مذكرات عبدالغفار باشا: تصدي لطغيان الملك فؤاد .. واعتقلته محكمة الثورة!
"إلى كل فرد من عائلتي أهدي تلك الكلمات التي قالها لي الجد أحمد عبدالغفار"، هكذا تهدي الكاتبة والصحفية عائشة عبدالغفار كتابها "أحمد عبدالغفار ودوره في السياسة المصرية: 1919: 1952" الصادر عن دار العين للنشر.
الكتاب يضم سبعة فصول وخاتمة، وجاء بتقديم بطرس بطرس غالي سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق، واصفاً الكتاب بأنه يلقي الضوء على فترة من فترات تاريخ مصر الحديث والمعاصر وما واكبها من الحياة الحزبية والديمقراطية، وأيضاً إرهاصات النهضة المصرية من خلال حزب الأحرار الدستوريين وحزب الوفد وحزب السعديين وحزب الكتلة. وما تلا ذلك من تحول مصر من الملكية للجمهورية .
أحمد عبدالغفار باشا أحد مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين. وقد تولى عدة مناصب وزارية كوزارة الزراعة ووزارة الأشغال والأوقاف والدولة، وكان له دور مميز في البرلمان متمثلاً في موقفه من مسألة المخصصات الملكية للملك فؤاد.
حوكم عبدالغفار بعد 1952 أمام محكمة الثورة وتمت تبرئته ، وكان له دور هام في العمل الخيري خاصة جمعية المساعي المشكورة والجمعية الخيرية الإسلامية.
تاريخ العائلة
عائلة عبدالغفار في "تلا" تعد من أبرز عائلات المنوفية، وتعود إلى عصر الخديوي "إسماعيل"، وكان القصر يمنح الفرصة للاشتغال ببعض الوظائف الحكومية من أبناء أعيان المصريين الذين تلقوا تعليمهم في أوروبا، مما خلع عليهم نفوذاً كبيراً في قراهم، وتولى بعضهم منصب العمدة كعائلة عبدالغفار.
الأصل والمنشأ
نشأ أحمد عبدالغفار في أسرة تجمع بين الصلاح والطابع الارستقراطي لكبار الأعيان ، وقد تولت والدته السيدة عائشة تربيته بعد رحيل أبيه المبكر، وكان ولدها وأخوته تحت وصاية عمهم حسنين عبدالغفار .
ووفقاً للمعلومات التي أفادت بها ميشيل كونري مساعدة مدير أرشيف جامعة أكسفورد كما يورد الكتاب؛ فإن أحمد عبدالغفار قد تم قبوله بسانت جون كوليج بأكسفورد يوم 20 يناير 1910حيث تخرج في 1913، وإلى جانب تخصصه في الاقتصاد السياسي، اهتم كذلك بمواد مثل التاريخ الحديث والمخطوطات العربية المقدسة والأدب الإفريقي واللاتيني والعربي والأدب الإنجليزي متمثل في شكسبير وجونسون وغيرهم.
لم يكن أحمد عبدالغفار من الناس الذين يسعون لاعتلاء المناصب، وهكذا كما يصفه الكتاب ظل شامخاً حتى وفاته، بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتقديمه لمحاكمة الثورة 1953 وفرض الحراسات عليه عام 1961، حتى أصيب بمرض السكر وضغط الدم، ومات على إثر ذلك بمنزله بالمعادي في رمضان 1968 غير أنه لم يدفن بمدافن العائلة بتلا منوفية، نظراً للموقف الذي اتخذته منه الثورة ورجالاتها، فدفن بالقاهرة بمقابر الغفير.
الحياة الحزبية
كان عبدالغفار وفدياً صرفاً، يحب سعد زغلول ويشجعه، ويسانده لنصرة القضية الوطنية. وقد اجتهد في هذا بكل طاقته، من خلال جمعه للأصوات والتوقيعات والمال مساندة له، لكن بعد أن سافر الوفد وفشل فيما كان يصبو إليه، ورجع بخفي حنين على إثر الخلاف الذي دب بين أعضائه ثم الخلاف الذي وقع بين سعد زغلول وعدلي يكن؛ ورغبة الأول في رئاسة وفد المفاوضات بعد ذلك بدلاً من الثاني.
أخذ أحمد عبدالغفار يعدل عن رأيه في الوفد وسعد زغلول، إذ أنه كان يريد الالتحاق والوفاق على أساس ميثاق وطني وبرنامج يتم تنفيذه، لا الاستسلام لشخص سعد زغلول وآرائه وحده، ولعل هذا ما أكده أحمد عبدالغفار بقوله "إننا نريد الاتحاد ونريد الوفاق على أساس ميثاق وطني على أساس برنامج ننفذه، على أساس خطة نتبعها، ولكن سعد زغلول يطلب منا الإخلاص لشخصه وما كنا للأشخاص عابدين".
لهذا نجد أحمد عبدالغفار وغيره كانوا من المناصرين لعدلي يكن رئيس الوزراء.
وقد ذكر المؤرخ عبدالعظيم رمضان أن حزب الأحرار عند تأليفه روعي فيه أن ينضم إلى عضويته جميع أعضاء لجنة الدستور، وعدد آخر من ذوي النفوذ، وجماعة من الشباب أمثال حافظ عفيفي رئيس جمعية مصر المستقلة، وأحمد عبد الغفار وأمثالهم من مديريات مختلفة ممن عرفوا بنشاطهم في مديرياتهم وتأييدهم لعدلي يكن.
وعلي هذا فإن حزب الأحرار الدستوريين هو حزب كبار الملاك والأعيان وأبنائهم من المثقفين بغير منازع. ومن ثم لا نبالغ إذا قلنا أن هذا الحزب هو حزب الطبقة العليا في مصر، حزب صفوة المصريين غنى وثقافة.
الأحرار الدستوريين
مارس عبدالغفار دوراً مميزاً منذ نشأة الحزب في أكتوبر 1922، وحتى سقوطه بعد قيام ثورة يوليو 1952، فقد كان الراحل على خلاف هو وحزبه مع سعد زغلول، إلا أنه بعد استقالة وزارة سعد باشا في نوفمبر 1924 شهدت الفترة التي أعقبت هذه الاستقالة تقارباً واضحاً بين الوفد والأحرار الدستوريين لعب فيه عبدالغفار دوراً بارزاً حيث اتفق الحزبان على ضرورة إسقاط وزارة زيور باشا، وعودة الحياة النيابية التي تضمن للحزبين المشاركة في الحكم. وذلك بالرغم من الخلافات السابقة بينهما .
ظل عبدالغفار كأحد أهم أعضاء حزب الأحرار الدستوريين حتى قيام الثورة عام 1952، حيث قدم استقالته إلى محمد حسين هيكل رئيس الحزب. وكان له نشاط في الحركة الوطنية المصرية، فقد كان أول المناصرين للوفد المصري الذي سافر لمؤتمر الصلح بباريس لعرض قضية مصر، والحصول على الاستقلال، إذ أنه كان من أول المناصرين للوفد والمدافعين عن أعضاءه الذين اعتقلهم الإنجليز.
وقام حينها بجمع الإمضاءات من الناس للوفد بعدما أفرج عنه، وسمح له بالسفر والتبرعات المالية، حيث كان عبدالغفار أول الناس دفعاً للأموال.
كذلك كان له موقف من القصر، منذ أن كان عضواً بمجلس إدارة حزب الأحرار الدستوريين وعضواً بمجلس النواب، ثم وزيراً في جميع الوزارات التي تولاها بدءاً من 1940 وحتى 1949.
ولعلنا نتبين هذا في ضوء ما سبق ذكره بشأن المخصصات الملكية، وكيف أنه وقف وقفة عنيفة بمجلس النواب، أثناء عرض هذه المخصصات، حتى تم تخفيضها وقد كان لهذا أثره الواضح في عدم حب الملك فؤاد له، ومنعه من تولي أي وزارة في عهده حتى جاء عصر ولده الملك فاروق.
