الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › زيدان : درويش ودنقل أنشدا "التغريدة الأخيرة " قبل الموت

صورة الخبر: الدكتور يوسف زيدان
الدكتور يوسف زيدان

وصف الأديب الكبير الدكتور يوسف زيدان الأعمال الأخيرة التي كتبها كل من الشاعرين محمود درويش وأمل دنقل بـ"تغريدة البجعة" ؛ إذ أن ذكر البجع في الطيور حين يقترب موته يفرد جناحيه ويغرد تغريدة بديعة ثم يسقط ويموت، وهكذا فعل الشاعران حينما غردا بأجمل أشعارهما واشتركا في نزعتهما الإنسانية الواضحة.

جاء ذلك في صالونه الشهري الذي تستضيفه ساقية الصاوي في الأربعاء الأول من كل شهر، والذي اختار له هذه المرة تجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعر المصري أمل دنقل .

يقول زيدان : ارتبط أمل دنقل بحركة اليسار المصري، واعتقل مرات عديدة، وكان شعره في البداية يحكي عن تجارب فردية له، فتغنى في أشعاره بذات العينين الخضراوين لينتقل شعره بعد ذلك إلى مرحلة جديدة بعد هزيمة 1967، فحين كوي بالهزيمة حلقت حساسيته اللغوية إلى أفق بعيد، ليخرج شعره عبر دفقات قوية تدفع القصيدة قدما إلى الأمام فيقول:

قلتُ لكم فى السنة البعيدة/ عن خطر الجندى/ وعن همته القعيدة/ يحرس مَنْ يمنحه/ راتبه/ الشهرىّ/ وزيَّه الرسمىّ/ كى يُرهب الخصوم/ بالجعجعة الجوفاء/ والقعقعة الشديدة/ لكنه، إن يحن الموتُ/ فداءَ الوطن المقهور والعقيدة/ فرَّ من الميدان/ وحاصر السلطان/ وأعلن الثورة فى المذياع والجريدة/ قلتُ لكم، لكنكم/ لم تسمعوا هذا العبث/ ففاضت النار على المخيمات/ وفاضت الجثث.

شاعر الصفاء

يتوقف زيدان عند المحطة الثانية في شعر أمل دنقل وهي موت الرئيس جمال عبد الناصر الذي لم يفقد حبه له رغم اعتقاله، شأنه شأن اليسار في ذلك الوقت ليقول قصيدته البديعة:

لا وقت للبكاء/ فالعلم الذى تنكسينه.. فوق سرادق العزاء/ منكس على الشاطئ الآخر، والأبناء/ يستشهدون كى يقيموه.. على "تبة"/ العلم المنسوج من حلاوة النصر ومن مرارة النكبة/ ملقى فى الثرى/ ينهش فيه الدود.. واليهود/ فانخلعى من قلبك المفئود/ فها على أبوابك السبعة، يا طِيبة/ يا طًيبة الأسماء: يُقْعَى أبو الهول/ وتُقعى أمة الأعداء/ مجنونة الأنياب والرغبة/ تشرب من دماء أبنائك قربة.. قربة/ ونيلك الجارى على خد النجوع/ مجرى دموع/ ضفافه: الأحزان والغربة.
رغم اختيار دنقل لقافية غير معتادة وإصراره عليها، إلا أنه كما يشير مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية تفلت منه بعض الهنات على مستوى الوعي العام للشاعر نظرا لعدم تلقيه تعليما جيدا فهو مثلا لا يدرك أن طيبة ذات السبعة أبواب هي طيبة اليونانية وليست المصرية!.

يواصل زيدان: هذا القصور في أدوات المعرفة يظهر عند أمل دنقل في ديوان لاحق له يعد من أهم ما كتب من شعر عربي في القرن العشرين وهو ديوانه "أقوال جديدة عن حرب البسوس"، وهي حرب مشهورة جرت بين قبيلتي "بكر" و"تغلب" في الماضي وكانت بينهما قرابة، وكانت القبيلة الثانية يحكمها "كليب" له أخ يُدعى "الزير سالم" واسمه المهلهل بن ربيعة، وحين قتل كليب على يد أخو زوجته "جساس" أقسم الزير سالم أن ينتقم لأخيه ممن قتله حتى ينطق "كليب" في قبره ويقول كفى، ولذلك استمرت الحرب 23 عاما.

في ديوانه ربط دنقل بين هذه الواقعة وتصالح الرئيس السادات مع اليهود وتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، وكتب ديوانه الشهير الذي يعد صرخة في وجه المعاهدة، بدأ دنقل ديوانه بمقدمة نثرية يشرح للقارئ فيها العلاقة بين الموقفين ويقول فيها:

".. فنظر "كليب" حواليه وتحسَّر، وذرف دمعة وتعبَّر، ورأى عبدًا واقفًا فقال له: أريد منك يا عبد الخير، قبل أن تسلبني، أن تسحبني إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير؛ لأكتب وصيتي إلى أخي سالم الزير، فأوصيه بأولادي وفلذة كبدي، فسحبه العبد إلى قرب البلاطة، والرمح غارس في ظهره، والدم يقطر من جنبه .. فغمس "كليب" إصبعه في الدم، وخطَّ على البلاطة وأنشأ يقول :

لا تصالحْ/ ولو منحوك الذهب/ أترى حين أفقأ عينيك،/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟/ هي أشياء لا تشترى/ ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك/ حسُّكما - فجأةً – بالرجولةِ/ هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،/ تلك الطمأنينة الأبدية بينكما

وينتقد زيدان دنقل في تعامله مع التاريخ كوقائع وليس كرؤية، فاستحضاره لموقف الزير سالم هنا لم يكن موفقا، فرغم أخذه بثأر أخيه إلا أنه دمر كيان عربي كبير، ولذلك جاء وعي أمل دنقل بالواقعة التاريخية بشكل سطحي .

وهذا لا ينفي كونه شاعرا موهوبا، تجلت موهبته الحقيقية أثناء مرضه وقبل وفاته، فكانت تغريدة البجعة عنده هي ديوانه "أوراق الغرفة 8"، وهي غرفته التي مكث بها في المستشفى أثناء مرضه، ليكتب فيها شعرا صافيا يستحضر زيدان بعض أبياته مثل:

في غُرَفِ العمليات/ كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ/ تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات, الملاءاتُ/ لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن/ قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ/ كوبُ اللَّبن/ كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ . فلماذا إذا متُّ/ يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ./ بشاراتِ لونِ الحِدادْ?/ هل لأنَّ السوادْ/ هو لونُ النجاة من الموتِ/ لونُ التميمةِ ضدّ .. الزمنْ/ ضِدُّ منْ..?/ ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ?!/ بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء/ الذينَ يرون سريريَ قبرا/ وحياتيَ.. دهرا/ وأرى في العيونِ العَميقةِ/ لونَ الحقيقةِ/ لونَ تُرابِ الوطنْ!

نضوج شعري

ما حدث مع محمود درويش يشابه ما حدث مع أمل دنقل – يواصل زيدان حديثه عن صديقه الشاعر الذي اقترب منه – فقد بدأ درويش حياته في الستينيات بانضمامه إلى حزب اليسار الإسرائيلي الذي يضم اليهود الرافضين للصهيونية.

واتسم شعره في البداية بقصائد تغلب عليها النزعة الفردية مثل: "سجل أنا عربي"، "أحن إلى خبز أمي" وهي قصيدة يصفها زيدان بأنها فقيرة المعاني لكن بها البكارات الأولى وتطابق قصائد "خضراء العينين" لدى دنقل.

يضيف صاحب الصالون: ثم يندمج محمود درويش في الحالة العربية العامة، ويوقف شعره كله على القضية الفلسطينية ولذلك عرف بأنه "شاعر الأرض المحتلة"، و "شاعر القضية الفلسطينية"، ثم جاءت الصدمة الشديدة في حصار بيروت ليكتب قصيدته "مديح الظل العالي" وهي قصيدة على درجة عالية من الحساسية اللغوية والحرقة الشديدة التي تدفع نمطية الحكي الشعري إلى فجائيات طويلة، وقرأ منها:

نامي قليلا ياابنتي/ نامي قليلا/ الطائرات تعضني/ وتعض ما في القلب من عسل/ فنامي في طريق النحل نامي/ وتوسديني/ كنت فحما أم نخيلا/ نامي قليلا/ كنا نحبك ياابنتي/ والآن نرفع صمتك العالي/ هل كنت غاضبة علينا/ دون أن ندري/ آه منا/ آه منك/ آه ماذا لو خمشنا سرة الأفق/ قد يخمش الغرقى يدا تمتد/ قد تحمي من الغرق.

وهي بنظر زيدان قصيدة تعد نموذجا للخروج من حيز الأزمة بطابعها الإقليمي والتاريخي إلى الحس الإنساني العام، وهو ما تطور مع درويش لاحقا حين واجه الموت أثناء عملية جراحية ولكنه كان لا يزال عفيا مثلما كان أمل دنقل في قصيدته "لا تصالح"، وكتب درويش مؤكدا ذاته وساخرا من الموت قائلا:
انا لست مني إن أتيت ولم أصل/ أنا لست مني إن حكيت ولم أقل/ أنا من تقول له الحروف الغامضات/ اكتب تكن/ واقرأ تجد

ثم يكتب درويش ديوان "كزهر اللوز" حين أدرك أن التمحور حول الذات يعني التمحور حول لا شئ فيقول: هي لا تحبك أنت/ أنت شاعرها/ وهذا كل ما في الأمر يعجبها/ اندفاق الحرف في الأبيات قافية/ فكن ألفا لتعجبها.

ثم تأتي تغريدة البجعة عنده في قصيدته الأخيرة التي يراها زيدان علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي كله منذ زمن المتنبي وهي قصيدته "لاعب النرد" الذي يقول فيها:

مَنْ أَنا لأقول لكمْ/ ما أَقول لكمْ ؟/ وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ/ فأصبح وجهاً/ ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ/ فأصبح ناياً/ أَنا لاعب النَرْدِ/ أَربح حيناً وأَخسر حيناً/ أَنا مثلكمْ/ أَو أَقلُّ قليلاً

ملامح صوفية

لم يكن الشعر وحده هو محور الصالون، فقد عرج زيدان سريعا على ملامح الصوفية في الإسلام، مؤكدا أن أي تقدم اجتماعي كبير، أو كتابة أدبية بديعة وأي عشق حقيقي وعميق لا يمكن أن يخلو من تصوف.

والبعض يرى أن الصوفية تعود إلى زمن النبوة، بل يرى البعض أنها ظهرت في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يخلو بنفسه في غار حراء قبل النبوة، ثم ظهرت هذه الملامح في زمن الصحابة مثل أبو ذر الغفاري، وجماعة "أهل الصفة" الذين اتخذوا من المسجد النبوي مكانا لهم للعبادة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجالسهم أحيانا.

وأشار زيدان إلى كبار المتصوفين مثل رابعة العدوية التي قالت عن عبادتها لله: "ما عبدته خوفا من ناره ولا طمعا في جنته ولكن حبا فيه" وهي بهذا القول في رأي زيدان قلبت منظومة التطبيق الديني الذي ساد في الأذهان بأن لغة التعامل مع الله تعالى هي الأرقام بميزان الحسنات والسيئات، ناسين أن هذه وسائل لتقريب المسائل في الأذهان وأن الجانب الروحي يحقق مقاصد الشريعة.

وحين أدركت رابعة ذلك قالت أبياتها المشهورة التي تحيل فيها كل الأمر إلى الله: أحبك حبين حب الهوى وحبًّا لأنك أهلٌ لذاكا

ولذلك كانت رابعة العدوية حلقة مهمة من حلقات التصوف في القرن الثالث الهجري، وأيضا مثلها كان ذو النون المصري، الذي أدخل إلى التصوف فكرة الهرم والسلم الروحي، وفكرة الأحوال والمقامات.

على هامش الصالون

في مداخلات الصالون انتقد زيدان ركوننا إلى نظرية المؤامرة دوما لنعفي أنفسنا من العمل، فالمجتمعات العربية على حد قوله دائما ما تحيل القضايا الكبرى إلى قوى أخرى أعلى ترتب وتتآمر وبالتالي فلا حيلة لنا في شئ، مؤكدا أن مصر في حالة مخاض كبير، فلا أحد يستطيع ان يتكهن بالمستقبل او يضع سيناريوهات محددة ترسم ملامحه.

ودعا زيدان الجميع إلى التوقف عن التحدث باسم الإله، قائلا: "فلنكف عن العراك حفاظا على الحالة المصرية المهترئة"، فالاشتباكات المصرية – المصرية على حد قوله زادت عن الحد المحتمل، فالجماعات الدينية بينها وبين بعضها خلافات طاحنة، فليتحدث كل منهم عن نفسه فقط ولا شأن له بالآخر، مستدعيا سخرية فولتير حين دخل عليه قسيس ليحمله على الاعتراف قبل وفاته، قائلا: له انا مبعوث الله إليك، ليرد عليه فولتير ساخرا: إذاً أرني أوراق اعتمادك!.

المصدر: عرب نت 5

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على زيدان : درويش ودنقل أنشدا "التغريدة الأخيرة " قبل الموت

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
74090

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة