الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › حالة خاصة: أنْ تجعل القسوة أسلوب حياة

صورة الخبر: حالة خاصة:
حالة خاصة:

بقراءة وئيدة نجد أن رواية » حالة خاصة « لهدير مجدي، والتي صدرت طبعتها الثانية مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية، تمثّل حالةً خاصةً في القهر، القسوة، الخيانة، والتملص من المسئولية. حالة خاصة، التي تتضمن أشعار أنس مراد، محمد خاطر، وكريم محسن، تُسمّي الراوية فيها رونق، وهي بطلة الرواية الأولي، التي تعيش مع أمها، أخيها، وأختها الصغيرة إسراء، التي لم تكن أمها ترغب في إنجابها والإتيان بها، وحاولت أن تجهض نفسها أكثر من مرة، لكنها لم تفلح في تحقيق هذا الغرض. إسراء ولدت مصابة بالتوحد، وبمرض عدم السيطرة علي أعضائها، ولهذا كانت أمها تخفيها عن الجميع، بل إنها كانت ترفض أن تذهب بها إلي طبيب يعالجها مما هي فيه. هذه الأم القاسية لم تفعل هذا وحسب، بل خانت زوجها، المسافر شبه دائمًا، مع ابن أخيه وفي بيته، وعلي سريره. أما هذه المعاناة التي تعيش تفاصيلها رونقُ كل لحظة، ما بين أخ سلبي ينفّذ كل ما تأمر به الأم، دون مناقشة أو اعتراض، وبين أخت مريضة، لا ذنب لها في أي شيء، وعليها أن تعتني بها في ظل عزوف أمها عنها وتجاهلها لها، وبين أب غائب طوال الوقت، ولا يمثّل لهم سوي آلة صرف ليس أكثر، ولا دور له في حياتهم سوي جلب المال من الخارج. كل هذا جعلها تشعر بألم الحياة وسطوتها، علي الرغم من أنها كانت تحاول أن تقاوم، آملة في إصلاح أو رتْق ثقوب الوضع القائم: "ما زالت جالسة علي الأرض شاردة بعينيها علي الجدار، دمعة متحجرة في عينيها تأبي السقوط، تحتضن فتاة أصغر منها ذات ملامح بائسة وآثار الضرب علي وجهها تزيده بؤسًا، تُفنِي نفسها في هذا الصدر الذي يحتويها، وتكرر بصوت خشن وكأنها آلة: يا رب تموتي وارتاح منك يا إسراء، ربنا ياخدك يا إسراء".
كره متبادل
هنا تجيد هدير مجدي، كروائية، تصوير حالة الكره المتبادل بين رونق والأم: "وجدت أمي جالسة في غرفة الاستقبال تدخن كعادتها التي أكرهها، تلاقت عينانا، شعرت بفزع تجاهها، فهناك شيء في عينيها ينفرني منها، شيء لا يخفيه الكحل، ولا يُغْسل بالماء، ولا تداريه محاولاتها تَصَنّع النظرة البريئة، القسوة والحقد يشتعلان في عينيها". ويومًا بعد يوم تزداد جرائم الأم التي أصبح صدي شرها يدوِّي في الكون، وبات الشيطان ينحني أمام خبث وفداحة أفعالها، مما جعل رونق تنسحب مهزومة ضعيفة من هذه الحياة، بعد أن لم تعد تقوي علي شيء ولا حتي علي البوح بمعاناتها، ولم تعد تستطيع أن تكمل سيرها في طريق هذه الأسرة الشاق والمظلم والطويل، الطريق الذي هدموا فيه كل تفاصيلها، فتراكمت في قلبها كل أحلامها التي تمنّتْها، وما كان منهم إلا أن منحوها وجعًا يدمرها، فهل يُعقل أن وجعًا يقتل حلمًا؟
تحدّي الدنيا
غير أن البطلة تحاول أن تتحدي ظروفها المحيطة، وأن تتمالك نفسها، علي الرغم مما هي فيه، باحثة لنفسها عن بقعة صغيرة، تتخيلها العالمَ الذي يخصها، بعيدًا عن الآخرين، وتكون فيه كما تريد، لا كما يريد الآخرون منها: "كنت أتحدي دموعي في هذا الوقت، وأخذت عهدًا علي نفسي ألا أبكي أحدًا، ولا أبكي شيئًا، نعم. . . أتحدي الدنيا، لأنني لم أتجرأ عليها في شيء، فلم أطلب منها يومًا السعادة، كل ما طلبته ألا يؤذيني أحد، وهي آذتني".
هذه الدنيا التي آذتها لم تمنحها سوي مزيد من القهر، والإحساس بالمهانة والهوان: "البعض كُتب عليهم البكاء كرد فعل علي مشاعر الخذلان، وقد تجد البعض يبكي فرحًا، وفي الواقع لم أنْتَمِ لأيهما، فأنا ممن كُتب عليهم أن تجتمع فيهم كل خصال القهر، قهر بلا دموع، فالبكاء يجعلك إما أن ترتاح وإما أن تتعب أكثر، هل سيبقي وجعي وحيدًا لا تطوله يد الحنان أبدًا ؟! ألن يفيق وجهي من عبوس جراحه ؟!".
رونق التي تكاد تكون غريقة في مشكلاتها الأسرية لم تجد يَدَ عون تمتد إليها سوي يد سامر زميلها في العمل الذي ساعدها في العثور علي طبيب يعالج أختها الصغيرة، وشيئًا فشيئًا توقظ معاملة سامر لها مشاعر الحب التي حاولت أن تطرق بابها رغم تلال الهموم والعذابات التي تتجرعها كل حين من أسرتها. في حالة خاصة تنتقد هدير مجدي حالة التفسخ الأسري، أيًّا ما كان سببه، كما تنتقد حالة السلبية التي يعيشها البعض مستسلمًا للحالة التي فُرضت عليه، أو وضع هو نفسه فيها طوعًا واختيارًا، دون أن يفكر حتي في مجرد السعي نحو التغيير ولو قليلًا: "كيف لرجل يتنصل من مسئولية أخته، وقَبِل أن يكون دميةً في يد أمه، أنْ يبني أُسرة، ويصبح مسئولًا عنها!".
جُزر صغيرة
لقد حاولت هدير مجدي في روايتها هذه أن تناقش قضية التفسخ الأسري، سواء كان بالانفصال، أو بسفر أحد الوالدين، أو كان بانعزال الجميع وهم يعيشون أسفل سقف واحد، وكل منهم يبتعد، وبرغبته، وحيدًا في جزيرته الصغيرة، لا يشعر بالآخرين ولا يشعرون هم به. هذا التفسخ يصيب أفراد الأسرة، في أحايين كثيرة، بالعديد من الأمراض النفسية، التي يصعب تداركها وعلاجها فيما بعد. وبعد، لقد نجحت الروائية هنا في نقل هذه الحالة النفسية بلغة بسيطة، وسرد سلس، غير أنها قست كثيرًا علي القاريء الذي جعلته يعيش هذه الحالة متأثرًا ببطلتها، ومشفقًا عليها مما هي فيه.

المصدر: اخبار الادب

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على حالة خاصة: أنْ تجعل القسوة أسلوب حياة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
79298

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة