الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةإصدارات وكتب أدبية › نصف سيرة الوطن التى أكملها المنسى قنديل بعد ثلاثة عقود

صورة الخبر: نصف سيرة الوطن التى أكملها المنسى قنديل بعد ثلاثة عقود
نصف سيرة الوطن التى أكملها المنسى قنديل بعد ثلاثة عقود

طبعة جديدة من رواية «انكسار الروح» للروائى الكبير «محمد المنسى قنديل» ليست سببا كافيا لمعاودة الاحتفاء بالرواية، لكنها تلك السمة التى تميز كل أدب حقيقى، «اللا زمنية» حيث هذه الحكايات الصغيرة، بنت الماضى، وبطلته، صالحة للنثر الآن. لا لأن الليلة أشبه بالبارحة، لكن لأنه هكذا دائما تتحالف الظلمة مع المؤامرة، فتصبح السنوات التالية لثورة شباب 25 يناير، نيجاتيف لزمن ما بعد نكسة 1967.

هذه الرواية كانت الأولى لقنديل، تشبعت بظلال سيرته الذاتية، التى تقاطعت بدورها مع سيرة مصر فى النصف الثانى، والأكثر اشتعالا من القرن العشرين، زمن التحولات الكبرى بدءا بـ يوليو 1952، مرورا بالنكسة وتفتت آمال الحالمين على صخرة الواقع، وموت الزعيم، ووصولا إلى أكتوبر1973، وما تلاه من تحولات أو انقلاباتٍ على تلك الأحلام، أفسحت المجال للتيارات الظلامية، وجاورت هراواتها وجنازيرها، مع عصى السلطة وزنازينها.

عبر بطله الأثير، الذى يكاد يكون هو؛ «على» طالب الطب الفقير، ابن أحد عمال مدينة الغزل الثائرة، غزل قنديل سيرته فى جزئها الأول: قصة حبٍ مأساويةٍ، تجمع طالب الثانوى بفتاةٍ أصغر، كما يجمعهما الفقر الشديد، والتعلق بحبال الزعيم، الذى كان موجودا فى ذلك الوقت حتى فى الحب:

«أصدر بشفتيه صوتا مشفقا ثم هتف

ـ مسكين، هل يكره عبدالناصر؟

لم أدر كيف أجيب عن هذا السؤال، لماذا يضعون أبى دائما فى مواجهة عبدالناصر، ربما لأن الجميع يوضعون دائما فى مواجهة عبدالناصر، قلت:

ـ لا أدرى، إنه لا يتحدث كثيرا، يجيب فقط على الأسئلة الضرورية..

هز الأب رأسه وسرح ببصره بعيدا وهو يقول:
ـ عبدالناصر ليس لنا، ليس لمن كان فى سنى أو سن أبيك، إنه لكم أنتم، هو الذى زرع فيكم كل هذه الأحلام الغريبة.

حتى الحب، يوجد فيه عبدالناصر بشكلٍ أو بآخر..».

برحيل فتاته التى مات أبوها والتحق أخوها بجيش عبدالناصر، يبدأ البطل رحلة أو تيها يشبه ذلك الذى خاضته إيزيس بحثا عن أوزوريس لكنه أتعس حظا، إذا لن يمثل كل لقاءٍ بها سوى بداية لمدى أطول من الفراق، حتى لتبدو تلك البنت الحبيبة «فاطمة» إحدى مغزولات الخيال، لولا تلك النهاية الصادمة كالواقع، التى تجمع طرفى العلاقة على طرفى سريرِ بأحد بيوت الدعارة، ضائعيْن تماما، ككل شعارات الستينيات.

فى السنوات التى تخللت تيه على عن فاطمة كانت ثمة حرب فى الخلفية، انتهت قبل أن تبدأ، مخلفة جثثا ناقصة، وأعضاء مبتورة، وهزيمة كالجنون. أثناءها كان طالب الطب، الذى طالما تعجل دفن قسوة الفقر فى نصاعة القميص الأبيض لا يصدق أن تكون البداية بهذه الدموية وأن تكون أول روح تفيض بين يديه هى لمصطفى شقيق ملاكه الضائع. ولم تفلح «سلوى» زميلته البرجوازية فى حمله على الانفصال عن كل تعاسات الماضى وذلك الآن، الذى تلا موت الزعيم ثم حرب أكتوبر 1973، وانفتاح السادات، وحلفاؤه الجدد، وضمنهم الإسرائيليون، والإسلاميون الذين استخدمهم لترهيب الاشتراكيين ممن اعتبرهم الرجل أعداءه:

«دخل أحد زملائنا ممتقع الوجه، هتف فى أذن الحماقى:

ـ إنهم يمزقون مجلات الحائط، وينزلون الشعارات.

هتف علاء الحماقى فى دهشة:

ـ ماذا، هل اقتحم الأمن المركزى الكلية؟

ـ كلا، إنهم جماعة الشيخ «مؤمن»، وبقية الجماعات.

ـ وقبل أن نفعل شيئا كانوا هم قد جاءوا إلينا، سدوا علينا كل أبواب المدرج، متحفزين يمسكون فى أيديهم السلاسل الصلبة وعصيا لها مقابض كالتى يستعملها رجال الشرطة، كان الشيخ مؤمن فى المقدمة، يصرخ محرضا الجميع أن يطهروا الكلية منا نحن الكفرة، ثم اندفعوا فى عنفٍ بين الصفوف، رفعوا السلاسل وداروا بها فى الفضاء فأصدرت أزيزا مرعبا.

تُقفل الرواية على «على» مطرودا خارج جنة فاطمة عاريا وعلى صدره قطة تموء. وبعد ثلاثة عقود تخللتها عدة روايات لم يفارقها «على» ولو على استحياء، استعاده المنسى قنديل فى روايته الأخيرة «أنا عشقت»، التى اقتطعت جزءا من سيرته وسيرة مدينة الغزل مقتسمة المكان هذه المرة مع العاصمة، بمتناقضاتها وخفاياها وعالمها السفلى خلال الثلاثين عاما السابقة على ثورة يناير.

ويبدو أن هذه الرواية الجديدة كانت ملحة، بحيث فرضت نفسها حتى على كتابات، كانت قاربت الانتهاء، فقد قطعت فصولا كان المنسى قنديل كتبها فى رواية بعنوان «حصار الروح»، أقرب إلى السيرة الذاتية المبطنة بطابع أسطورى، كما ابتعدت بالكاتب عن سكةٍ فنية، كان قد أوغل فى الكتابة عبرها وهى تيمة التاريخ، والسفر فى الماضى فى أعمال مثل: «شخصيات حية من الأغانى»، «وقائع عربية»، «تفاصيل الشجن فى وقائع الزمن» فضلا عن روايته الشهيرة «يوم غائم فى البر الغربى»، هذه السكة التى عاودها الكاتب فى الرواية التى يعكف عليها الآن، بقناعة يرددها هى أن: «التاريخ المصرى كنز لأى كاتب».

المصدر: الشروق

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على نصف سيرة الوطن التى أكملها المنسى قنديل بعد ثلاثة عقود

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
3223

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة