الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › فيلسوف ألماني يدعوك إلى تغيير حياتك

صورة الخبر: فيلسوف ألماني يدعوك إلى تغيير حياتك
فيلسوف ألماني يدعوك إلى تغيير حياتك

في بحثه الأخير الذي يحمل عنوان "غير حياتك" يحاول الفيلسوف الألماني ما بعد الحداثي بيتر سلودردايك البحث في ثنايا التاريخ عن أجوبة للعديد من الأسئلة الفلسفية التي تواجه الإنسان المعاصر بما فيها تلك التي تتعلق بالدين والميتافيزيقيا، وكذلك جوانب الحياة العملية، من هنا فقد جاء إختيار سلوتردايك لعنوان هذا العمل المأخوذ عن قصيدة لريلكه مؤشرا على سعي الكاتب للسير في طريق لم يخض من قبل، وسط معالم الأزمة الإقتصادية التي هزت العالم، ومازالت الى هذا الحد أو ذاك تشد عليه الخناق، بهدف الخوض في أروقة المعرفة البشرية عبر العصورالغرض منها نفض الغبار عن التجارب المعرفية لمختلف الأجيال وما حققته هذه التجارب من وجهة نظر حضارية ترتبط بالألتباسات الوجودية لهذا الجيل.
وفي الوقت الذي قد يوحي فيه عنوان الكتاب للقارئ بتوجه فلسفي اخلاقي، نجد الكاتب يضعنا في مواجهة جملة من القضايا الفكرية المتشابكة البعيدة عن التبسيط، بل هي أقرب ما تكون الى الإستطرادات الشاعرية المتعلقة بماضي البشرية ومستقبلها، صيغت بقوة بلاغية قد تذكر القارئ بالدفق اللغوي لدى نيتشة. من الملاحظ أن سلوتردايك لا يكتفي في بحثه هذا على تشخيص الظواهر المرضية للمجتمع المعاصر، بل يعالج بشكل مفصل قدرة الإنسان على الخروج من المأزق الحضاري عن طريق المغامرة وخوض الطرق غير المألوفة للوصول الى الهدف الذي يضعه الفرد لنفسه، حيث يرى ان الإنسان هو من جهة "أسير العادة"، غير انه يمكن أن يكون من جهة أخرى منتهكا لـ "حدود" الطقوس اليومية. وهو في هذا يقترب من نيتشه الذي وضع "تجاوز الحدود" في مركز فكره المتمرد، سواء في "هكذا تكلم زرادشت" أو في "بعيدا عن الخير والشر" - الترجمة العربية الشائعة والملتبسة بنظري "ما وراء الخير والشر"- كما في أعماله الأخرى. في هذا الإطار يأتي إستخدام سلوتردايك لإمثولة "البهلوان" في إطار التقليد النيتشوى الذي ورد في "هكذا تكلم زرادشت"، حيث يضع نيتشة صورة "البهلوان" رمزا لـ "السوبرمان". أما سلوتردايك فأنه يستخدم هذا الرمز للدلالة على السعي الدائم لدى نخبة من البشر تسعى من خلال "التمرين" على تجاوز حدودها الجسدية والفكرية تعبيرا عن قدرة الإنسان على الخروج من المحدودية الوضعية، المفروضة عليه ماديا، الى آفاق أخرى تشكلها القدرة الإبداعية للفرد، تلك القدرة التي تتجلى حسب سلوتردايك في مختلف جوانب النشاط الإنساني وتكتسب صيغتها الإبداعية عن طريق "التمرين". ولا يقتصر بحث سلوتردايك على عصر معين أو فئة معينة من البشر، بل يمتد من الماضي البعيد للبشرية من خلال التعرض للغائية الهندية Teleologie، مرورا بالفكر الإغريقي وصولا الى كافكا.
وعلى العكس من نيتشة لا يتخذ سلوتردايك موقفا معاديا لـ "التنوير"، بل يسعى من أجل توظيف أدوات الفكر التنويري في خلق أنثروبولوجيا تعني بالجانب الحياتي في مواجهة الكوارث التي تحيق بالإنسانية، حيث "لم تعد المسألة الحفاظ على موقع العمل على سطح "التيتانيك"، وأنما كيف ينبغي أن نعمل على إنقاذ السفينة من الغرق". ويؤكد سلوتردايك بأن الفعل يؤثر في النتيجة على الفاعل "فالأفكار تترك أثرها على المفكر، والمشاعر على من يشعر بها.." في هذا الإطار فأن الهدف من "التمرين" يستهدف التوصل الى "مناعة عامة"، تنصرف نحو الحياة من خلال تطوير "تقنية أنثروبولوجية" تجعلنا قادرين على مواجهة الكارثة قبل حدوثها. إذا فأن "الأنثروبولوجيا" –علم الإنسان- تشكل محورا أساسيا في هذه الدراسة، إذ نجد سلوتردايك مثل باحث آثار، ينقب خلال 700 صفحة في تاريخ البشرية بحثا عن أسرار بقائها على "قيد الحياة" رغم ما مرت به من مراحل مظلمة ومدمرة، ويقف سلوتردايك، بناء على ما توصل اليه من نتائج، على الضد مما يذهب اليه بعض المفكرين الأوربيين المعاصرين الى أننا نقف الآن في مواجهة "نهضة دينية"، مشيرا الى أن التفريق بين "العقيدة الدينية" و"إنعدامها" أصبحت في حكم الماضي، حيث أن البشرية تواجه حاليا سؤالا وجوديا حاسما الا وهو: "هل يجب علينا أن نترك الأمور تسير على ما هي عليه.."، وهذا السؤال غير مطروح على طرف معين من البشر، بل يواجه البشرية ككل بمختلف أديانها وجذورها الثقافية. وكما كان مصير بحثه الإستفزازي الكبير الذي نشر في العام 1999 تحت عنوان "قواعد البارك الإنساني: جواب على رسالة هايدغر حول الإنسانية"، حيث أراد البعض أن يلصق به تهمة النازية، فقد تعرض بحثه الأخير للنقد من قبل العديد من المفكرين الألمان، حتى أختزله بعضهم الى محاولة تعليمية تقدم جملة من "الخطابات" المختلفة الأصول، لا يربطها ببعض سوى مصطلح "التمرين" الذي يضفيه عليها سلوتردايك من منطلق المعلم والمحذر. غير أن هذا لا يغير في حقيقة كون سلوتردايك المولود في العام 1947 من أب هولندي وأم ألمانية، واحدا من أهم المفكرين الألمان المعاصرين ذوي التاثير الكبير على مسيرة الفكر الأوربي المعاصر.
ومن الجدير بالذكر أن سلوتردايك قد مر بمحطات عديدة في حياته التي تميزت بالتحولات وعدم الإستقرار، وذلك بعيدا عن حياته الأكاديمية، فقد أرتبط على سبيل المثال لفترة طويلة مع المفكر الهندي المثير للجدل شاندرا موهان جاين (باغوان) 1931-1990، في صداقة عميقة أنتهت بعد موت الأخير.
وربما جاءت معرفته الموسوعية بالأديان من خلال إحتكاكه المباشر بحضارات الشعوب المختلفة، وقد برزت هذه المعرفة في بحثه المسمى: "حماس الرب: دراسة في الأديان التوحيدية الثلاثة اليهودية المسيحية والإسلام".

المصدر: صالح كاظم -ايلاف-

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على فيلسوف ألماني يدعوك إلى تغيير حياتك

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
86283

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة