الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › ملف خاص : إبراهيم أصلان

صورة الخبر: إبراهيم أصلان
إبراهيم أصلان

* أصلان يعود إلى «خلوته»
تسكننا الحياة، فتبدأ حكاياتنا، ونصنع تفاصيل تخصنا، فنتداخل، ونتباعد، ونتفانى، ونتناحر، حتى نسلم أنفسنا، دون أن ندري، إلى أنامل رقيقة، تكتبنا، وتنفخ فى أرواحنا، وتجعلنا أبطالا رغم هزيمتنا، أنامل ترسم حدودنا باتساع الحياة نفسها، وترصد مشاعرنا كشلال يستحق أن نقف وسط مياهه فخورين بذواتنا التى تلمس أرض بحيرته مثلما تلمس عيوننا زرقة السماء. وبعد تحققنا بين دفتى قصص تخصنا، يأتى الموت، كأديب ردىء يكتب نهاية من يحبون الحياة ويحبوننا، يعاقبهم على رقة أناملهم، ونضارة عيونهم، وبهجة ألوان كلماتهم، فيخطفهم، ويتركنا فرادى فى الحارات والأزقة والشوارع نبحث عن أنامل جديدة تمنحنا حق الحياة.

سكنت أنامل «إبراهيم أصلان» التى كانت تمنحنا الحياة، هدأ قلب الرجل الذى كتبنا بلغة أكبر وأعمق من كل لغات الفن، أدبا وصورة ورسما وسينما. اختزل «أصلان» الإبداع فى سطور قليلة لأنه رفض أدب «الترزي» الذى يفصل الحكاية على مقاس الشخصية، بل كان ينسج الشخصية من حكايتها، مثلما تعلم فى مدرسة السجاد أثناء مراهقته. عاش يبحث عن إجابة على أهم سؤال فى الحياة: لماذا ينعدم التواصل بين الناس؟ فتحول هو إلى حلقة الوصل بيننا، كأنه يستكمل عمله كـ«بوسطجى» فى بداية حياته. كان يكتب قليلا، ويظهر أقل، ويرى الاحتفالات والمهرجانات والتكريمات على حقيقتها، مجرد «حقن تنفخ الأديب فيتحول إلى بدلة فى سهرة».

ذاق روعة الإحساس بالمكان، فكتب ما يعرف تفاصيله فقط، فخرجت أعماله القليلة تنبض بالحياة والصدق والبساطة، وكان رهانه الأكبر على ما تتركه حكاياته فى نفوسنا رغم أنه كان يسطر التفاصيل التى تستحق الذكر فقط، ويفتح منها أبواباً ودهاليز لكل خلفيات شخصيات حكاياته، كأنه تعمد أن نكملها معه بوجداننا وتجاربنا وأحيانا قسوتنا. وضعنا «أصلان» فى ساحة العجز أمام أعماله، فلم تفلح سينما فى تحويلها إلى صورة تماثلها، ولم يفلح نقد فى تصنيفها، ولم يسعفنا الخيال فى الابتعاد بها عن عالمه، فتلبستنا نزواتها وهفواتها وجنوحها وانكساراتها وبساطتها لصدقها الطاغى، وربما لكرهه لقراءة أدب الخيال العلمى.

قرأ «أصلان» فى بداياته الأساطير، والأدب المترجم والأدب المصرى والشعر، فلجأ إلى بيت الواقع، وكان كل فترة يعود لقراءة كتاب «نظرية التصوير» تأليف «ليوناردو دافنشى»، واهتم بالرسم والفن التشكيلى، فخرجت أعماله قطعا فنية أصلية، كأنها مرسومة بريشة فنانى «عصر النهضة»، لذلك لم يكتب سوى تسع مجموعات بين رواية ومجموعة قصصية، لكنها كانت تكفى لوضعه بين أساطير الأدب والواقع.

كان طائر «مالك الحزين» عندما ينحصر الماء عن المكان الذى يعيش فيه، ينتابه الحزن، ويطوى جناحيه على نفسه حتى يموت كمدا، أو يطير ويحاول الارتطام بأى جسم صلب لتنزف دماؤه وهو يعزف أجمل الألحان. هكذا تقول الأسطورة، لكن «عمنا أصلان»، ليس مالكنا الحزين، فهو لم يسلم أو يتباكى على انحصار مياه الكرامة لسنوات، ولم يرتطم بحواف نوافذ «التجارة» الأدبية كى ينتحر، بل قاوم الحزن بالكتابة المبهجه الحقيقية، فأصبح أكبر من أن نكتب عنه بضع كلمات فى صفحة، ولا يسعنا سوى أن نقول له بعد أن عاد إلى «خلوته»: «عم مساء أيها الصقر المجنح».