وكذلك كان له مواقفه مع الملك فاروق، فقد طلب الملك منه ذات مرة -وقد كان عبدالغفار وزيراً للزراعة في وزارة حسين سري - جزيرة بأسوان عرفت بجزيرة السردار، ولكن أحمد عبدالغفار تصدى له ورفض مطلبه.
عبدالغفار وزيراً
كان الراحل وزيراً للزراعة في وزارة حسن صبري أيام الملك فاروق، وكان أول ما فعله أحمد عبدالغفار عقب استلام منصبه الوزاري الجديد أن كثف جهوده للعمل على مقاومة دودة القطن بالمواد الكيميائية، إذ أن هذه الطريقة هي أفضل ما اهتدت إليه الحكومات في ذلك الوقت.
ومن مجهوداته في زارة حسن صبري إعداد مشروع لاستخراج السماد من القمامة خاصة بعد جمعها وتنقيتها، أما عن القمح فقد أصدر قراراً يقضي على كل زارع حصل في سنة 1946 – 47 على بذرة تقاوي القمح من وزارة الزراعة أن يسلم إليها إردبين عن كل فدان من محصوله الناتج من هذه التقاوي إلا إذا كان قد تظلم إلى اللجنة، وتبين أن الناتج من زراعته لا يسمح بتوريد هذه الكمية، ففي هذه الحالة يؤخذ منها فقط الكمية التي تكون هذه اللجنة قد قررت الاستيلاء عليها من محصوله. ومن أعمال أحمد عبدالغفار في وزارة الزراعة عقده للمؤتمر الدولي للقمح في القصر الكبير بحضور 51 دولة.
محكمة الثورة 1953
كان أحمد عبدالغفار كما يقول الكتاب منذ أعلنت الثورة من أول المؤيدين لها، ونظر إليها على أنها المخلص من الملك فاروق، وصراع الأحزاب.
لكن أصحاب الثورة قرروا محاكمة أصحاب العهد السابق، والذي كان من بينهم أحمد عبدالغفار حيث صدر قرار في 8 سبتمبر 1952 بالقبض عليه على غيره من رجال العهد الملكي، قد تم اعتقاله وحُددت إقامته بمنزله بالمعادي، وكانت التهمة الموجهة ضده هي المساعدة على إفساد الحكم، وجمع ثرة بطرق غير مشروعة، بلغت ربع مليون جنيه نسبها لنفسه، ولأولاده، ولأحفاده، وزوجته، وزوج ابنته، واستغلال نفوذه في تسع وزارات لمنفعته الشخصية.
وخلال هذه المحاكمة يبرز الكتاب شهادة عديد من الشهود، مثل الدكتور محمد حسين هيكل، وماهر نور زوج ابنته، وعثمان عبدالغفار ابنه، ومحمود باشا غالب، والدكتور حسين حسني سكرتير الملك فاروق وغيرهم، ومنهم أيضاً من وقف حجر عثرة أمام ما أنجزه عبر تاريخه السياسي.
وصدر الحكم بإلزامه برد مبلغ 73 ألف جنيه فيما صرف على أحد المصارف التي قام بإنشائها خدمة لأراضيه، كما رأت المحكمة، في حين كان هذا المصرف لا يروي إلا فدان وبضعة قراريط من أراضيه، وقال رئيس المحكمة حينها عبداللطيف البغدادي لعبدالغفار أن التاريخ سجل له أنه كان ضد طغيان فؤاد وفاروق، فقد كان كثيرون من أفراد الشعب يدفعون 50 ألف جنيه ليحصلوا على رتبة، قائلاً: قد نشرت حول اسمك شائعات كثيرة، وقد تبين موقفك كاملاً وأصبح معرفاً للشعب بأكمله.
وكان تعقيب عبدالغفار على الحكم أنه يعتبره حكم من المحكمة على أنه مواطن شريف لم يفسد الحكم، وبخصوص دفع 73 ألف جنيه فالمال يجئ ويذهب!.
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!