الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › من الورق إلى الشاشة، مجازفات التحويل

صورة الخبر: من الورق إلى الشاشة، مجازفات التحويل
من الورق إلى الشاشة، مجازفات التحويل

تطرح العلاقة بين الأدب و السينما إشكاليات عدة منها خصوصاً استقلالية الفن السابع عن المنظومة الأدبية. ومن البداهة أن السينما كشكل جديد من أشكال التعبير تُأثّر وتواصل التأثر بالفنون الأخرى الأقدم منها والتي من غير المتاح تجاوزها. تجربة التبادل الأولى كانت مع المسرح ثم جاء دور الأدب.
إذ منذ البدايات نسجت السينما علاقات معقدة مع الأدب بالابتعاد من حين لآخر عن النموذج السردي، دون أن تنقطع الروابط بشكل جذري. تباعاً لذلك، أصبحت الكاميرا معادلاً للقلم أو هي أداة كتابة حاملة لنفس مواصفات وحنكة وبراعة اللغة المكتوبة لتتجاوز عملية الإخراج بذلك وظيفة عرض صور متتابعة إلى وظيفة كتابة حقيقية. يتمحور النص الأدبي حول شكل سردي خاص به، مختلف عن ذلك الذي تسلكه الحبكة السينمائية. مقابل سرد قصص باستعمال الكلمات، تستعمل السينما أسلوبها السردي الخاص المعتمد على حركة الكاميرا، زوايا التصوير، التأطير، إدارة الممثلين و المونتاج.
بالنسبة لـ (أندري بازان) فإن اقتباس عمل أدبي كبير يستوجب تدخل "عبقرية خلاقة": "لا يتعلق الأمر بترجمة أمينة بل باستلهام حر بكل حب و احترام لأجل فيلم يتجاوز الرواية ومن ثم البناء عليها. لا يجب على الفيلم ان يكون مشابها للرواية أو ندا لها بل يجلب ان يكون كائنا جماليا مستقلا".
الأمر يختلف عند مرغريت دوراس التي تعتقد بأن السينما توقف النص و تعطل الخيال الذي يمنحه الكتاب. جيداً كان أم رديئا، فإن الفيلم يمثل نقطة النهاية و يقوم بعملية تثبيت للتصورات المنبثقة عن النص بصفة قاطعة و نهائية.
أولى الاقتباسات السينمائية للأعمال الأدبية تعود إلى "جورج ميلياس" الذي نقل رواية "من الأرض إلى القمر" لـ (جول فيرن) إلى الشاشة الكبيرة تبعه في ذلك الأخوان (لوميار) ليطلق سرجيو ليوني لاحقاً مسيرته السينمائية بفيلم (آخر أيام بومبيي1959) الذي تم اقتباسه عن كتاب يحمل نفس الإسم ثم تبع ذلك حركة اقتباسات كبيرة كان شكسبير صاحب النصيب الأوفر منها. الأمر اختلف الآن فصار المخرجون والمنتجون يركزون على الكتب التي تحقق أعلى مبيعات لنقلها للسينما ليكون الهدف ربحياً صرفاً (دافنشي كود-دان براون) مثالاّ.
من هنا تحديداً ينبع التساؤل حول إمكانية تحويل محتوى شكل فني إلى آخر؟ ما الذي يدفع السينمائيين إلى اقتباس الأعمال الأدبية هل هم مبهورين بشهرة العمل الأدبي و وقع ذلك على الجمهور أم في الأمر استسهال لسهولة الوصول إلى قصة مكتوبة شهرتها جاهزة تترقب فقط نقلها إلى الشاشة. يقول (جوليان جراك) في هذا الصدد: "كي تصبح الرواية فيلماً جيداً يجب أن يكون الفيلم أمراً مختلفاً. يجب البحث عن نوع من المعادلة التي لا تقتصر على التحويل إلى المرئي". وهذا يحيل رأساً إلى مقولة أن السينما ليست وظيفتها منافسة الأدب في مجاله، السرد، بل اكتشاف أشكال تعبير جديدة تعطي مجالات أخرى للنص الأدبي. انطلاقاً من هذا التوصيف، لا يمكن لصنف من الفنون أن يترجم تماماً صنفاً آخر، كما لا يمكن لأي عمل أدبي أن يعبّر عن فيلم، والعكس جائز.
إذا كان للسينما إمكانية إعادة إحياء الأدب فان ذلك يتم عبر عملية التحويل. عناصر الانطلاق تتمثل أساساً في سيناريو و في شخصيات نمطية. خلافاً للمسرح حيث يجب أن يُحترم النص، فإن النص الأدبي المحوّل للسينما يستوجب صياغةً جديدةً تحوّله إلى سيناريو صالح للشاشة الكبيرة. علاوة على اختيارات السيناريو و لعب الدور يجب انتقاء طريقة الإخراج المختلفة من مخرج إلى آخر بطبيعة الحال. في فيلم "ذهب مع الريح"، قام (سيلزنيك) بضبط 3 قواعد كبرى للاقتباس: الزمن في السينما أقصر مما هو عليه في الأدب إذ لا يجب التورع على القص والتخلص من المحاور غير المجدية للحبكة الدرامية. احترام المقاطع الشهيرة التي لا مناص من إدراجها بالفيلم. عدم اختراع أي شيء بل اختيار اللقطات التي تعزز تلك التي تم اختيارها. يفترض الاختزال جزءا من "غياب الأمانة" و يحرص دائما على التأكيد على الانتماء للعمل الأدبي حتى بإبراز غلاف الرواية ذاتها على الشاشة منذ لقطة البداية. من جهة أخرى، يمكن أن يدرج النموذج السردي في الأحداث في حال التمهيد: في أحدب نوتردام (1956) لـ "جون دولانوي" يمكن أن نستمع إلى الصوت المصاحب يقرأ النص التمهيدي بينما تجول الكاميرا حول الديكور المحيط.
الاقتباس إذن يتطلب إعادة صياغة النص الأدبي لإدخال عناصر جديدة توفر حلولاً عند المرور من النص إلى المرئي. نتحدث في هذه الحالة عن إعادة كتابة للعمل الأدبي لا يهتم فيه الاقتباس بمعادلة الحروف بالصورة بل باستغلال إمكانات كامنة في العمل الأدبي عبر إعادة توزيع للمعاني على الشاشة. تباعاً لما تقدم، لم يعد هناك مجال للحديث عن علوية النص الأدبي على الفيلم في بل هي إرادة لتحييد النص قدر الإمكان لفائدة المرئي.
يصنف (آلان غارسيا) الاقتباس إلى مستويات عدة و يؤكد في هذا الشأن على أن: "أصعب مراحل الاقتباس، هي تلك التي تتطلب ترجمة التزامن الروائي الحر إلى تزامن سينمائي مجمّع مصطنع واعتباطي". بهذا المعنى يمثّل تصوير أو نقل الفيلم، مجرد اقتباس سلبي مرتبط بزمن الرواية يهدف إلى ضبط قيمة السرد إلى الطول المحدد مع استعمال العناصر الرمزية و المرئية للرواية. بينما يتحدث (غارسيا) عن اقتباس حر عندما تتبين الحالة انطلاقا من العناصر التالية: "الموقف، "الشخصية" و"الموضوع". ثم يفرد (غارسيا) تصنيفاً خاصاً للاقتباسات سمّاه "الاستطراد" معتبراً أن ذلك يحدث عندما يبتعد الإخراج السينمائي عن الموضوع الأصلي للرواية. بينما يستعمل لفظ "التحويل"عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على جوهر الرواية مع محاولة إيجاد معادلات لإعادة تشكيلها من جديد. في هذا الباب تكون قيمة الوفاء للنص المكتوب أمرا محموداً. لا تقتضي الأمانة هنا نقلا حرفياً للأحداث ومحاكاة الشخصيات بل تتجاوزه لتشمل فهماً عميقاً لجوهر وأبعاد النص فيغدو للمقتبس هنا هدفين: أمانة الترجمة وحرية الإبداع.( أورسون ويلز) و (فريديريكو فيليني) يعدّان ممن نجحوا في هذه العملية في أن يبقوا ملاصقين للعمل الأصلي مع خلق شيء مجدد وشخصي، في هذه الحالة فقط لا يشعر المشاهد أن الفيلم تعسّف على العمل الأدبي بل يحدوه انطباع انه ينضاف إليها في بعد آخر وفي رؤية ثانية ليس إلا.