* لحظات حياتية «متكررة»
«فضل الله عثمان» اسم شارع تحول إلى كائن حى على يد الكاتب الراحل إبراهيم أصلان، كائن حى يرتدى ثيابا بسيطة بساطة الكلمات البعيدة عن التعقيد اللغوى، له شجرتان فقط، واحدة بجوار المجلس المحلى والأخرى مقطوعة يابسة فى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من الشارع الرئيسى. تجرى فى عروقه دماء «المجارى» والمياة الآسنة المتراكمة فى بعض الأوقات، وفى أوقات أخرى ممهد بالتراب الذى رش عليه الماء، حتى تثبت حباته مكانها لتحفظ حكايات الجيران من الضياع فى الهواء.

لكل حجر وشخص فى «فضل الله عثمان» حكاية، جمع أصلان بعضها فى «حكايات من فضل الله عثمان» وترك الباقى فى مكانه لعل هناك من يكمل يوما كتابة الحكايات البسيطة بساطة الفقراء دون تعقيد فى الدراما الخالية من العقد والحلول، لكن النابضة بالموت والحياة والتفاصيل الصغيرة الملقاة خلف كل حجر وتحت قدم كل طفل يجرى فى الأزقة، موزعا وقته على ترابها حتى يتاح لأمه أن تقوم بمهام منزلها الصغير، أو مهام النميمة النسائية، حتى يختلط الأمر فلا تعرف هل كان المقصود «حكايات من فضل الله عثمان» أم أنها «حكايات فضل الله عثمان».
بلغة بسيطة سجل إبراهيم أصلان مشاهد صغيرة من الحياة التى عاشها فى الشارع، مشاهد لا يصر فيها الكاتب على بداية أو نهاية، يصر فقط على نقل التفاصيل كما هى بكامل حيويتها اللحظية وتكرارها على مدار السنين، فالأم فى «مشوار» هى نفسها تلك الأم الفقيرة التى يمكنك أن تراها فى أى مكان شعبى، لا تمتلك من قوت يومها سوى ثمن «شقة فول» تعطيها لصغيرها الذى تمضى صباحها فى ضربه على فخذه العارى وتقبيله على شفتيه وترديد الكلمات الصغيرة التى يحاول أن يتعلمها. وفى «مشهد جانبى» كانت صفية «تأخذ حفنة أرز من أصبع محشى مفكوك تنفخ فيها وتدسها باردة فى فم الولد عمارة» مثلما تفعل كل أمهات المناطق المشابهة، حكاية ليس المهم فيها وجود المشكلة ولكن الأهم تفاصيل الحياة.

تمتلئ حكايات فضل الله عثمان بالتفاصيل التى يسجلها الكاتب بدون ملل، بدون أن يعتمد على معرفة القارئ بما يكتب. فالأستاذ سيد فى «مونديال» كان «يتناول رغيف سن مقبباً من كيس البلاستيك المعلق وينقره من أعلى بطرف أصبعه ويعمل فيه ثقبا، عبر هذا الثقب يصوب كمية من الماء داخل الرغيف ويرجه بقوة حتى يبلل جوفه ثم يقلبه ويفرغه. يلاحظ أن الرغيف شرب معظم الماء كالعادة ولم ينزل من ثقبه سوى القليل. يقلبه تحت الحنفية بسرعة ليبلله أيضا من الخارج، يضعه فى صحن آخر ويحمل الصحنين إلى المنضدة المنخفضة أمام التليفزيون». مثله مثل الكثيرين الذين فعلوا ذلك ولكنه هنا لم يكن شخصا آخر بين الأشخاص المعتادين الذين يمكن حذف تفاصيلهم لتكرارها، كان هو الحكاية وكان يجب أن نرى كل ما يفعل وما يرى حتى لو كان ينظر ناحية باب المرحاض الذى «تخرج منه الحاجة رقية وهى تسحب ثيابها إلى تحت».

إلى جوار شخصيات الحكايات البسيطة المعتادة، كانت هناك شخصيات مختلفة ونادرة فى المجموعة ندرة وجودها فى الشارع نفسه هناك الرجل الذى جلس بنظافة جلده وجلبابه ليبيع تراث أهله الغابر فى «الرجل والأشياء». وفى حكاية «السوق» كان هناك ذلك الذى يبحث فى نهار رمضان عن مكان يشرب فيه سيجارة قائلا «واصلت المشى وأنا أفكر فى تلك المقاهى التى أغلقت أبوابها على غير عاداتها فى ذلك الوقت من كل عام». وفى «قطرات من الليمون» كان هناك من يرفض الحميمية المطلقة للمكان ويهفو إلى الابتعاد عن الكل المتلاحم فى المصائب، فيصف حال نفسه بعد أن سمع الصرخة التى أعلنت موت الحانوتى قائلا: «استدرت ومشيت مبتعدا وأنا أنظر تحت قدمى لكى يظن أى واحد يرانى من الجيران أننى لم أسمع الصرخة ولم أذهب إلى هناك لأننى مشغول بالبحث عن شىء ضاع منى فى فضل الله عثمان».

لا يكتفى أطفال «فضل الله عثمان» بقضاء وقتهم فى اللعب فى الشوارع المتربة أو فى محاولة الإمساك بجلباب الأم المسرعة، فبعد أن مات أحمد، فى «سبيل للصغار»، على أثر سقوطه من أعلى سطح أحد البيوت، حيث كان يلعب بطائرته الورقية، كان الأطفال «يحفرون حفرة عميقة فى الجانب الأيمن من مدخل بيت الولد أحمد ويغرسون ماسورة قوية بها مجموعة من أسياخ الحديد التى امتدت مثل أغصان ينتهى كل منها بحلقة وضع فيها كل ولد قلة من فخار أحمر يقطر منها الماء، وكانت الشجرة الحديدية مطلية كلها باللون البرتقالى المضاد للصدأ».

بقدر بساطة الحكايات كانت بساطة العناوين، شجرة، شغف، هروب، صمت، شتاء، رجل، ليل، حوار، سفر، خيط. وبقدر كثرة التفاصيل اليومية تمتلئ الذاكرة لتظهر حالة من الشجن أنهى بها الراحل مجموعة حكاياته فى «المستحمة» كاتبا:

انقضى ما انقضى،

وظل باقيا فى البال،

حجرة خالية إلا من عرى جميل،

ومرآة منطفئة،

ومسحة من ثدى،

وبخار.

* مختصر حياة
تاريخ الميلاد: ٣/ ٣/ ١٩٣٥ - طنطا - محافظة الغربية

عاش فى شارع «فضل الله عثمان» بحى إمبابة ثم انتقل إلى الوراق وبعدها إلى المقطم

بدأ الكتابة والنشر منذ العام ١٩٦٥.

أعدت مجلة «جاليرى ٦٨» ملفاً خاصاً عنه عام ١٩٦٩ بعد نشر مجموعة قصصية له فى مجلة «المجلة» وقبل نشر أول، أعماله الأدبية «بحيرة المساء» عام ١٩٧١.

عمل بوسطجيا بهيئة البريد

انتدب للعمل نائباً لرئيس تحرير سلسلة «فصول» (١٩٨٧ - ١٩٩٥)

رئيساً لتحرير سلسلة (آفاق) التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (١٩٩٧ - ١٩٩٩)

عمل مسؤولاً عن القسم الثقافى بجريدة الحياة اللندنية (مكتب القاهرة) (١٩٩٢ - ٢٠١٢)

تولى رئاسة لجنة اختيار الأعمال التى تصدر عن مكتبة الأسرة بعد الثورة حتى رحيله

الجوائز

جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ٢٠٠٣م - ٢٠٠٤م.

جائزة كفافيس الدولية عام ٢٠٠٥م.

جائزة ساويرس فى الرواية عن «حكايات من فضل الله عثمان» عام ٢٠٠٦م.

رشح لجائزة النيل فى الآداب عام ٢٠١٢ (لم تعلن بعد).

الأعمال الروائية

- «بحيرة المساء» ١٩٧١ قصص ترجمت إلى الإنجليزية

- «مالك الحزين» رواية ١٩٨٣ ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والصربية

- «يوسف والرداء» قصص ١٩٨٧

- «وردية ليل» رواية ١٩٩١ ترجمت إلى الفرنسية

-«عصافير النيل» رواية ١٩٩٩ ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية

- «خلوة الغلبان» قصص ٢٠٠٣

- «حكايات من فضل الله عثمان» قصص ٢٠٠٣

- «شىء من هذا القبيل» قصص ٢٠٠٧

- «حجرتان وصالة» قصص ٢٠١٠ جار ترجمتها إلى الفرنسية

* توصية نجيب محفوظ
فى نفس العام الذى أصدر فيه «إبراهيم أصلان» أول أعماله المطبوعة، المجموعة القصصية «بحيرة المساء» ١٩٧١، كان الكاتب الشاب، وقتها، يحتاج خطاب توصية للحصول على «منحة تفرغ للكتابة». ولم يكن هناك أفضل من الكاتب الكبير نجيب محفوظ لكتابة هذا الخطاب. كان أصلان وقتها شابا صغيرا ينشر أعماله فى مجلة «المجلة» التى كان يرأس تحريرها الأديب الراحل يحيى حقى، ولكن محفوظ رأى فيه ما جعله يكتب الخطاب التالى:

«الأستاذة الفاضلة مديرة إدارة التفرغ.. تحية طيبة وبعد. فأود أن أزكى الأخ إبراهيم أصلان فى طلب تفرغه، مؤمنا كل الإيمان بأن تفرغه سيكون لخير الأدب الجديد أكثر منه لشخصه. وهو فنان نابه، له مؤلفات مطبوعة أو منشورة فى الصحف تقطع بموهبة جديدة فذة ومستقبل فريد، ولمثله نشأ مشروع التفرغ، وعند أمثاله يثمر ويزدهر. فأرجو مخلصا أن ينال حقه وأن يكرم بما هو أهله. وتقبلى فائق التحية. المخلص نجيب محفوظ ١٢/٩/١٩٧١».

المصدر: المصرى اليوم

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على ملف خاص : إبراهيم أصلان

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
98495

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة