نورهان الشيخ لـ"محيط" : أمريكا تستغل الثورات لتفتيت المنطقة .. وروسيا ليست "العدو"
روسيا كانت على مر تاريخها القيصري ثم السوفيتي فالحديث أكثر القوى الكبرى ميلا للعرب وهي حقيقة لابد أن تنتبه لها شعوبنا بعد ثورات الربيع الأخيرة خاصة وأننا مرحلة تحديد الحلفاء ..
هكذا عبرت الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في تصريحات لها لشبكة "محيط" على خلفية دراسة حديثة ، وأكدت أن أمريكا تريد الهيمنة على المنطقة العربية ولن يتحقق ذلك إلا بتفكيكها لدويلات صغيرة ودعم العمل المسلح ضد الأنظمة القائمة من قبل تيارات مختلفة حتى تعم الفوضى وتستطيع أمريكا إحكام قبضتها، وليس صحيحا ما تدعيه من أنها تقف مع حقوق الشعوب العربية في تحقيق آمالها المشروعة، ولنتذكر بشاعة ما قامت به في العراق وغيرها من قبل.
وعلى الرغم من الموقف الروسي الذي يميل لعدم الترحيب بالثورات العربية، ودعمها للأنظمة القائمة المستبدة، إلا أنه على المدى الطويل نلحظ أن استراتيجية روسيا تقوم على أن شراكتها مع العرب لن تتحقق إلا بوجود الاستقرار وهي ترى أن أمريكا تريد تفتيت المنطقة لصالحها، وبالفعل سنرى أن حكام العرب بعد الثورات منحازون بدرجة كبيرة للأجندة الأمريكية التي تجبرهم على الابتعاد عن شراكات مع الشرق عموما وروسيا بالأخص ..
وتؤكد الشيخ أن الرئيس مرسي حين طلب دعم بوتين الرئيس الروسي لمصر بالغاز رحب الأخير كثيرا، وهو ما يؤكد أن روسيا لن تقف حجر عثرة أمام الأنظمة العربية بعد الثورات.
من جهة أخرى، ترى روسيا في سوريا موطيء قدمها الأصيل في العالم العربي، وترى أنها مقبلة إما على سيناريو الصوملة الذي يتقاتل فيه الجميع خاصة أنها ترى مقاومة سورية ليس لها قيادة محددة وتندمج معها عناصر متطرفة مدعومة بالسلاح الخارجي ، وهناك سيناريو المفاوضات وإن كانت تزعج الثوار بمطلب أهمية حضور الأسد تلك المفاوضات!
وبغض النظر عن التحفظات العربية على موقف روسيا، فإنها تظل شريكا برأي "الشيخ" أفضل كثيرا من الغرب ويمكن استمالته لما فيه مصالحنا المشتركة ويمكن استعادة تجربة التحرر العربي بالخمسينات لتأكيد ذلك المشهد حين كان الاتحاد السوفيتي يدعم الثورات العربية ..
فيما يلي قراءة بسطور الدراسة الحديثة الصادرة عن مركز الوحدة العربية، والتي تستعيد تاريخ وقوف سوريا مع الحق العربي ..
روسيا القيصرية
شجعت روسيا القيصرية النزعة القومية العربية داخل الامبراطورية العثمانية، حتى تدخلت الامبراطورة الروسية كاترينا الثانية عام 1771 عسكريا لمساعدة علي بك الكبير في مصر في تمرده على الإمبراطورية العثمانية ومحاولته الاستقلال عنها .
وأسهمت روسيا بحسب الكاتبة من الناحية الروحية الدينية في أواخر القرن التاسع عشر في تعريب الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية ودعم تنصيب أول بطريرك انطاكي عربي ، وذلك بهدف التحرر من رقابة الكنيسة اليونانية على المسيحيين العرب الأرثوذكس ودعم أول بطريرك أنطاكي عربي، وذلك بهدف التحرر من رقابة الكنيسة اليونانية على المسيحيين العرب الأرثوذكس .
روسيا والصهيونية
بخصوص مسألة معاداة الصهيونية، تورد الدراسة أن اليهود الروس قد مثلوا في مطلع القرن العشرين أكبر تجمع يهودي في العالم حيث بلغ عددهم ما يزيد عن 5 مليون نسمة وهو نصف يهود العالم خلال 1910 . وبسبب معاناة الروس مع اليهود، فقد فرض عليهم قياصرة روسيا قيودا كثيرة وحرموهم من حقوق مدنية .
خلال الحرب العالمية الأولى اتهم اليهود بالتجسس لصالح ألمانيا والنمسا وقامت السلطات الروسية بإجلاء آلاف اليهود عن المناطق التي وصل إليها الألمان والقريبة من العمق الروسي وذلك خلال 1915 م .
عقب قيام الثورة الروسية في مارس 1917 بدأت أوضاع اليهود في التحسن النسبي نظرا لمشاركة اليهود الكبيرة في الحركة الثورية، ومساندة غالبية اليهود الروس الانقلاب الذي قام به البلاشفة للإطاحة بالحكومة المؤقتة في 7 نوفمبر 1917، وتكونت حكومة حملت اسم المجلس السوفيتي لوكلاء الشعب بلغ عدد اليهود بها 7 من إجمالي 21 عضوا نين لها ، كان من بينهم تروتسكي الذي شغل منصب وزير الخارجية .
صاحب ذلك تغيرا جذريا في النظرة إلى اليهود الروس، فتم التمييز بين اليهود الشيوعيين المخلصين للثورة وروسيا ، والصهاينة . وعلى حين تم الترحيب بالنوع الأول تم اضطهاد النوع الثاني.
وقد هاجم لينين الحركة الصهيونية واعتبرها حركة رجعية تتعارض ومصالح البروليتاريا اليهودية. وبالفعل شهدت الفترة التالية اعتقال عدد من القادة الصهاينة وحل التنظيمات الدينية اليهودية ومصادرة ممتلكاتها. ولم ترحب حكومة الثورة في روسيا بوعد بلفور ، بل وحظرت الهجرة إلى فلسطين .
ورغم أن عقد الأربعينات يعتبر استثناء عن هذا التوجه إلا إنه انتهى بحملة تطهير واسعة ضد اليهود الصهاينة، وبعداء معلن من جانب ستالين للصهيونية.
التحرر العربي
تؤكد الدراسة أنه خلال الحقبة السوفيتية ساند الاتحاد السوفيتي الحركة القومية العربية كحركة تحرر ضد الاستعمار والإمبريالية الرأسمالية .
وترى الدكتورة نورهان الشيخ أن دعم السوفييت للقضايا العربية جاء من منطلق معاداة الاستعمار والصهيونية كتوجه أساسي للثورة الروسية 1917 أي منذ وصول البلاشفة بقيادة لينين إلى السلطة والذين ناضلوا ضد البرجوازية وسعوا لقطيعة مع الإرث القيصري الذي كان جزء من المنظومة الاستعمارية ومتعاون معها . حتى أن البلاشفة نشروا الاتفاقيات السرية التي وقعها القياصرة ومنها اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بمقتضاها بلاد الشام والعراق بين فرنسا وبريطانيا .
وساند الاتحاد السوفيتي حركات التحرر العربي من الاستعمار وظل هذا الوضع مع ازدياد تبلور فترة ما بعد ستالين مع احتدام الحرب الباردة والتنافس بين القوتين العظمتين أمريكا وروسيا.
وفي الخمسينات استطاع عبدالناصر أن يعلن صراحة رفض بلاده الانضمام لحلف بغداد الذي ترعاه أمريكا وساهم بتدشين مؤتمر باندونج لعدم الإنحياز 1955 ، ثم أبرم صفقة الأسلحة الشهيرة مع تشيكوسلوفاكيا.
وحدة العرب
تفند الدراسة الموقف السوفيتي من أكثر من مشروع للوحدة العربية، بدء من مشروع الشريف حسين والذي أعلن 1916 ثورة الحجاز والذي أعلن نفسه ملكا على العرب وتقبل البيعة منهم .
وقد سرب البلاشفة الروس أخبار معاهدة سايكس بيكو للشريف حسين وأعلنوا تنصلهم منها، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت انجلترا وفرنسا تقسيم أملاك الخلافة العثمانية وهنا تيقن الشريف حسين من خيانة انجلترا واتجه للاتحاد السوفيتي الذي دعم مشروعه . كما كان الاتحاد السوفيتي أول من دعم إعلان الملك عبدالعزيز آل سعود نفسه ملكا على الحجاز 1926 حتى جرى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين 1938 .
وتضرب الدراسة نموذجا آخر وهو تأييد السوفييت للثورة العربية الكبرى 1936 والتي شكلت أقوى الانتفاضات الفلسطينية، والتي قدمت نموذجا عالميا لأطول إضراب يقوم به شعب كامل عبر التاريخ حيث استمر 187 يوما ..
وقد أيد الاتحاد السوفيتي الثورة الفلسطينية تأييدا كاملا كما أيد ما سبقها من انتفاضات وثورات خاصة ثورة 1929..
وقد رحب السوفيت بوحدة مصروسوريا، وإن تمت الإشارة للأحزاب للاحتفاظ بحق الحزب الشيوعي السوري في استمرار نشاطه ودوره نظرا للقلق السوفيتي من معاداة الرئيس عبدالناصر وملاحقته للشيوعيين في مصر. ولكن فيما بعد تغير موقفه حيث شعر أن سوريا ذائبة بدولة الوحدة وليست هناك وحدة طوعية بين البلدين.
حظت الدول العربية وخاصة مصر بدعم سوفيتي عسكري أمام العدوان الإسرائيلي 1967 وصلت قيمته 11 مليار دولار ، كما أعلن الاتحاد السوفيتي قطع علاقاته الدبلوماسية مع اسرائيل.
وتناولت الدراسة الدعم السوفيتي خلال حرب أكتوبر 1973 لمصر وسوريا، وكذلك الدعم مما وصفته بالقوى المحافظة الموالية للولايات المتحدة في الخليج من خلال مشاركتها في الحظر البترولي ضد أمريكا وحلفائها . وقد شاركت العراق والكويت والأردن والسعودية والجزائر بالقتال ضد اسرائيل في ساحات مصر وسوريا.
ورغم التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية السوفيتية عقب طرد الخبراء السوفيت من مصر عام 1972 إلا أن الاتحاد السوفيتي أيد مصر وسوريا عسكريا وسياسيا ، لكن النفوذ السوفيتي ما لبث أن أصيب بنكسة خطيرة في المنطقة نتيجة التقارب المصري الأمريكي واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة عام 1974 ، رغم الدعم العسكري والسياسي الهائل من جانب واشنطن لحليفتها إسرائيل قبل وأثناء حرب أكتوبر ثم في فترة ما بعد الحرب .
بعد تراجع الحرب الباردة خلال النصف الثاني من الثمانينات مع وصول ميخائيل جورباتشوف إلى السلطة في مارس 1985 دشنت مجموعة من السياسات للتقارب مع الغرب ، وبدا انكفاء الاتحاد السوفيتي على الشأن الداخلي في ضوء الأزمات التي اعتصرته وأدت إلى تفككه مطلع التسعينات.
وفي عام 1991 كانت روسيا هي الوريث للدول السوفيتية، وكان من نصيب الدولة معظم القدرات الاقتصادية والعسكرية السوفيتية والنووية العسكرية والمقعد الدائم في مجلس الأمن .
وترى الدراسة أن روسيا من أهم الاتحادات التي تتعامل بشكل متعاون مع فكرة الوحدة العربية لأنها ليس لديها مطابع بإذابتها أو الهيمنة عليها، حتى أن بوتين هنأ الدول العربية بمرور 60 عاما على إنشاء جامعته ، بل وزار مقر الجامعة عام 2005، فيما زار خلفه ميديفيديف الجامعة عام 2009 .
روسيا بحسب الدراسة هي الطرف الدولي الوحيد الذي يحتفظ بقنوات مفتوحة مع كافة أطراف القضية بما في ذلك حركة حماس التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية . وإن كان ذلك لا يمنع ارتباطها بعلاقات جيدة مع إسرائيل، فهي تؤيد فكرة وجود دولتين متجاورتين لفلسطين وإسرائيل.
وفي 2011 صوتت روسيا لصالح الطلب الفلسطيني بمنح فلسطين وضع دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة 2012 .
على صعيد آخر، وكما ترصد الدراسة كانت روسيا في مقدمة الدول الرافضة للاحتلال الأمريكي للعراق، وقد جاهرت بموقفها علانية داخل مجلس الأمن ، وبالفعل أصبح تصرف أمريكا مستهجنا على الصعيد الدولي رسميا وشعبيا ووصف بالاحتلال الأمريكي للعراق، وتصر روسيا حاليا على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من هناك .
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!