خبير معلوماتي
في أحد المؤتمرات العربيّة عن الأمن المعلوماتي، تحدّث خبير المعلوماتيّة الأميركي لاري روربو عن مسألة خبير المعلوماتيّة إدوارد سنودن وما أثاره تمرّده من وقائع لم يعد في المستطاع إدارة الظهر لها. ولفت روربو إلى أن سنودن يعطي مثالاً عن أخطار لا يجري التنبّه إليها كثيراً في الأمن المعلوماتي، خصوصاً دور العامل البشري في الأمن المعلوماتي.
وقال روربو: «أن يكون إدوارد سنودن خبيراً معلوماتيّاً مُعتمداً في شركة كبرى للكومبيوتر والشبكات الإلكترونيّة، هو أمر يحمل أكثر من درس. إذ تمكّن سنودن من تفجير الفضيحة، لأنه كان خبيراً يعمل من الداخل في الشركة، وكذلك داخل «وكالة الأمن القومي» أيضاً. هذا يعطي نموذجاً عن أرتال من الأشخاص المُشابهين له، يعملون يوميّاً في شركات ووكالات متخصّصة، لكن من الممكن أن يتركوا العمل لسبب أو آخر. ماذا يكون الموقف عندما تتوافر خبرات متمرّسَة وعقول لامعة خارج أطر الشركات والمؤسّسات، وتكون متاحة للاستفادة منها ربما لكل من... يدفع؟ بديهي التفكير باحتمال أن يجري توظيف تلك العقول اللامِعَة من قبل جِهات سيّئة، بل ربما إرهابيّة، حتى من دون أن يتنبّه هذا الخبير أو ذاك، إلى الجهة التي تُشغّله، ويكون غافِلاً عن توجّهاتها المُعلنة والمُضمرة. ربما هذا الشأن ليس مسؤولية الأفراد، على الأقل ليس مسؤولية مباشرة للأفراد وحدهم. تمتلك المسألة أبعاداً شائكة. هناك شركات حسنة النيّة لكن ربما يجري استغلالها أيضاً، بصورة تشبه ما يحدث لأفراد الخبراء بالمعلوماتيّة. هناك من يُحسن التمويه على نياته، فيوظّف من لديه خبرات تقنيّة وعلميّة، ثم يستفيد منه بطرق ملتويّة، حتى من دون معرفة ذلك الموظّف. هل من المنطقي حصر الأمر، بالأخلاق الشخصيّة ومدى الإحساس بالمسؤولية والقيم الأخلاقيّة؟ حتى في تلك المسائل، الأمور تكون نسبيّة وتتداخل فيها أمور كثيرة، كما تتفاوت بين الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات وغيرها».
فخ إسمه «إكس كي سكور»
ذكّر حديث الخبير المعلوماتي الأميركي روربو بوثيقة نشرتها صحيفة «دِرشبيغل» قبل فترة غير بعيدة، تثبت أن «وكالة الأمن القومي» درّبت عناصر جهاز «بي آن دي» («الاستخبارات الخارجيّة الألمانيّة)، على برامج التجسّس الإلكتروني. وشمل التدريب عينه عناصر تعمل في أجهزة الأمن الداخلي الألماني، التي تُركّز على مقاومة التطرّف والإرهاب. وتمحور التدريب على برنامج «إكس كي سـكور» XKeyscore لرصد الاتصالات.
وأثار هذا الأمر الإعلام والرأي العام في ألمانيا، لأنه يعني حصول الوكالة الأميركية على المعلومات التي يلتقطها هذا البرنامج عن الاتصالات في ألمانيا. ويعطي البرنامج بيانات تفصيلية عن الاتصالات تقدّم على هيئة «ميتا داتا» Meta Data بمعنى أنها تبيّن جهات كل اتصال ومدّته وموقعه، لكنه لا يبيّن محتوى الاتصالات. وأكّد هانس - غورغ ماسسن، وهو رئيس «المكتب الفيديرالي لحماية الدستور» أن الوكالة الأميركية استعملت هذا البرنامج على سبيل التجربة، لكنه نفى استعمال برنامج «إكس كي سكور» بصورة غير قانونيّة وكذلك نقل معلومات هذا البرنامج إلى الوكالة الأميركية.
وفي المقابل، رأت جهات كثيرة في ألمانيا أن المجريات المتّصلة بفضيحة سنودن والكشف عن وجود برنامج «إكس كي سكور»، تطرح إمكان أن تكون الجهات الاستخباراتية الألمانية تتجاوز قوانين حماية المعلومات الشخصية المعمول بها في ألمانيا. وكذلك تفرض أن تجيب حكومة ميركل عن أسئلة من نوع زمن حصول الأجهزة الأمنية الألمانية على برنامج «إكس كي سكور» والطريقة التي يستخدم بها فعليّاً.
وزاد من سخونة تلك المعلومات أن تسريبات سنودن بيّنت أن «وكالة الأمن القومي» رصدت مؤسّسات في «الاتحاد الأوروبي» وأنها تحصل على معلومات عن نصف بليون اتصال في ألمانيا شهرياً! وكذلك أشارت وثائق سنودن إلى أن جهاز «بي آن دي» الألماني متمرّس باستعمال برنامج «إكس كي سكور» إلى حدّ أنه عرض أن يُدرّب نظراءه في «مكتب حماية الدستور» على ذلك البرنامج.
وفي إحدى الوثائق، هناك إشارة واضحة إلى رغبة قويّة لدى جهاز «بي آن دي» للعمل في شكل وثيق مع «وكالة الأمن القومي»، بل إن عملاء الوكالة لاحظوا أن ذلك الجهاز يسعى إلى التأثير في الحكومة كي تُليّن موقفها في تفسير قوانين حماية المعلومات الشخصية، بما يتيح فرصاً أكبر لتبادل المعلومات بين الأجهزة الألمانية والأميركية.
وكمحصّلة لما تداولته وسائل الإعلام الألمانية وما ورد على ألسنة سياسييها، وُضِعَت الحكومة الألمانية تحت ضغوط قويّة سياسياً، ربما تترك آثاراً عميقة في مسار الحكومة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية.
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!