكتر، لأن فيه ناس كتير مش متفقة عليه»، واصفاً ذلك المشهد، لو قابل «السيسى» وجهاً لوجه: «هابوس دماغه وأقول له شكراً لأنك أنهيت حكم الإخوان»، قبل أن يستطرد: «المشكلة الحقيقية إن الأوضاع فى البلد بتسوء يوم ورا التانى».

«بـ10 جنيه عيش فينو و5 جنيه جبنة» وأموال أخرى يصرفها لتوفير المعيشة الكريمة، أضف إلى ذلك كله المواصلات التى تكلف «حماد» أكثر من 15 جنيهاً، لأن «الأتوبيس أبوجنيه ما بقاش يعدى كتير»، علاوة على «أكلة المسقعة» التى دفع فيها الرجل أكثر من 35 جنيهاً، كل هذه أوضاع يجدها «حماد» غير مبشرة بالخير، قبل أن يغير حديثه حول الفريق السيسى: «حتى لو ما رشحش نفسه للرياسة.. أى شخص موجود فى السلطة هيكون السيسى فوقه لأن الشعب واثق فيه»، قبل أن يحلل المشهد السياسى: «إحنا محتاجين ديمقراطية بجد.. أفعال وليس أقوال. إحنا بقالنا أكتر من 30 سنة بنسمع وخلاص».

* مواقع التواصل: الهجوم خير وسيلة للدفاع

تحول اسم «السيسى» إلى عنوان لجدل واسع على موقعى التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر». البعض جنّد نفسه للدفاع عنه عبر صفحات مثل «ألتراس عبدالفتاح السيسى».. «السيسى».. «السيسى قاهر الإخوان»، والبعض أصبح يقضى وقته فى سبه والهجوم عليه. الحالة الجدلية ازدادت بشكل ضخم عقب حلقة «البرنامج» للإعلامى باسم يوسف؛ المهاجمون ازدادوا هجوماً والمدافعون ازدادوا دفاعاً، فيما اتخذ البعض موقفاً محايداً، واعتبر البعض الآخر وسائل التواصل الاجتماعى وسيلة للنداء والمخاطبة، مثل «مونيا» التى تماهت مع الرسالة الشهيرة «أرجوك لا تشرب هذا الدواء.. فيه سم قاتل»، موجهة حديثها لـ«السيسى»: «إلى الفريق السيسى القاطن فى وزارة الدفاع.. لا تقبل المنصب الذى يعرضونه عليك.. المنصب فيه فخ قاهر». كذلك الأمر مع الشابة «سارة» التى وجهت رسالتها للفريق على «تويتر» قائلة: «شكراً لك سيادة الفريق عبدالفتاح السيسى لشعورك بالغلابة.. وما يهمكش من بتوع السبوبة لأن ربنا معاك».

«هو السيسى مش عاوز تفويض عشان يحارب الفقر، ولا هو تخصص إرهاب قسم تيار إسلامى؟».. نقد شديد وجهته «هانم عجمى» على صفحتها للفريق السيسى. أما «أحمد راشد» فقد أصبح يرى وزير الدفاع فى كل شىء حتى كرة القدم.. يقول: «الزمالك بيلاعب الإنتاج الحربى.. وفيه لاعب فى الإنتاج اسمه السيسى.. لعيبة الزمالك تيجى قدامه ورُكبها تخبط فى بعض والهجمة تتقطع». أما «سيد ريان» فقد كان له رأى آخر: «السيسى أحسن دكتور نفسى.. مصر محتاجة علاج نفسى».

الرافضون من المصريين إلى «الفريق المحبوب»: منصب الرئيس فيه فخ خطير»
المحايدون اعتبروا الهجمة الشرسة نوعاً من التفاهة، مثل «محمد الأباصيرى»، الذى لفت نظره شىء مختلف تماماً: «مهندس متخرج من 4 سنين عنده أزمة نفسية وانتحر لأنه مش لاقى شغل، وناس لسه بتتكلم عن السيسى وباسم.. يخرب بيت تفاهتكم».

«يا جواهرجى.. اعملى دلاية سيسى».. شعار «هاشتاج» على «تويتر»، بعد أن تداولت الصحف أنباء عن رواج صورة الفريق أول السيسى على المصوغات الذهبية، الأمر الذى أثار شهية الكثير من النساء. أما تسريبات «رصد» فيبدو أنها تحولت إلى وجبة شهية لمحبى الفريق الذين وجدوا فيها مرادهم وأصبحت تسليهم عن نقص خطابات الفريق. «جيهان منصور» كانت ممن انتظروا أحدث التسريبات وكتبت: «قائد جيش وطنى يحث ضباطه على الأخلاق والتماسك والفخر بمصر، ويؤدى واجبه بكل تواضع ومهنية وموضوعية.. (رصد) تتحدى الملل!».

«إيمان رحمة» كانت واحدة ممن بدا أنهم حسموا الصراع الذى أعقب الحلقة الشهيرة: «باسم حلو ولّا وحش؟ مرسى حلو ولّا وحش؟ كله مش مهم.. المهم إن الفريق السيسى ما يختلفش عليه اتنين». أما «محمد محمود» فقد اقترح فكرة مختلفة تماماً: «عيد ميلاد الفريق السيسى يوم 19 نوفمبر، كلنا هنبعت له بوكيهات ورد على وزارة الدفاع بالعباسية، ونكتب فى الكارت: كل سنة وانت طيب، اترشح للرئاسة، مصر محتاجة لك».. داعياً المعجبين بالفكرة إلى نشرها.

على موقع «فيس بوك»، حيث تتعدد الصفحات المؤيدة والمدافعة عن الفريق وكذلك المعارضة له، بدا أن الطرفين غير راضيين عن الطريقة التى تم بها تناول الفريق فى حلقة الإعلامى باسم يوسف. الصفحات المؤيدة اعتبرت الأمر إهانة للرجل ولمحبيه، وطالبوا بإلغاء البرنامج ككل، مثل صفحة «ألتراس الفريق عبدالفتاح السيسى»، موجهين منشوراً إلى متابعيهم: «اعتذار السى بى سى مرفوض، لو ما أخدتش بالك إن باسم يوسف امبارح قال على نزولك يوم 30 إنه عدد على الفيس بوك وإن فض اعتصامات الإخوان كان عنيف والشرطة مسئولة، وخﻼك تتريق على الشىء الوحيد اللى انت عملته من سنتين غير إنك تكون زعﻼن وغضبان وبتستنى برنامجه علشان تضحك، انت ابتديت تتريق على جيشك وشرطتك وسمعت جملة مصر اتقسمت بعد 30 يونيو وعدت عليك وان الشرطة عنيفة وعدت عليك وان الجيش مش السيسى.. يبقى لسه ما عرفتش إن عقلك وإدراكك ووعيك هى ساحة الحرب اللى داخلة فيها بلدك».

أما الصفحات المعارضة للفريق كصفحة «السيسى خائن» وغيرها فقد اعتبرت النقد الذى جرى توجيهه إلى الفريق فى البرنامج تم تحضيره قبلها، مروجين لمجموعة من الأكاذيب تقول إن الفريق شاهد الحلقة قبل عرضها ووافق عليها، فيما تخطت بعض الصفحات الأمر إلى التأكيد أن وزير الدفاع ضحك من الحلقة وأعجبه التكريم الذى لقيه فيها!

* سياسيون: إذا امتنع«السيسي»عن الترشح سيصاب الشباب«بإحباط شديد».. لكن مصر ستخطو نحو ديمقراطية حقيقية

ما بين تخوفات من مصير أمنى وسياسى وعالمى مجهول لمصر، وأفكار أخرى تطمح لرئيس مدنى بعيداً عن الحكم العسكرى.. تباينت آراء بعض السياسيين وخبراء عسكريين حول تصوراتهم والسيناريوهات المتوقعة إذا لم يتول الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، حكم مصر فى المرحلة المقبلة. بعضهم يرى أن القرار لم يعد بيده، فلا بديل عن ترشحه للرئاسة وإلا عادت مصر إلى فترة ضبابية جديدة، والبعض الآخر يطمح إلى أن يبتعد عن المشهد السياسى ويكتفى بما حققه من نجاح وشعبية واستقرار أمنى، ويكثف جهوده فى حماية الحدود والقضاء على الإرهاب، لكنّ الطرفين متفقان على أن الشعب وحده هو أكثر من سيصاب بالحسرة فى حال اختفائه عن المشهد السياسى.

على طريقة الـ«فلاش باك» بَنَت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى رؤيتها لمصير الدولة فى حال غياب «السيسى» عن الانتخابات الرئاسية المقبلة. استرجعت بعض مشاهد الستينات وفترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقالت: «الزعامة لا تُفرَض، والشعب عندما ينعت أحداً بتلك الصفة فهو يحمّل صاحبها مسئولية كبيرة. فى الستينات عشنا فترة من التنظير السياسى، وفى تلك الفترة التى قال عنها أعداء الوطن (وما أدراك ما الستينات) كانت هناك معارك من أجل مصلحة المواطن المصرى البسيط، وقتها لولا وجود الزعيم ما حققنا الحد الأدنى للأجور والإصلاح الزراعى ومبنى مجمع الألومنيوم ومفاعل إنشاص وغيرها من المشروعات، وعندما قرر ناصر أن يتنحى خرجنا وقلنا (إحنا الشعب أصحاب الحق.. لأول مرة نقول لك لأ)، تتشابه أحداث اليوم بالبارحة، تطور البلد ومستقبله السياسى والاقتصادى لن يحدث إذا غاب زعيم هذا الزمان الفريق السيسى».

وباستياء شديد هاجمت «الشوباشى» من أطلقت عليهم «المنظرون داخل مصر وخارجها»، الذين قالت إنهم يأملون فى عدم وصول «السيسى» للرئاسة: «يتحرق الأمريكان على إسرائيل وقطر وكل المنظّرين الذين يتشدقون بعبارات المدنية وكره العسكرية. من قال إننا سنقع فى حكم عسكر؟ مصر مهددة بالتقسيم والتمزيق، وهناك مخطط كان فى طريقه للتنفيذ سواء بالتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان وعن جزء من سيناء لفلسطين، أو الفرقة بين الشعب من الأساس، نحن نعيش فترة حالكة لا تقبل الحلول الوسط، إذا اختفى السيسى سنعود لضبابية المشهد بأسوأ ما فيه، أضف إلى ذلك التقاتل المصرى بين جماعة تبحث عن العودة إلى حلم الحكم وجمهور قال كلمته وأعطى ثقته لوزير الدفاع وكان أهلاً لها؛ إذ يمتلك الرؤية والمشروع اللذين يجعلان المصريين يلتفون حوله، وعدم وجوده كرئيس فى المرحلة المقبلة يعنى عدم خروجنا من انتكاسة حكم الإخوان التى تمت على مدار عام، ولا ننسى أن أكبر عدد أصوات حصل عليه المرشح الرئاسى فى الانتخابات الماضية كان 5 ملايين و700 ألف صوت، فى حين أن السيسى نزل لتأييده أكثر من 35 مليون مواطن».

اللواء طلعت أبومسلم، الخبير العسكرى، قال: إن مستقبل مصر سيكون غير واضح إذا لم يتولَّ وزير الدفاع السلطة وسط الظروف الحالية، وتابع: «ما نشهده الآن يؤكد أن السيسى سيخفف من المشكلات، خاصة أننا نفتقر للتنظيمات السياسية المحترمة التى تستطيع أن تقود العمل الوطنى؛ ففكرة وجود القائد تبعث الأمل، لكن غيابه سيؤدى إلى إحباط شديد وعدم شعور بالأمان، خاصة وسط تكهنات بمن سيفوز بالحكم، ولا ننسى أن مصر ليست بها مؤسسات تستطيع أن تقود البلد».

وعن مصير المؤسسة العسكرية قال «أبومسلم»: ليس هناك قلق حيال الجيش، لكن عدم وجود «السيسى» رئيساً يجعل التخوف الأكبر على مصر كلها وليس المؤسسة العسكرية التى لها كيانها المستقل. لن تتوقف العمليات فى سيناء، وستظل الحدود مراقَبة بحرص، لكن سيظل هناك تخوف من قِبل الرئيس المدنى تجاه وزير الدفاع، وسيسعى لإرضاء المؤسسة بأكملها، ولا أستبعد فى ذلك أن يتكرر مصير المشير طنطاوى مع الفريق السيسى، ووقتها سنقع فى غضب شعبى.

على الجانب الآخر، يرى عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، أن غياب «السيسى» سيعطى فرصة كبيرة لوجود مرشحين رئاسيين من مواقع وتيارات مختلفة فى علاقة تنافسية قوية من أجل الوصول للحكم، وهنا نبدأ أولى خطوات الديمقراطية التى يعرفها المصرى جيداً، ويعرف أن لها نتائج عليه أن يسعى إليها: «من يتحدثون عن تخوفاتهم من رد فعل الشارع المصرى فى حال غياب السيسى عن الحكم وعن المشهد السياسى ككل لا يريدون لنا أن نتقدم خطوة للأمام، لا بد أن يعتاد الشعب على عمليات التحول الديمقراطى ويغير من تفكيره من النطاق الضيق إلى دائرة مفتوحة».

فى الوقت نفسه، تمسك اللواء أحمد عبدالحليم، الخبير العسكرى، بفكرة عدم ترشح وزير الدفاع للرئاسة، مؤكداً أن «السيسى» أعلنها على لسان المتحدث العسكرى، ووقت حدوث ذلك لا خوف على المؤسسة العسكرية فى حال عدم توليه الحكم، مؤكداً أن العكس هو السيناريو المتوقع، وهو أن الفريق وجيشه سينالون قسطاً من الراحة ويتفرغون وقتها لممارسة الدور الأهم، وهو الحفاظ على الدولة وحماية الحدود. كما استبعد اللواء مختار قنديل، الخبير العسكرى، حدوث قلق أو تخوف إذا تمسك «السيسى» برأيه ولم يرشح نفسه للرئاسة، وقال: «وقتها سيظل وزير دفاع يقوم بدوره، وسيتقدم أكثر من شخص، سواء من مدنيين أو عسكريين، للترشح، وسيعود الجيش بكل قوته لمهمته الأساسية وهى حماية الأمن القومى ومحاربة الإرهاب، وستظل عمليات محاربة الإرهاب تؤدى واجبها، وإن كان التكهن بتلك المرحلة صعباً؛ لأن السيناريو وقتها يمكن أن يتغير تماماً ويترشح السيسى بسبب الضغط الشعبى.

* سياسيون وصحفيون: رؤية واضحة لإدارة البلاد.. ومشروع قومى يلتف حوله المصريون في حالة حكم «السيسي» لمصر

على الرغم من تصريح الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، أكثر من مرة، بأنه لن يترشح للرئاسة وأن القوات المسلحة لن تدعم أياً من المرشحين، إلا أن خيار ترشح الرجل العسكرى للمنصب لا يزال مطروحاً من جانب بعض الذين يجمعون التوقيعات لتحقيق «شرعية شعبية» لمطلب ترشح «السيسى» للرئاسة، فيما يتساءل آخرون عن قدرة الرجل على طرح مشروع يقيل مصر من عثرتها ويحل الأزمات المتراكمة التى يعانى منها المواطن المصرى منذ قيام ثورة يناير.. وكلا الموقفين يضعنا أمام سؤال واحد: ماذا لو ترشح «السيسى» للرئاسة؟

الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، قال: «نحن أمام مطالبات شعبية تكاد تشمل غالبية الشعب المصرى، كلهم يجمعون على ضرورة أن يرشح الفريق السيسى نفسه رئيساً للجمهورية فى الانتخابات لعدة أسباب، منها أنهم ينظرون إليه باعتباره المنقذ الذى خلّصهم من حكم تنظيم الإخوان بعد خروج أكثر من 30 مليون مصرى للميادين، وأن عليه أن يستجيب لمطالبهم كما استجابوا لطلبه عندما طلب منهم النزول إلى الشوارع للتفويض». وتابع الكاتب الصحفى: «معظم المصريين لا يجدون من بين الموجودين على ساحة العمل السياسى من يصلح لهذا المنصب، وكلهم بقايا معركة انتخابية قديمة، ويصعب أن يتوافق كل المجتمع المصرى على مرشح منهم، خصوصاً أنهم يتنازعون ويتسابقون كما تسابقوا وتنازعوا فى انتخابات الرئاسة». وأشار إلى أن هناك قلقاً مصرياً من أن تؤدى كثرة المرشحين إلى تفتيت الأصوات بما يمكن تيار الإسلام السياسى من أن يفوز مجدداً، خصوصاً أنه على الساحة السياسية، يوجد حمدين صباحى وعمرو موسى وأحمد شفيق وسامى عنان، كما يتردد حالياً، بينما يحاول الإسلام السياسى أن يجمع نفسه وراء «أبوالفتوح» الذى تكشّف بالفعل أنه جزء لا يتجزأ من تنظيم الإخوان.

وتابع «مكرم»: «المشكلة التى تواجه غالبية المصريين الآن أن السيسى أعلن أنه لن يترشح لانتخابات الرئاسة، وأن الجيش لن يتدخل فى العملية السياسية، الأمر الذى تسبب فى إحباط شعبى، وهناك كثيرون فكروا فى أن إجبار السيسى يحدث بالنزول إلى الشوارع كما حدث فى 30 يونيو، فهل يضطر السيسى إلى الاستجابة للشارع، أم إنه سيظل على موقفه».