بينما يتعلق التناظر حسب تصنيف (غارسيا) بتمكن السينمائي من الارتقاء إلى مستوى كاتب الرواية في سياق أدب عالي الجودة. أي عندما يصل بالتعاون مع كاتب السيناريو إلى منافسة الرواية نفسها. نحن إذن أمام أكثر من مجرد تحويل بل هو "انسلاخ" سينمائي عن رواية مكتوبة. آخر مستويات الاقتباس تتمثل في النقل إلى الشاشة، أي عندما لا يهتم المخرج بالنقل الحرفي ولا يكترث لأمانة النقل بل يغير الرواية إن كان في بعض تفاصيلها أو في هيكلتها الجملية مستعملاً العمل الأدبي كوعاء حامل لشخصيات و مواقف من الواجب منحها قيمة مضافة مكتفياً بروح العمل والجو العام والمشاعر والأفكار التي يثيرها. النقل إلى الشاشة يحيل ببساطة إلى فعل متفرد على مستوى الخلق، هو نوع من التقمص الفني أو هي ولادة ثانية.
فضلاً عن إشكاليات المحتوى التي يطرحها الاقتباس، تدخل قضايا الشكل على الخط لتضيف درجة على سُلّم التعقيد. إذ أن الاقتباس قد يقترن في أذهان جزء كبير من الجمهور بتشويه المخيال الذي انطبع في الأذهان بعد قراءة للرواية. الشخصيات، الأطر المكانية، ديكور الفيلم، كلها عناصر قد تشوش على المتلقي جودة تلقي الرسالة في حال لم تعبر عن التصورات الذهنية التي كوّنها القارئ عن العمل الأدبي. العكس جائز أيضا من منطلق أنه من الصعب التخلص من صور الممثلين و عناصر الفيلم عندما تسبق مشاهدة الفيلم على الشاشة قراءة الرواية، وإن كانت هذه الحالة نادرة. الأمر يعد غير ذي أهمية إذا ما تعلق بكتابة شفافة تلعب فيها الكلمات دوراً ثانوياً كما الحال عليه في الروايات البوليسية أو قصص الجوسسة التي تنطوي على أحداث أكثر منها على إبداع أدبي صرف فتكون عملية النقل أكثر سهولة.
أيا كانت الإشكاليات التي يطرحها الاقتباس فإن العملية في حد ذاتها تترك المجال فسيحا أمام عدد غير محدود من الإمكانات، ليغدو الأمر بمثابة لعبة لتجسيد المتخيل و ليس عملية البحث عن نموذج غير موجود بطبيعته إلا في ذهن القارئ. إذن هو طيف حرية واسع يمتلكه المخرج رغم أنه ليس من اليسير على الجميع النجاح في أعمال مثل "عناقيد الغضب"، "الجميلة و الوحش"، "الجسر والنهر". السينما كشكل تعبير شعبي استطاع أن يخرج من الظلّ عدداً لا يحصى من الأعمال الأدبية ويقدمه إلى الجمهور العريض، قد يطول الحديث عن إشكاليات الاقتباس، لكن ذلك لا جدال فيه.

المصدر: ايلاف | مهدى بن رجب

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على من الورق إلى الشاشة، مجازفات التحويل

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
39540

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة