الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › أروي صالح‮.. ‬كانت رحلة البحث عن ماذا؟

صورة الخبر: رحلة البحث عن ماذا
رحلة البحث عن ماذا


لم‮ ‬يكن بإمكان امرأة صادقة ومُحبِّة حقيقية للحياة مثل أروي صالح،‮ ‬أن تكتب كتابًا بإيجاز وحِدة‮ "‬المُبتسرون‮... ‬دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية‮"‬،‮ ‬الذي أعادت مكتبة الأسرة إصداره مؤخرًا بسعر جُنيهين مصريين فقط،‮ ‬وأن تُعرِّي فيه المسامير المضروبة في جسد الحُب وفي جسد الوطن وفي جسد الذات،‮ ‬دون أن تكون قد تخلّصت نهائيًا من كل الأوهام التي تجعل الحياة مبلوعة عادة،‮ ‬خصوصًا في بلدٍ‮ ‬مثل مصر،‮ ‬لم تكن أروي لتفعل ذلك لولا وجود أمل أعظم من أمل الوهم،‮ ‬هو أمل الاقتراب من الحقيقة،‮ ‬من الخلاص الذي تُحققه الحقيقة،‮ ‬حين ترضي بأن تتجمع ملامحها المختلطة والمراوغة أخيرًا كي تكوِّن وجهًا واحدًا له أنف وعين وأذنان،‮ ‬والأهم لسان‮.‬
لكن أروي التي ستبدو علي الدوام،‮ ‬من فرط‮ "‬بيوريتانيتها‮" ‬حسب تعبيرها،‮ ‬في أعين المُثقفين،‮ ‬أقرب إلي شخصية في رواية،‮ ‬رواية عليمة،‮ ‬وساردة بضمير المُتكلم في الآن نفسه،‮ ‬من الأسهل أن‮ ‬يتم تلقيها علي أنها البطلة التي رأت كل شيء،‮ ‬ولم تحتمل،‮ ‬لأنها هشّة أكثر مما‮ ‬ينبغي،‮ ‬أضعف من هؤلاء الذين سيأتون علي سيرتها بحزنٍ،‮ ‬ثم‮ ‬يُغادرون إلي حياة أكثر من أي شيء تُجيد اللف والدوران في العالم القاسي‮.‬
مع ذلك‮ ‬يأتي‮ "‬المُبتسرون‮" ‬الذي ترفض أروي في مُقدمته أن تُسميه أدبًا،‮ ‬كعمل أدبي رفيع،‮ ‬ليس فقط لطلاقته في الاعتراف بهزائم أجيال متتالية،‮ ‬ومنها الذي كانت تنتمي له أروي،‮ ‬جيل الحركة الطلابية في السبعينات،‮ ‬ولا لأن صوت أروي الذاتي لم‮ ‬يغب مرة،‮ ‬ولا في عز‮ ‬غرقها في التحليل العقلاني،‮ ‬الساخر والمُرِّ‮ ‬الذي لم‮ ‬يفلت منه شيء دون أن‮ ‬يُفنده،‮ ‬بما في ذلك الإنجازات الوطنية التي‮ ‬يتغذي عليها الإيجو المصري وأهمها‮ "‬حرب أكتوبر المجيدة‮"‬،‮ ‬إنما ما‮ ‬يجعل كتاب أروي أقرب للأدب،‮ ‬أقرب للرواية التي لم تُكمِّل أروي مشروعها فيها،‮ ‬ما‮ ‬يجعله هكذا هو هذا التشريح الباطني الحساس،‮ ‬الاستبصار الذي‮ ‬يفتح وعي الكاتبة‮ "‬كقناة‮"‬،‮ ‬قناة لمرور أرواح الآخرين،‮ ‬مشاعرهم وهزائمهم وشهواتهم،‮ ‬ثم سقوطهم الحتمي في الأخير،‮ ‬ولا‮ ‬يعني هذا أن التي كتبت سوف تنجو من السقوط،‮ ‬يُعاني الأدباء‮ ‬أيضًا،‮ ‬الفرق فقط أنهم‮ ‬يعيشون المُعاناة تحت ضوء اللمبات النيون الساطعة‮.‬
‮ ‬منذ البداية تتحدث أروي عن جيل سابق،‮ ‬جيل الستينات،‮ ‬جيل بدا كالأب للجيل الجديد،‮ ‬جيل أروي آنذاك،‮ ‬هو الذي مرر الأفكار الأولي والمباديء،‮ ‬محاولًا النجاة من مصير شخصي لم‮ ‬يقم باختياره،‮ ‬بعد سقوط التجربة الناصرية‮ "‬التي أخذت البلد كله وسقطت به‮"‬،‮ ‬كما تقول أروي،‮ ‬ومنها إلي جيل أروي،‮ ‬الأمل الكبير المُحلِّق الذي كان‮ ‬ينقصه جناحان فقط ويطير،‮ ‬جيل لم‮ ‬يكن قد اكتمل في رحم الأم بما‮ ‬يكفي كي‮ ‬يخرج إلي النور،‮ ‬غير مُبتسر قادرًا علي إيجاد حلول مُختلفة‮.‬
وإذا النضال‮ ‬يُصبح مجرد هروب من أزمة شخصية لا‮ ‬يعلم أحدُ‮ ‬متي حدثت،‮ ‬ولا ما هي أبعادها الحقيقية،‮ ‬كالهروب من شبح التماثل مع الأب،‮ ‬أو انقشاع وهم سقوط تجربة عظيمة كالتجربة الشيوعية في العالم كُله،‮ ‬هذا الهرب الذي لن‮ ‬يقود إلي أي شيء،‮ ‬وكما تقول أروي عن ذاتها وربما عن جيلها كله‮ "‬غريب أن تنتبه دُفعة واحدة،‮ ‬تتذكر في لحظة أن المشوار الذي قطعت فيه العُمر بدأ دون حُب لموضوعه الفعلي‮ ! ‬المُعلَن،‮ ‬المُشترك‮ (‬النضال السياسي‮)‬،‮ ‬بل تحت عبء باهظ بالإحساس بالواجب حقًا‮ !"... ‬ما هو مصير النضال الذي‮ ‬يتخذ طريقه إلي الخارج خوفًا من وحش‮ ‬يسكنُ‮ ‬في الذات؟
لم تكن هذه تجربة أروي فقط،‮ ‬بدليل أن الآخرين بعد سقوط التجربة انحدروا في اختيارات‮ ‬غريبة،‮ ‬الذين وجدوا المُقابل في مشاريع أخري أصبح لها ثمن فعلي وواقعي هو المال،‮ ‬أو الذين انعزلوا لاعنين العالم لأن‮ "‬المرء حين‮ ‬يعجز عن فهم العالم‮ ‬يُحاكمه‮" ‬كما تقول أروي،‮ ‬الجميع مضي في سقوطه بنفس الاندفاع الثوري،‮ ‬ولم‮ ‬ينج أحد من السقوط،‮ ‬ولم‮ ‬ينج شيء،‮ ‬بما في ذلك الحُب،‮ ‬الكارثة أن الحُب تحديدًا لم‮ ‬ينج من السقوط،‮ ‬تقول أروي‮ " ‬كل الطرق عند البرجوازية تؤدي إلي‮ "‬الذات‮"- ‬حتي الحُب،‮ ‬وكل الطرق تمر بالصراع من أجل تأكيد الذات علي حساب الآخرين ـ حتي المحبوب‮".‬
لكن مَنْ‮ ‬آخر‮ ‬غير أروي كان سيقف كي‮ ‬يُعاين حقيقة الجُثة قبل أن‮ ‬يُمسك قلمًا وورقة ويكتب الوصف بالتفصيل،‮ ‬محاولًا أن‮ ‬يحمي الآخرين الذين سيأتون في الأجيال القادمة،‮ ‬من الوقوع كضحية مغدورة للغباء الذي‮ ‬يسمُ‮ ‬به التاريخ نفسه وهو‮ ‬يُعيد تكرار الوقائع والمصائب والنهايات دون أن‮ ‬يتعلم أحد،‮ ‬لقد وقعت الأحداث نفسها بعد أكثر من أربعة عشر عامًا من انتحار أروي سقوطًا من ارتفاع شاهق في صيف العام‮ ‬1997،‮ ‬تكرر الفيلم بأبطال جُدد،‮ ‬رئيس آخر ومُعارضون آخرون،‮ ‬ثم جيل جديد من المُبتسرين خرجوا في‮ ‬يناير‮ ‬2011،‮ ‬تنطبق عليهم نفس الأوصاف‮ " ‬لقد كان طبيعيًا أن‮ ‬يأتي الاحتجاج الأول وسط هذه العلاقات الهلامية هلاميًا مثلها،‮ ‬لا أعداءه واضحون ولا كذلك أنصاره‮."‬،‮ ‬أليس هذا ما حدث بالضبط؟
كان آدم وحواء وحيدين في الجنة،‮ ‬حين وجدا أنفسهما عاريين بغتة عقابًا علي اقتراف الخطيئة،‮ ‬مع ذلك شعرا بالرُعب،‮ ‬أما أروي فقد تعرَّت بإرادتها في الزحام،‮ ‬دون رفيق ولا حتي حلم انتظار الرفيق؛ في رسالتها الثانية بالكتاب،‮ ‬كانت أروي قد وصفت عمرها الذي لم‮ ‬يتجاوز الرابعة والثلاثين فقط،‮ ‬بالعُمر الطويل،‮ ‬ربما من كثرة ما رأت،‮ ‬كانت قد اختارت أن‮ "‬تقضي علي الحياة‮" ‬متي أصبحت الرواية مُملة في حاجة إلي خاتمة،‮ ‬اختارت الموت بإرادتها،‮ ‬بعد سفرٍ‮ ‬لإسبانيا،‮ ‬عادت بعده إلي مصر‮ ‬مرّة أخري،‮ ‬مصر التي‮ ‬يبدو أنها لا تتغير‮.‬

المصدر: اخبار الادب

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أروي صالح‮.. ‬كانت رحلة البحث عن ماذا؟

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
46672

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة