الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › أديب نوبل التركي في مذكراته : الأمم الشريفة لا تسكت صوت الماضي

صورة الخبر: الغلاف
الغلاف

تجول باموق في مقال ببداية كتابه "ألوان أخرى" بين شوارع مدينة اسطنبول التي طال أبنيتها وقصورها الخشبية القديمة والتراثية أيدي الهدم والتخريب وذلك في سبيل إنشاء المباني الخرسانية الضخمة والتي شبهها في اكتساحها للشوارع بالجيش في رائعة تولستوي "الحرب والسلام" وهي تكتسح من طريقها كل القصور والأشجار والحدائق ومختلف مظاهر الحياة الفطرية والطبيعية.

ويصف باموق إحدى حملات الهدم هذه قائلاً "تصادف إني كنت سائراً في شارع تارلاباشي بينما كانت البلدوزرات تحول الركام يراقبها جمع متوسط من الناس، كان العمل مستمراً منذ شهور واعتاد الجميع رؤية تلك المشاهد ولذلك فقد خمد السخط والمقاومة ورغم رذاذ المطر استمرت عمليات الهدم للحوائط التي كانت تتحلل إلى تراب وهي تسقط وبينما كنا واقفين نشاهدها بدا لي أن ما يزعجنا أكثر من رؤية بيوت وذكريات الآخرين تدمر هو رؤية اسطنبول تتغير بهذه الطريقة".

في إحدى المرات عندما كان يسير في نفس الشوارع التي كان يسير بها لمدة خمسين عاماً ماراً بموقع مدرسته القديمة تذكر أيام الدراسة وتجواله في فصولها الخالية، ويقول باموق "في المرة الأولى نفذ الخراب إلى قلبي كسكين ولكنه الآن شئ أصير تدريجياً نحو التعود عليه، إن خرائب المدينة تساعدها أيضاً على النسيان، في البداية نفقد الذكرى ولكننا نعلم أننا نفقدها ونريدها أن تعود ثم ننسى أننا نسيناها والمدينة لم تعد قادرة على تذكر ماضيها الخاص، والخراب الذي سبب لنا مثل هذا الألم ومهد الطريق للنسيان أصبح في النهاية قطع أراض يمكن لآخرين أن يبنوا عليها أحلاماً جديدة".

حرية الفكر

ينتقل بنا باموق عبر صفحات كتابه للحديث عن حرية الفكر متناولاً ما حدث في مارس 1985 عندما زار اثنان من أهم كتاب المسرح في العالم وهما أرثر ميللر وهارولد بنتر اسطنبول وذلك بترتيب من جمعية القلم الدولية – الجمعية الدولية للشعراء والكتاب – بالتنسيق مع هيئة رقابة هلسنكي.

وجاءت هذه الزيارة للكاتبين الكبيرين في الوقت الذي شهد فرض القيود القاسية على حرية التعبير في تركيا، فعقب انقلاب 1980 الذي وقع بتركيا زج بالعديد من الكتاب في السجون، فجاء كل من ميللر وبنتر لمقابلة هؤلاء الكتاب وأسرهم لتقديم العون ولجذب انتباه العالم لمحنتهم، وكان في استقبالهما أورهان باموق بعد أن عين هو وصديق له كمرشدان لهما.

ويقول باموق "حتى تلك اللحظة كنت أقف على هامش العالم السياسي لا أدخله أبداً إلا مجبراً ولكنني الآن بعد أن استمعت لقصص خانقة حول القمع والوحشية اعتصرني شعور بالذنب ومشاعر التضامن، وفي الوقت نفسه أحسست برغبة مساوية ومضادة لحماية نفسي من كل هذا وألا أتطلع إلا إلى كتابة روايات جميلة"
ويؤكد أن تجربته في هذه الفترة كمرشد وتجارب مماثلة في سنوات لاحقة تركت في نفسه أثراً بالغاً، وجعلته يصر على أن حرية الفكر والتعبير هي من حقوق الإنسان الكونية التي لا يمكن تبرير تقييدها بالوجدان القومي أو الحساسيات الأخلاقية ، بحسبه.



في المحاكمة

عبر صفحات كتابه كتب باموق عن المحاكمة التي تعرض لها قائلاً "جريمتي هي أنني أهنت الهوية التركية علناً" وهي التهمة التي لو ثبتت فسوف يطلب ممثل الادعاء أن يسجن بسببها لمدة ثلاثة أعوام، وقد حوكم بنفس التهمة الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك ووجد مذنباً وغيره من الكتاب الأتراك.

ويقول باموق " أن تعيش مثلما أفعل في بلد يكرم الباشوات ورجال الدين والشرطة في كل فرصة ويرفض تكريم كتابه حتى يقضوا سنوات في المحاكم أو السجون، لا أستطيع أن أقول إنني أشعر بالدهشة لتعرضي لهذه المحاكمة، وأفهم لماذا يبتسم الأصدقاء ويقولون إنني أخيراً أصبحت كاتباً تركياً حقيقياً".

ثم يعود بنا إلى أصل المشكلة عام 2005 ففي حديث صحفي نشر له في إحدى الصحف السويسرية قال أن مليوناً من الأرمن وثلاثين ألفاً من الأكراد قد قتلوا في تركيا وأن لا احد غيره يجرؤ على التحدث عن ذلك، كما قال أن مناقشة مثل هذه الأمور في بلاده تعتبر من التابوهات المحرمة، وأنه من المعروف بشكل عام بين أهم مؤرخي العالم أن عدداً كبيراً من الأرمن العثمانيين تم ترحيلهم بزعم اتخاذهم موقفاً ضد الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، وكثير منهم ذبحوا أثناء الطريق، في حين يصر المتحدثون الرسميون الأتراك على أن الذبح لم يصل لحد الابادة العرقية لأنه لم يكن منظماً أو منهجياً، وأنه في سياق الحرب قتل الأرمن الكثير من المسلمين أيضاً.

ويعلق باموق على هذا بان استعداد الدولة للوصول إلى هذا المدى لحرمان الشعب التركي من معرفة ماذا حدث للأرمن العثمانيين بجعل الحقيقة من المحرمات، ويتذكر ما شنته عليه الصحف والمجلات من حملات كراهية حتى وصل الأمر ببعض كتاب الأعمدة بان يطالبوا بـ "إسكاته" إلى الأبد، كما قامت جماعات من القوميين المتطرفين بتنظيم لقاءات ومظاهرات اعتراضاً على "خيانته" وأقيمت محارق عامة لكتبه.

ويشير باموق أن قضيته هذه تعد مثالاً على مشكلة تستحق المناقشة في تركيا وأيضاً في العالم الخارجي، وان هذا يرجع جزئياً لإيمانه بان "ما ينتقص من شرف الأمة ليس مناقشة النقاط السوداء في تاريخها ولكن حظر أية مناقشة على الإطلاق" وكان السبب أيضاً لأن يعتقد أن الحظر القائم ضد مناقشة الأرمن العثمانيين كان حظراً ضد حرية التعبير في تركيا اليوم، حيث يوجد رابط قوي بين الاثنين.



مع "باريس ريفيو"

ضمن صفحات الكتاب يعرض باموق حوارا صحفيا أجراه مع مجلة "باريس ريفيو" وفيه تذكر مولده في اسطنبول عام 1952 ، وكيف كونت عائلته ثروة من خلال عملها في مد خطوط السكك الحديدية خلال الأيام الأولى من الجمهورية التركية، وقد تلقى تعليماً علمانياً على الطراز الغربي، وعلى الرغم ولعه في البداية بالفنون والتحاقه بالجامعة لدراسة المعمار إلا أنه قرر الاتجاه للكتابة وبالفعل أصبح أحد الكتاب المشهورين في العالم.

وقال بأن رواياته الأولى قد تأخر نشرها بسبب الانقلاب العسكري الذي وقع بتركيا عام 1980، أما السبب الذي جعل من رواياته هذه غير قابلة للنشر في ظل النظام العسكري، فأرجعه لكون شخصيات الرواية تتمثل في الشباب الماركسي من أبناء الطبقة العليا والذين كانوا أهلهم يذهبون إلى المنتجعات الصيفية ويمتلكون البيوت الفاخرة ويستمتعون بكونهم ماركسيون، وقد يتشاجرون ويتأمرون للتخلص من رئيس الوزراء.

وحول ما يعتقده النقاد من أن رواياته ما بعد حداثية، وما تعتقده المحررة من كونه يستمد ألاعيبه السردية من مصادر تقليدية مثل "ألف ليلة وليلة" وغيرها من النصوص الكلاسيكية في التراث الشرقي، يقول باموق أنه بدأ ذلك مع روايته "الكتاب الأسود" فعلى الرغم من قرأته لبورخس وكالفينو من قبل، فإنه عند ذهابه لأمريكا مع زوجته عام 1985 واجه لأول مرة الثقافة الأمريكية "بكل ثرائها وتراثها الهائل"، وكتركي قادم من الشرق ويحاول ترسيخ نفسه شعر بالخوف ومن ثم حاول الارتداد لجذوره للتحقق من أن جيله اضطر إلى اختراع أدب قومي حديث.

ثم يؤكد تحرره بعد ذلك حيث كانت المضامين الموجودة في الأدب الإسلامي التقليدي يستخدمها المحافظون بطريقة سياسية وشديدة الرجعية برأيه ، وأثناء وجوده في أمريكا أدرك أنه يستطيع العودة إلى تلك المادة مع إطار عقلي، مع عمل تفرقة بين المضامين الأدبية والدينية للأدب الإسلامي حتى يستطيع أن يضع يده على ما فيه من ثراء الألعاب اللغوية والأمثلة الرمزية ذات المغزى الأخلاقي.

كما تطرق الحديث إلى المواجهة المستمرة بين كل ما هو شرقي وغربي بتركيا ، وعن هذا أعرب باموق عن تفاؤله وأنه ينبغي لتركيا ألا تقلق لأن لديها روحين وتنتمي لثقافتين مختلفتين، مؤكداً أنه لو قلق الإنسان كثيراً من أن جانباً منه قد يقتل الأخر فسوف تبقى له روح واحدة فقط، وهذه هي نظريته التي يحاول أن يروج لها في السياسة التركية، حيث ينتقد تلك النظرة الأحادية التي يدعو إليها السياسيين الأتراك في مطالبتهم بأن تكون للبلاد روح واحدة منسجمة تكون منتمية إلى الشرق أو إلى الغرب.

ويؤكد باموق أنه لا ينعى الإمبراطورية العثمانية بقوله "أنا تغريبي النزعة وأنا سعيد بحدوث عملية التغريب لكنني انتقد فقط الطريقة المحدودة التي تدرك بها الطبقة الحاكمة سواء البيروقراطية أو الأغنياء الجدد مفهوم التغريب، حيث أنهم يفتقدون الثقة الضرورية لخلق ثقافة قومية غنية برموزها وشعائرها الخاصة وهم لا يطمحون لخلق ثقافة إسطنبولية يمكن أن تكون دمجاً عضوياً بين الشرق والغرب إنهم فقط يضعون الأشياء الغربية والشرقية معاً".

بالفعل كانت هناك ثقافة عثمانية محلية قوية ولكنها بدأت تخبو تدريجياً وبالتالي كان يجب ابتداع ثقافة محلية قوية يمكن أن تكون توليفة موحدة وليست تقليداً يضم الماضي الشرقي والحاضر الغربي، وهو ما يسعى إليه باموق حالياً في كتبه، ويؤكد أن دخول الاتحاد الأوروبي لن يدمر الهوية التركية بل سيجعلها تزدهر وتعطيها المزيد من الحرية والثقة بالنفس لاختراع ثقافة تركية جديدة، فليس الحل في محاكاة الغرب حرفياً أو محاكاة الثقافة العثمانية التي ولت ، ولا ينبغي أن نقلق بشأن الانتماء إلى أحداهما أكثر من الأخر.


وأثناء الحوار حرص باموق على إيضاح أن تركيا لم تعان من قمع الدول الغربية، وأن القمع الذي عاناه الأتراك كان قمعاً داخلياً، والذي فرض شعوراً بالهشاشة، وأن هذا التغريب الذي فرضه الأتراك على أنفسهم جلب عليهم العزلة، وبينما رأى الهنود قامعيهم وجهاً لوجه ، عزل الأتراك بشكل غريب عن العالم الغربي الذي أرادوا محاكاته.

وسألته الصحفية الفرنسية : لمن يكتب؟ ، فقال : كتبت إلى الآن سبع روايات وأتمنى أن أصنع مثلهن قبل أن أموت ، حيث الجلوس في غرفة منعزلة للكتابة هي غريزة فيه، ويوجد بداخله تنافس صبياني يجعله يحاول أن يكتب كتاباً جيداً مرة أخرى، وأن إيمانه بخلود المؤلفين يقل تدريجياً حيث نقرأ حالياً القليل للغاية من الكتب التي كتبت من مائتي عام، فالأشياء تتغير سريعاً لدرجة أن كتب اليوم قد تنسى في مدى مائة عام، ولن يقرأ منها سوى القليل وربما تكون خمسة كتب من كتبنا فقط حية، ويتساءل هل أنا واثق من أنني أكتب واحداً من هؤلاء الخمسة؟.

المصدر: محيط

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أديب نوبل التركي في مذكراته : الأمم الشريفة لا تسكت صوت الماضي

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
17300

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة