الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › محمد الغزالي : هجرة الرسول وأصحابه انتصاراً لا فراراً

صورة الخبر: محمد الغزالي
محمد الغزالي

"في هذا الكتاب صور وخواطر، وبحوث ولفتات، وقد كتبت أكثرها منذ أعوام، وعالجت أمورا لا تزال تستحق المزيد من النقد والنظر! وخير ما فيها أنها عرضت الدين على الناس نابضا بالحياة والحركة، ونشدت للحياة ضوابط الإيمان والتقى".

هكذا يبدأ الإمام والمفكر الراحل الكبير محمد الغزالي كتابه "تأملات في الدين والحياة" الصادر عن نهضة مصر، ويستعرض فيه شذرات من قضايا مختلفة، وموضوعات تهم الأمة الإسلامية، ويعرج على ذكرى الهجرة النبوية التي يراها بداية حقيقية للتأريخ لهذا الدين العظيم.

الهجرة حب وفداء

مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو إلى الله على بصيرة، ويهدي الناس إلى الحق في تؤدة ومهل، ويفك أغلال القرون الأولى، ليرد على البشر كرامتهم المفقودة، وما كرامة البشر إلا كرامة الفطرة السليمة، والقلب المستنير، والعقل الرشيد.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في دعايته لدينه، سهلاً واضحاً مطمئناً إلى نصاعة الحق الذي شرفه الله به، فهو لا يطلب من الناس إلا أن يمكنوه من شئ واحد!. أن يتركوه يلقي ما معه بين أيديهم، وأن يسلطوا عليه أفكارهم وحدها! فإما قبلوه بعد، وإما رفضوه.

وهو لم ينجح في سبيل الانتصار لدينه إلى أساليب الدعاية الملتوية، والناس يستطيعون ميز الحق من الباطل في جو الحرية النقي من شوائب الضغط والقسوة والاستبداد.

لكن الأغبياء والطغاة يكرهون أبداً حرية الرأي، وطالما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين:"لكم دينكم ولي دين" فأبوا إلا أن يقولوا له: لنا ديننا وليس لك دينك!.
وكذلك سُلطت الفتنة القاهرة على المستضعفين من المؤمنين، فشرد من شرد، وقتل من قتل، وشعر المؤمنون الباقون على عقيدتهم، بالمغارم الفادحة التي تحل بهم، ولكنهم صبروا على المكاره إيماناً واحتساباً، وتطلعاً إلى ما عند الله.

لقد كان القرآن شديد الحملة على خصومه حقاً، مبيناً في تزييفه لأباطيلهم، ولكنه سلك في ذلك سبيل القوة الممزوجة بالنبل، والرجل النبيل إذا صرع خصمه لم يتركه على الأرض متعثراً في أذيال هزيمته، بل يسرع إلى الأخذ بيده قبل أن يستولى عليه شعور الخزي والمعرة في سقطته.

وهكذا فعل القرآن بأعدائه، فهو يلفت نظرهم إلى ضلالهم، ويضع أيديهم على أخطائهم، إلا أن المشركين أبوا الاعتراف بطرق الإقناع والاقتناع، فكانت خاتمة ثلاثة عشر عاماً في الدعوة إلى الله أن تشاور رؤساء قريش في نفي الداعي أو حبسه وقتله! ثم يستقر رأيهم على أن يقتلوه بطريقة يهدر فيها دمه ويضيع بها ثأره.

ثمن لبضائع مختلفة

تحت هذا العنوان يشجع المؤلف قراءه على الشجاعة لأن الموت واحد سواء جبنا أم لا، ويقول: إن الشجاعة قد تكلف صاحبها فقدان حياته، فهل الجبن يقي صاحبه شر المهالك؟كلا فالذين يموتون في ميادين الحياة وهم يولون الأدبار أضعاف الذين يموتون وهم يقتحمون الأخطار.