وأضاف «مكرم»: «هناك مجموعات واسعة، وإن لم تكن تشكل الأغلبية من المصريين، ترى أن المكان الأفضل للسيسى هو أن يبقى وزيراً للدفاع إلى أن تنتهى مصر من التخلص من بؤر الإرهاب فى سيناء، ويتحقق الاستقرار الداخلى، ويسحب كل آثار سقوط مرسى ونهاية حكم الإخوان، ولا يصبح أمامهم سوى الامتثال للأمر الواقع، لأن وجود السيسى على رأس وزارة الدفاع سيمكنه من حماية الإرادة الشعبية، ويزيد من أهمية هذا الرأى أن السيسى بنفسه أكد أكثر من مرة أنه يفضل البقاء فى موقعه حمايةً للثورة، لأنه يعتقد أن حماية الإرادة الشعبية أهم من أن يصبح رئيساً للجمهورية. ووصف «مكرم» السيسى بأنه «سيكون رئيساً قوياً مؤيَّداً من الشعب، وستمكنه القوة من إصدار قرارات لا يستطيع أن يصدرها غيره، كما أن هذه القوة ستجعله أكثر قدرة على إلزام كل مؤسسات الدولة بتحقيق أهداف الثورة.

وقال الدكتور سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية: إن القبول الشعبى والكاريزما التى يتمتع بها «السيسى» كانا دافعاً لمطالبات الكثيرين بترشحه للرئاسة، مؤكداً أنه فى حال أصبح رئيساً لمصر فينبغى أن يضع رؤية واضحة لإدارة البلاد، ومشروعاً قومياً يلتف حوله المصريون، مشيراً إلى أن كاريزما «السيسى» ليست كل شىء، فلا بد أن يكون مدعوماً بمجموعة من المستشارين لديهم القدرة على التخطيط لمستقبل البلاد والنهوض بها من الأزمات.

وأضاف «غطاس»: «هناك فراغ حقيقى فى مصر يجعل المصريين فى حيرة شديدة عند اختيار الرئيس، لذلك ظهرت مطالبات بالضغط على الفريق السيسى للترشح». وفى إشارة إلى تخوف البعض من «عسكرية السيسى» وتأثيرها على النظام الديمقراطى والحكم المدنى المأمول، قال «غطاس»: إن «عودة الدولة العسكرية أمر مرفوض، لأنه لا يمكن أن تعود البلاد للوراء»، مطالباً بإنهاء كل ما يرسخ تلك الفكرة، كأن يتولى اللواءات المتقاعدون مناصب مدنية فى الدولة، وهو عُرف ينبغى القضاء عليه نهائياً، ليصبح تولى المناصب بمعايير واضحة وأسس معروفة للجميع. وأشار «غطاس» إلى أن «وضع المؤسسة العسكرية فى حال تولى السيسى مقاليد الحكم ينبغى أن يتساوى مع أوضاع باقى مؤسسات الدولة»، موضحاً أنه «فى الدول الديمقراطية يجب ألا يكون للمؤسسة العسكرية امتيازات خاصة، وذلك لا يعنى عدم تقدير دور الجيش، فقط نقول إنه يجب ألا يتمتع بامتيازات أعلى من باقى المؤسسات». من جانبه، قال الدكتور مصطفى علوى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن موقف الفريق السيسى فى «30 يونيو» ورسائله البسيطة والمؤثرة دفعت الكثيرين لمطالبته بالترشح للرئاسة، خصوصاً أنه يتميز بـ«كاريزما» افتقدها الناس خلال الثلاثين سنة الأخيرة. وأوضح «علوى» أن عدداً من المواطنين يتوقعون أن يكون صاحب «الكاريزما» لديه قدرة على حل المشاكل، وتابع: «الأساس فى أن ينجح المجتمع هو تأسيس نظام مؤسسى قادر على حل المشاكل، لا بد أن تكون لديه رؤية ومجموعة من المعاونين يساعدونه على صياغة تصور سليم لحل هذه المشاكل، ولا بد من اختيار دقيق للعلماء الذين يضعون الخطط حتى يصبح نجاحه مؤكَّداً فى تولى أمور البلاد».

المصدر: الوطن

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على ملف خاص| "السيسي".. "الجنرال الحائر في عيون محبيه وكارهيه"

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
69935

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
استطلاع رأي طريق الأخبار
أرشيف استطلاعات الرأي

استطلاع رأي طريق الاخبار

أهم توقعاتك لمستقبل مصر بعد تنصيب السيسي؟

إظهار النتائج

نتائج استطلاع رأي طريق الاخبار لا تعبر عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي المشاركين في الاستطلاع

إرسل إلى صديق
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث الاخبار العربية والعالمية