وللمجد ثمنه الغالي الذي يتطوع الإنسان بدفعه، ولكن الهوان لا يعفي صاحبه من ضريبة وهو كاره حقير. ومن ثم فالأمة التي تضن ببنيها في ساحة الجهاد تفقدهم أيام السلم، والتي لا تقدم للحرية أبطالا يقتلون وهم سادة كرام، تقدم للعبودية رجالا يشنقون وهم سفلة لئام.

ولو حسبنا ما فقده الشرق تحت وطأة الجهل والفقر والمرض لوجدناه أضعاف ما فقده الغرب وهو يبحث عن العلم والغنى والصحة!!.

وما دام الشئ وضده يكلفان الكثير فلماذا نرضى بالحقير ولا نطمع في الخطير؟ ألا ما أجمل قول الشاعر:

إذا ما كنت في أمر مروم
فلا تقنع بما دون النجوم!
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في امر عظيم

والذين يحسبون البذل في سبيل الله مغرماً يستحق الرثاء، والموت في سبيل الله تضحية تستحق العزاء، هم قوم ليسوا من الدين في شئ، ولا من الدنيا في شئ.

إن اللصوص عندما يقومون بمغامراتهم الجريئة للسلب والنهب لا يأخذون من الموت أماناً، ولا ينالون من الحظ ضماناً، بل يقدمون وهم يعرفون أن القتل والعذاب لهم بالمرصاد، ومع ذلك لا يهابون، فكيف الحال إذا تشجع اللصوص، وخاف أصحاب الحقوق المهددة، وساورتهم الهواجس على أموالهم واولادهم؟.
كيف الحال إذا أقبلت الدول الضاربة الغاصبة، وأدبرت الدول المضروبة المغصوبة، إذا ضحى أصحاب العدوان ونكص أصحاب الإيمان؟

إن القرآن يخاطب المؤمنين في صراحة مبينا لهم أن المغارم قسمة عادلة بين المؤمنين والكافرين جميعاً في ميادين الكفاح والبقاء، فأيما امرئ نكص على عقبيه مهزوماً فقد سقط من عين الله!!



الهجرة بالدين

أخرج محمد صلى الله عليه وسلم ليكمل الله به الرسالة التي لم تكن قد استوفت بعد جملة حقائقها، وعلم الطغاة الذين ألجأوه إلى الهجرة مدى الخطر المبيت لهم، وشعروا من الهواجس المنبعثة من أعماق نفوسهم، أن الدائرة سوف تدور قريبا عليهم.

كانت الهجرة لأن الإسلام في هذه الفترة من تاريخه، يتطلب أن يعيش له وأن يحيا من أجله كل فرد من أبنائه، فضلا عن الرجل الأول فيه محمد صلى الله عليه وسلم، كان الإسلام يفرض عليهم أن يعيشوا من أجله حتى يكونوا له على ظهر الأرض أمة راسخة البناء، ودولة سامقة اللواء.

فإذا استقامت للدين الجديد أمته ودولته، سفكت لحياطتها الدماء، وقدم للدفع عنها الفداء!!، فما كانت الهجرة فراراً ولكنها كانت انتصاراً.

إن المسلمين اعتبروا الهجرة بداية تاريخهم في الحياة، ولم يعدوا ميلاد نبيهم ولا مبعثه مبدأ لذلك التاريخ الحافل البعيد.

ولم يكن هذا إلا فقهاً منهم في دينهم، وبصرا نافذا في معرفة حقيقته وتقديس روحه، إنها روعة الهجرة لأنها عقيدة وتضحية وفداء وكفاح، وإصرار غريب على مغاضبة الدنيا الثائرة الحاقدة! والتذرع بالوسائل التي في مقدور البشر مغالبتها، فإما موت كريم وإما نصر كريم.

ولو أدرك المسلمون من التأريخ بالهجرة هذا المعنى السامي، مااضطربت أحوالهم هذا الاضطراب المؤسف، فلا هم الذين حرصوا على الحياة لدينهم في أية بقعة من بقاع الأرض، ولا هم الذين ماتوا دون أن ينال اعداؤهم منهم ما نالوا.

منطق الحقد

كان الغزالي معني بتقويم النفس الإنسانية وتطهيرها من أدرانها، فنجده يؤكد أن الوسيلة الصحيحة لكسب أي سباق أن تقوي نفسك لا أن تعوق غيرك، فإن استكمال أسباب النجاح في كيانك الخاص هو الدعامة الأولى والأخيرة للانتصار الحقيقي.

إن بعض الناس يظن أنه بجهده في هدم الآخرين يبني نفسه، وهذا خطأ فإن الضعيف لا يزول ضعفه بمحاولات فاشلة في تجريح الأقوياء، ستبقى علته وتلصق به معرته وتذهب جهوده هباء.

ولا يخفى علينا أن جوانب الشر في النفوس الصغيرة تظهر فيها بسرعة كاملة ناضجة على حين تبقى جوانب الفهم والتدبر ناقصة غامضة تكاد لا تبين عن نفسها إلا بإشارات خرساء، وحركات لكماء، فإذا ظهرت بعد طول التجارب، وتقدم العمر جاءت بعد فوات الأوان.

فالرجل الحاقد لا يفهم من الأمور إلا ما يمس أنانيته، ويهيج كراهيته فحسب، ثم تضطرم أفكاره في دائرة ضيقة من ذهن من أتعبه الحقد، لا الفكر، وأضلته الرغبة الملحة عن معالم الخير والروية.

ولذلك ينصحك الغزالي ونحن نبدأ عاماً جديداً أنك إذا كنت قد أخطات في فهم طبيعة الحياة فينبغي أن تبادر إلى تصحيح هذا الخطأ نظريا قبل أن تكرهك الأحداث المفاجئة على تغييره عملياً.

ليست الحياة شيئا سهل المنال قليل الأعباء، ولكنها شئ صعب الإدراك كثير العقد، وهذه المتاعب هي وحدها سبيل التفاوت والتفاضل، وهي كذلك الأحجار التي يتعثر فيها الضعاف فيسقطون، وينتهب عندها الأدعياء فيقفون.

والقرآن الكريم يعرف أبناءه صورة هذه الحياة على حقيقتها، ويبصرهم بمتاعبها ولا يهون من قيمتها، ويذكرهم بأن هذه المتاعب مفروضة على الكافرين وعلى المؤمنين!

"الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت". فلا ناصر الكفر مراح من أعبائه، ولا ناصر الإيمان مراح من هذه الأعباء، فمن الحمق الفرار من متاعب الحياة، لأنها ستلاحق من لا يواجهها وتفرض نفسها عليه طوعا أو كرها.

إن الله عز وجل يحب أن يخذل الباطل بقوة أنصار الحق وتضحياتهم، وعلى هذا القانون دارت المعركة من الأزل بين الحق والباطل! فالجهد البشري المبذول من كلا الفريقين هو الذي يقرر المصير ويحدد النهاية.

فإذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وقذف كل فريق بآخر ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها، فإذا ثبت تحول كل شئ عندها لمصلحته، وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً، ويبدأ الكفر طريقه نازلاً، وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة.

فليؤد المسلمون واجبهم ثم لينتظروا نصر الله، فليواجهوا الأخطار والمخاوف، ثم ليرتقبوا الفوز، أما قبل ذلك فليس في الدنيا مكان للاهين واللاعبين.

المصدر: محيط / سميرة سليمان

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على محمد الغزالي : هجرة الرسول وأصحابه انتصاراً لا فراراً (1)

sona mahmoud‏24 ‏مارس, ‏2014

االلملف روعه وجميل جدا جدا وانا مش لا قيه اي معني او صفه بيه بصراحه

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
53973

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة